Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقهى دمشقي كادره من مصابي متلازمة داون

يبحث المشرفون عليه فكرة تعميم التجربة لتصل إلى مدينة حلب وباقي المحافظات السورية

يتربع بين جنبات حديقة تشرين وسط العاصمة السورية دمشق وبين أشجارها الوارفة، كوخ خشبي تعد فيه ألذ المشروبات الساخنة والباردة، والمأكولات السريعة، ليس لمهارة صانعيه فحسب بل لتلك الأيادي اليافعة التي تحملها بكثير من الحب إلى طاولات زبائن المقهى ومرتاديه.

كسر الجليد ومتلازمة الحب

إنه المقهى الأول من نوعه في سوريا، كادره من مصابي متلازمة داون، المدربين باحترافية عالية على التعامل مع مرتادي المكان، بينما يوفر المقهى لهم فرصة سانحة للاندماج في المجتمع، وكسر الجليد الحاصل بين المصاب وعالمه الخارجي.

ويلاقي المكان إقبالاً متزايداً يوماً بعد يوم، على الرغم من إطلاقه حديثاً، وراح معه الزائرون يتوافدون للاستمتاع بأجواء توفرها لهم حديقة غناء تتوسط مدينتهم، ومن جهة ثانية دعماً لمصابي "متلازمة الحب" كما تُطلق عليه خلود رجب رئيسة مجلس إدارة إحدى الجمعيات المشرفة على العمل الفريد من نوعه في سوريا.

وسعت المحامية رجب منذ سنوات إلى إشراك المصابين بأعمال تساعدهم على الانخراط أكثر في مجتمعهم، وفتحت الباب مع أفراد أعضاء تلك الجمعية للخروج من نمطية ورتابة خطابات رنانة "لا تسمن ولا تغني من جوع".

فمما لا شك فيه أن التعاطف مع المصابين والتعريف بهم ليس كافياً من دون احتكاكهم المباشر في الحياة وإبعاد صورتهم النمطية، الأمر الذي ينعكس على صحتهم الجسدية والنفسية معاً. فمتلازمة داون (تغير في المورثات تصاحبها تغييرات قد تكون كبيرة أو صغيرة في بنية الجسم إلى جانب ضعف في النمو والقدرات الذهنية).

تحسن وشعور بالإيجابية

ومع فيض من مجهود يبذله مصابو داون لتحدي طفرتهم الوراثية، يواصلون التغلب على ذاتهم ويجتثون ضعفهم بكل هدوء حتى يحولوه إلى قوة صلبة يواجهون بها العالم، ينثرون البسمات على الزبائن تارة ويمرحون تارة أخرى على المرج الأخضر الذي يغطي أرض مقهاهم كفراشات ملونة.

هناك إلى جانب الطاولة يقدم مهند، أحد أفراد فريق العمل المشروبات الباردة لعائلة ترتاد المقهى للمرة الأولى ويتبادل معها أطراف الحديث وهو يحاول التغلب على تلعثمه، وسط قلوب محبة من أفراد الطاولة التي استقبلت بترحيب لطيف بعبارة "أهلاً وسهلاً بكم". وينتشر فريق العمل بأرجاء المكان حيث يلقى كماً كبيراً من فيض المحبة والتشجيع من الزوار. أما آية فتقف إلى جانب الخباز للتدرب على طريقة تحضير العجين قبل خبزه في "التنور" الواقع في زاوية المقهى.

وتروي المحامية رجب أن مشروع المقهى أبصر النور، أخيراً، إلا أنه ثمرة عمل سنوات من الشغف وتضافر الجهود ودعم مطلق سخرته كل الجهات ذات الصلة من مجتمع أهلي وحكومي، و"بات يسري شعور بالإيجابية لدى المصابين بعد إطلاق المشروع، مع ترحيب من قبل المجتمع المحلي بالفكرة الجديدة، وبالتعامل مع شريحة معطاءة وودودة وفائضة بالمحبة" فالمشروع ليس تجارياً بقدر ما هو خطوة تشجيعية وتحفيز لأصحاب الهمم الصغار على شق طريقهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الإدماج رسالة لا بد منها

المقهى الغارق بالخشب المعتق وبموسيقى الحب الصادحة من كوخ دافئ، تتبعثر حوله طاولات ومقاعد ترتدي أقمشة ذات طراز تراثي، يضم إضافة لعشرين شخصاً من يافعي المتلازمة، ما يقارب عشرة شباب من الطهاة وأصحاب الخبرة في إدارة المقاهي، وذلك بعد ما حرصت الجمعية المشرفة على هذا العمل بتوفير فرص عمل لهم، وإدارة فريق مصابي المتلازمة بطريقة مثلى وتدريبهم كونهم في بداية الطريق.

وفيما يفكر المشرفون بتعميم التجربة لتصل مدينة حلب بعد نجاحها في دمشق وتعميمها على باقي المحافظات السورية، تلفت النظر عضو مجلس إدارة الجمعية، ووالدة إحدى المشاركات بفريق المقهى، هدى جبان، إلى تحسن قدرات ابنتها وتغييرها بشكل إيجابي، قائلة "نتوقع مع استمرار العمل أن يستقطب المقهى المزيد من القدرات".

من جهتها تعرب الشابة سارة عن محبتها للمكان منذ أولى زياراتها، وتعتقد أن ما يلفح المكان حالة إنسانية تحقق نجاحاً باهراً. كذلك يعبر الشاب عبد الغني موالدي عن إعجابه بطريقة تقديم الوجبات والمشروبات، وبالمشهد العام للمكان.

ويبقى الهدف الرئيس لهذا الدمج بعث رسالة وصرخة من الأهالي بسبب عدم تقبل المجتمع لهذه الفئة من الأشخاص، ورفض طريقة التعامل من قبل البعض التي لا تخلو من التنمر.

وتشدد رئيسة الجمعية خلود رجب على أهمية تلك المبادرة والتي ستخلق منهم أشخاصاً جدداً وأكثر نضجاً وقادرين على التعامل مع المجتمع والناس، وتابعت "لا بد من لفت أنظار الفعاليات الاقتصادية بالاهتمام واستقطاب المصابين بمتلازمة داون وتوفير العمل لهم، فالغاية هندسة نفسية للشباب والصبايا". علماً أن القيمين على المشروع يعملون لوضع كشك للكتب قرب المقهى.

السعادة بفرح القلوب

ويحاول المقهى بخطوات ثابتة اليوم أن يكون لبنة أولى في بناء جديد يرفع من حضور أفراد داون في الأوساط ويضعهم بـ"المواجهة"، فخير علاج هو الاندماج، ويمكن في هذا السياق استذكار أشخاص منهم نجحوا في إثبات حضورهم.

وقد عرف السوريون في وقت من الأوقات السباح علاء الزنبق المصاب بالمتلازمة والذي اشتهر بأداء أدوار في الدراما السورية، والذي فارق الحياة في أغسطس (آب) 2017. ويقول أمجد محمد، أحد رواد المقهى المواظبين على الحضور "الأمر يدفع للسعادة والراحة حينما نشاهدهم سعداء"، بينما اللاعب الرياضي، أحمد نايف يردف "نأتي لنأخذ طاقة وروحاً ومحبة منهم. مصابو داون يقومون بعمل جبار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير