Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإصابة بمتلازمة داون ليست كارثة ولا مأساة

خلال أسبوع الموضة في نيويورك تُذكرنا عارضة أزياء تعاني متلازمة داون بأن الدنيا بخير

ماريان أفيلا ، أول عارضة أزياء مصابة بمتلازمة داون. (غيتي) 

لطالما استمتعت بمشاهدة عارضات الأزياء. في الجامعة، كنت أسكن في غرفة واحدة مع طالبة زميلة تدعى كلير، وهي كانت عارضة أزياء ناجحة، ودائماً تغادر فجأة في الوقت الفاصل بين محاضرة وأخرى لتظهر على أغلفة المجلات اللامعة الخاصة بالمراهقين أوعلى الملصقات الإعلانية. وغالباً ما  كانت تصحبني إلى النوادي في لندن حيث تتجول مع صديقاتها مثل الآلهات، متجاهلات الحراس البغيضين الذين يتولون مراقبة المهمشين الواقفين في الطوابيرسعياً الى الدخول.

كنت حينذاك في الثامنة عشرة، طولي 5 أقدام وبوصتان، وقياس ثيابي 14، وشعري المجعد يُكلِّل رأسي، كنت ألحق بهن مسرعة وأنا أرتدي سترة من الكروشيه فوق قميص واسع من طراز بيلي براغ [مغنٍ وموسيقار بريطاني]، وأمضي المساء  مذهولة بالثقة التي تتمتع بها أولئك الفتيات. فهن يعرفنّ حقّ المعرفة أن الناس ستحتفي بهن أينما ذهبن.

كنت أنظر إليهن كما لو كنّ من كوكب آخر، فهن يملكن الدخول الى عالم موصد في وجهي ولا يستقبلني إلا متفرجة متلصصة. ووقع الاختيار بعناية ودقة عليهن كممثلات الجمال المثالي، ولن يقدمن مثلي على ارتداء سترة كروشيه بهذا القدر من اللامبالاة.

وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، خطا أسبوع نيويورك للموضة خطوة منعشة لإدخال التنوّع على ذلك النموذج: ظهرت على منصة العرض ماريان آفيلا ابنة الحادية والعشرين ربيعاً، والتي تعاني متلازمة داون، لتعرض فستاناً من تصميم تاليشا وايت. وهي ليست أول عارضة أزياء تعاني متلازمة داون؛ فهي تسير على خطى العارضة الأسترالية مادلين ستيوارت، ومشاركة اللواتي هن مثلهما خطوة نحو إدراك أن المصابين بمتلازمة داون في إمكانهم التمتع بحياة رائعة مُرْضية وسعيدة على الرغم من التحديات التي تواجههم.

أنا أؤيد تمكين النساء وأن يعود إليهن الخيار. واضطررت الى الخضوع لعملية إجهاض وأنا في أواخر الثلاثين من العمر، وسأدافع على الدوام عن حق المرأة في الاختيار، وليس من شأني الاطلاع على ظروف الآخرين أو الحُكم عليها. كنت حاملاً في الأربعين، ورفضت بتهذيب التحدث عن أي نوع من فحوص ترصد متلازمة داون. وأول المخاطر كان الإجهاض، وكان مفاد الفكرة المسيطرة عليّ،  إلى حد كبير،  هو أنني "لن أحصل إلا على نصيبي" وما قدر لي في ما يخص هذا الطفل الذي أتوق الى رؤيته. بالطبع قد ترغب في معرفة المخاطر المحتملة لتستعد فكرياً وعقليًا بقدر الإمكان لتربي طفلاً من ذوي الحاجات الخاصة، ولكنني شخصيًا لم أرغب في سماع جملة: "نقترح عليكِ فحصاً حتى تعرفي الخيارات المتاحة أمامك."

لم أفكر في أن متلازمة داون  هي صنو مأساة؛ وأدركت مخاطر كوني والدة متقدمة في السن. وأكثر ما أقلقني في الأمر هو نظرة المجتمع. ما زلنا ننظر إلى متلازمة داون على أنها أمر مروع، ولكن إذا أمضيت وقتاً مع أسر فيها مصاب بمتلازمة داون، أدركتَ ببساطة أن مثل هذه الإصابة ليست  أمراً مروعاً.

عندما كنت طالبة، كنت محظوظة وتسنت لي المشاركة في بعض الأعمال التطوعية بمركز للبالغين المصابين بمتلازمة داون. واستمتعنا كثيرًا بالثرثرة بعضنا مع بعض، وبالمشاركة في دورات تمثيل. وفي وقت الغداء، كان أغلب حديثنا يدور حصرياً تقريباً على حلقات إيست إندرز. وتحدثت باستفاضة مع إحدى النزيلات الصغيرات في السن فروت لي كل شيء عن صديقها "الذي يزورها أيام الثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، ولكنه لا يزورها يوم الإثنين ليساعد والدته بشؤون متجرهم". وكانت المرة الاولى التي أمضي الوقت مع أشخاص مصابين بمتلازمة داون. وتمنيت لو أتيحت لي الفرصة قبل وقت طويل حين كنت في المدرسة.

كلٌ من الأطفال مختلف، سواء كان يعاني من متلازمة داون أم لا. ابني يميل بشكل لا يصدق إلى الأكاديميا، وتستهويه الرياضيات، على خلاف ابنتي. وأنا متأكدة أن الفرصة إذا أتيحت لها فستهرب وتلتحق بالسيرك. وتختلف إنجازات كل منهما. ولكن ما يسعدني أنني أراهما يحققان أهدافهما، سواء كانت نيل 100 في المئة في امتحان الرياضيات أم تمضيتهما الصباح بالتدرب على إتقان حركة قفز لولبية.

كنت حاملاً وأنا في الأربعين من العمر، ورفضت بتهذيب التحدث عن أي نوع من فحوص ترصد متلازمة داون . لم أكن مهتمة بسماع عبارة: "نعرض عليك إجراء فحص حتى تكوني على بيّنة من الخيارات المتاحة أمامك."

شعرت صديقتي، وابنها المراهق مصاب بمتلازمة داون، بسعادة عارمة في اليوم الذي حصل فيه على عمل في سوبرماركت، وكانت رؤية ابنها وهو يستقل الحافلة بنفسه ذهاباً وإياباً من العمل أمراً لطالما تمنت أن يتمكن من القيام به. وكان إنجازاً عظيماً أفرحها وأقلقها في آن واحد. فالقلق لا مفر منه عندما يبدأ الأبناء في الاستقلال بغض النظرعن قدرة واحدهم.

يرغب جميع الآباء في رؤية أبنائهم مستقلين لأنهم في يوم من الأيام، مهما كان الأمر مخيفاً، سيعيشون على هذه الأرض من دوننا، ومتلازمة داون ليست نهاية العالم. فلابد أن تتاح للمصابين بمتلازمة داون فرصة الظهور أكثر فأكثر على الشاشات، وفي المدارس، وأماكن العمل، وطبعاً، على منصات عروض الأزياء.

ليس هنالك أطفال يعانون متلازمة داون في مدرسة أبنائي. أتمنى لو كان لهم مكان هناك، وهذا يصب في مصلحة سائر الأطفال، منهم أصحاب الحاجات التعليمية [يعانون صعوبات تعليمية]. فإذا حدث ذلك، قطعنا شوطاً طويلاً  نحو العدالة والقبول.

وفي خطبته الرائعة في اجتماع الأمم المتحدة بجنيف في وقت سابق من هذا العام، سلّط فرانك ستيفنز، وهو يعاني متلازمة داون، الضوء على ما جعله مختلفاً بيولوجياً عن عامة الناس، قال: "الفرق الوحيد هو أنني شخص مختلف قليلاً... ولكنني إنسان. أنظروا إليّ على إنني إنسان، ولست ذا عيب خلقي ولا ذا متلازمة. لا تفكروا كيف تستأصلونني من المجتمع، ولكن فكروا في أنني أحتاج الى الحب والتقدير والتعليم، وأحياناً الى المساعدة."

مصيبٌ، يا سيدي، فعلاً أنت مُصيب. معك كل الحق سيدي. معك حق.

© The Independent

المزيد من دوليات