Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريا تستورد القطن لأول مرة... فهل خسرت نفطها الأبيض؟

تحولت من دولة مصدرة إلى مستوردة إلا أن مراقبين يعتبرون أنها كبوة لن تدوم

جاء الاعتماد على الاستيراد كحل إنقاذي في نهاية المطاف (اندبندنت عربية)

بعد كل ما قاسته من آتون الحروب التي دارت على امتداد رقعتها الجغرافية، بدأت الأراضي الزراعية السورية تنتج غلات ضئيلة، لتبدأ مرحلة تعافٍ بطيئة وشاقة، لمحاولة تعويض الخسائر التي مُني بها المزارعون، في ظل خيبة أمل الفريق الاقتصادي الحكومي الذي عوّل كثيراً على مخرجات الأرض في رفد الخزينة العامة لمواجهة الحصار الذي فرضته العقوبات الأوروبية والأميركية.

ثروة خارج الحسابات

وأوصت اللجنة الاقتصادية الحكومية بالسماح للقطاع العام والصناعيين باستيراد القطن المحلوج والخيوط القطنية وفق طاقتهم الإنتاجية الفعلية، لمدة 6 أشهر، حتى نهاية العام الحالي.
ومع كل ما بددته الانتكاسات من آمال، جاء الاعتماد على الاستيراد كحل إنقاذي في نهاية المطاف، لا سيما عقب خروج موسم القمح من خطة الاكتفاء الذاتي، إثر موسم جفاف غير مسبوق خلال العقود السبعة الأخيرة، فسمحت الحكومة السورية باستيراده من روسيا خلال العام الحالي، ما مهد إلى قرار مماثل باستيراد مادة القطن المحلوج، لتتحول سوريا من بلد منتج ومصدر للقطن إلى بلد مستورد.

ومن الصعب بمكان أن تبت دمشق استيراد مادة شكلت قبل الحرب ثروةً تردف خزينتها، لا سيما كونها ضمن المواد الداخلة في التصدير، احتلت فيها سوريا قبل الحرب في عام 2011 المرتبة الثانية عالمياً في سوق المنتجات النسيجية القطنية العضوية. وشكل إنتاج سوريا من القطن في عام 2010، 8.3 في المئة من الإنتاج العالمي، فيما استأثرت الهند بالمرتبة الأولى.


انقسام حول الاستيراد

وأثار قرار الاستيراد الذي كان له وقع الصدمة انقساماً في الرأي، خيمت معه حالة إحباط، إذ إن المواسم الزراعية كما يراها مراقبون اقتصاديون، باتت تخرج الواحدة تلو الأخرى من حسابات الربح إلى الخسائر المتتالية.
وفي ظل اختلال صورة "الذهب الأبيض" كما يسميه السوريون، لا سيما في مدينة النسيج حلب (شمال)، التي تحتفي بنبتة القطن في مهرجان سنوي يحمل اسمها تقديراً لمكانتها، انتقد فريق من الباحثين الاقتصاديين توقيت قرار الاستيراد، متحدثين عن وجود أولويات في ظل ظروف صعبة ترهق البلاد، لا طائل معها من تبديد القطع الأجنبي.
في مقابل ذلك، يرى الفريق الاقتصادي الحكومي، المتمثل باللجنة الاقتصادية، أن ما دفع إلى اتخاذ ذلك القرار، هو الطلب الملح من أصحاب معامل النسيج. وأعلن معاون وزير الصناعة، الدكتور جمال العمر عقب صدور قرار الاستيراد أنه "في مؤتمر للنسيج عُقد في مدينة حلب في أواخر عام 2020، تبينت حاجة فعلية لتشغيل المعامل في القطاعين العام والخاص".

نضوب المخازن

يأتي ذلك في وقت لم تتجاوز فيه الكميات المنتَجة 11 ألف طن، في حين كان إنتاج سوريا من القطن قبل الحرب يصل إلى 750 ألف طن. وتعزو وزارة الصناعة هذا الانخفاض إلى جملة ظروف محيطة ألقت بتأثيراتها في ضعف الإنتاج، إضافة إلى خشية أصحاب معامل النسيج من نضوب مخازن المواد الأولية التي وصلت نسبة الكميات التي تحتفظ بها إلى 35 في المئة، لا تكفي لتشغيل ماكيناتها، وفي حال عدم جلب مزيد من القطن سيضطرون لإغلاق منشآتهم.
إلا أن مراقبين خففوا من حدة الأمر وربطوا الموضوع بظروف استثنائية. وقال الصناعي ربيع قاسمو أنه "على الرغم من كل ما يحصل، ستعود الأمور بالفائدة علينا. صحيح هناك استنزاف للقطع الأجنبي جراء الاستيراد لكن في المقابل سيتيح استمرار دوران عجلة معامل النسيج، زيادةً في الكميات المصدرة من الألبسة الجاهزة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


طوق النجاة من حالة الركود

إزاء هذا الواقع الصعب، لا يتوانى باحثون اقتصاديون عن التأكيد على أهمية الإنتاج الزراعي، كونه البوابة لانتشال البلاد من واقعها المتردي. وتحدث الأستاذ المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور علي محمد، عن ضرورة "إيلاء الإنتاج الزراعي أولوية، لا سيما تأمين الأمن الغذائي، وبعدها يمكن السعي إلى تخفيف الحجم الهائل من المستوردات".
واعتبر محمد في الوقت ذاته أن "إيلاء الزراعة الدعم الكافي سيخفف من أعباء الاستيراد، وتقديم كل الدعم لها ستكون له انعكاسات على المدى المنظور، في ظل ترافقها مع برنامج إحلال بدائل المستوردات، الذي يتضمن 67 مادة لتوفيرها بالشكل الكافي والاتجاه بعد ذلك نحو التصدير".

موسم غير مشجع

من جهة أخرى، يُرجِع أصحاب الشأن من صناعيين ومزارعين، نضوب إنتاجهم، إلى خروج جزء كبير من أراضي الجزيرة السورية، شمال شرقي البلاد، التي تزرع القطن كالرقة (الثانية في البلاد)، عن سيطرة الحكومة في دمشق، وباتت تقع حالياً ضمن نطاق نفوذ الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). بالتالي فإن عدم وصول الكميات الكافية من القطن إلى المعامل، ترك تأثيراته، إضافة إلى العوامل الطبيعية، لا سيما الجفاف الذي أثر في المحاصيل.
وعلى نحو ما استشعر الفريق الحكومي خطر خروج محصول القطن من يده لهذا العام، ما أدى إلى مضاعفة سعر استلامه من المزارعين عن العام السابق، ليصبح 1500 ليرة سورية (50 سنتاً) للكيلوغرام الواحد، بينما كان يصل العام الماضي إلى 700 ليرة، لا سيما وأن أراضي زراعة القطن في ريف حلب، الأولى في زراعة الذهب الأبيض في سوريا، لم تعد إلى العمل بكامل طاقتها بعد.
وقال مزارعون إن السعر الجديد لا يحقق حتى الربح الوفير، نظراً لما مرت به البلاد من ارتفاع في أسعار المحروقات المشغلة للآلات الزراعية، وأثمان الأسمدة، وتكاليف النقل وغيرها من الأجور.
ودفعت هذه الحالة قسماً كبيراً من المزارعين إلى العزوف عن النشاط الزراعي. وزاد من تفاقم الوضع، خطة تشجيع بنسبة 80 في المئة أقرتها الحكومة لزراعة القمح على مجمل الأراضي الواقعة ضمن سيطرتها، ما خفف الاهتمام بباقي المحاصيل الزراعية ومنها القطن.
إلا أن الكبوة الأخيرة للقطن لن تدوم بحسب التوقعات الأولية، إذ تَعد عودة أجزاء من الأراضي الزراعية في الأرياف إلى سيطرة الحكومة، بأن إنتاج "الذهب الأبيض" سيستعيد بريقه ولمعانه.