Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أريثا فرانكلين "تنوه" بالقس الذي ساعدها في العثور على صوتها

فيلم سينمائي جديد عن حياة أريثا فرانكلين يلقي ضوءاً على مرشدها القس جايمس كليفلاند، الذي انتشل المغنية من أصعب مراحلها. ناديا سايج تستطلع حياة ذاك الرجل الذي لعب دوراً أساسياً في حياة فرانكلين

الفيلم السينمائي "ريسبكت" يتناول قصة اكتشاف القس فرانكلين لصوت نجمة موسيقى الـ "سول"، أريثا فرانكلين (رويترز)

"الموسيقى ستنقذ حياتك" قال القس جايمس كليفلاند لـ أريثا فرانكلين، التي كان عمرها تسع سنوات فقط حين توفيت والدتها جراء ذبحة قلبية عام 1952. وقد جلس القس، وهو كذلك موسيقي الـ "غوسبل" (موسيقى التراتيل الإنجيلية)، ينحدر من شيكاغو، أمام البيانو مع النجمة المستقبلية، وراح يلقنها بعض أول أغاني الـ "غوسبل" التي غنتها. وهي، في ما بعد، سوف تعتبره صاحب التأثير الأكبر عليها، في حياتها كلها.

ويعيد الفيلم السينمائي الجديد عن نجمة غناء الـ "سول"، الذي يحمل عنوان "ريسبكت" (احترام) Respect، تمثيل تلك اللحظات المؤثرة. الفيلم بدأت عروضه في الصالات في 13 أغسطس (آب) [بصالات المملكة المتحدة في 10 سبتمبر]، وهو من بطولة سكاي داكوتا تورنر، التي تلعب دور فرانكلين الصغيرة (وتؤدي دور فرانكلين في سن الرشد، جينيفر هادسون)، وتيتوس بورغيس بدور كليفلاند. للإشارة فإن الفيلم المذكور لا يستعيد مجمل تجربة وحياة المغنية. فهناك لهذه الغاية المسلسل الوثائقي "النابغة: أريثا" Genius: Aretha، وأفلام عدة أخرى. وسيركز الفيلم الجديد، مرة أخرى، على قصة عثور فرانكلين على صوتها في نمط الـ "غوسبل"، وعلى مساندة كليفلاند لها حين فعلت ذلك.

ويمكن أن يذكر كليفلاند في هذا الإطار باعتباره "ملك الـ غوسبل"، إلا أن الرجل لم يكن نجماً ساطعاً مثل فرانكلين. لكنه من موقعه كمرشد موسيقي لها، ظل موجوداً في حياتها كلما دعت الحاجة، كما علمها أن الموسيقى يمكنها بالتأكيد إنقاذ حياة "ملكة (موسيقى) الـ سول".

حين بلغت فرانكلين سن الـ 29، كانت سلفاً في حالة إنهاك. فقد سجلت تسعة ألبومات لـ "أتلانتيك ريكوردز" في غضون أربع سنوات، وكان زواجها من تيد وايت يتداعى. كذلك فإن إقبالها على شرب الكحول راح يخرج عن السيطرة. وفي ذلك الوقت أسهم كليفلاند في تأمين لها مساحة آمنة وخاصة للموسيقى بكنيسته، حيث استعانت بجوقته كي تجري التمرينات المطلوبة لتسجيل ألبومها المنتظر. وفي الفيلم يظهران وهما جالسان معاً على مقعدين من مقاعد الكنيسة. فرانكلين تبكي، وكليفلاند يواسيها.

التقت فرانكلين بـ كليفلاند للمرة الأولى حين كانت طفلة، إذ كان صديقاً لوالدها، الذي ظل طوال عقود قساً لكنيسة معمدانية في مدينة ديترويت. وحين غدا كليفلاند مديراً لجوقة الإنشاد في تلك الكنيسة، كان يعيش مع عائلة فرانكلين بمنزلهم في ديترويت.

وكليفلاند سرعان ما ضم أريثا تحت جناحيه، وراح يلقنها فن الغناء وعزف البيانو. وقد ساعدها على غناء الـ "غوسبل" في الكنيسة. كما غدا، إثر وفاة والدتها، بمثابة شعاع نور يرشدها في مسيرها. ومرة قال كليفلاند متحدثاً عن صوت فرانكلين "هي لا تحاول أخذ مكان أحد. الناس متعطشون للمحاولة ولسماع تأويلها للـ "غوسبل". وذاك يجعلها أكثر راحة، لأن التنافس غير موجود".

على أن دور كليفلاند الإرشادي لم يقتصر على أريثا فرانكلين. إذ إنه ركز أيضاً على تقديم الرؤى للعديد من الموسيقيين الشباب. وفي هذا الإطار أسس عام 1967 "المحترف الأميركي لموسيقى الـ غوسبل"، الذي مثل لقاءً سنوياً يجمع مغنيي الـ غوسبل من جميع أنحاء العالم، وهو محترف ما زال يعقد إلى اليوم منذ خمسين عاماً، وبطاقة كبيرة.

ومرة شرح كليفلاند عن جهوده الموسيقية تلك، فقال "الشباب لديهم الموهبة لكنهم يفتقرون إلى من يرشدهم في كيفية تفعيل موهبتهم. لذا رحت أفكر بالطريقة التي يمكننا المساعدة بها في تطوير الموسيقى بالكنيسة، وفي تأمين التعليم الموسيقي للشباب، لأنه ليس هناك تدريب موسيقي منهجي في المدارس".

وكليفلاند من جهته، إذ نشأ في ظل فترة "الكساد العظيم"، لم تكن حياته سهلة أيام طفولته. فهو ولد عام 1931 لعائلة متدينة فقيرة في الناحية الجنوبية من شيكاغو (الـ ساوث سايد). وقد شجعته جدته على الانضمام إلى جوقة الإنشاد في كنيسة "بيلغريم" المعمدانية (بيلغريم بابتيست تشيرش). وهناك تلقى إرشاداً من قبل مدير الجوقة توماس أ دورسي، الذي يتذكره الناس اليوم كـ "أب للـ غوسبل" والمساهم في بلورة موسيقى الـ "بلوز" الحديثة وأصوات الـ غوسبل" في القرن العشرين. وأنشد كليفلاند في كنيسة "بيلغريم بابتيست تشيرش" منذ أن كان ولداً في عمر الثامنة، غير أن صوته لم يتبلور إلا حين بلغ سن المراهقة. وقد غدا صوته الأجش ذاك، سمة تميزه (يسميه "صافرة ضباب" [صافرة تنذر الناس حين يحل الضباب]).

وغنى كليفلاند ضمن العديد من فرق الـ غوسبل في أعوام الستينيات، من بينها "ذا كليفلاند سينغرز" (منشدو كليفلاند)، و"ذا ساذرن كاليفورنيا كوميونيتي كور" (جوقة أحياء جنوب كاليفورنيا)، إلى أن بدأ بممارسة مسؤولياته كقس عام 1970، وانسحب قليلاً من الأنشطة الإنشادية كي يركز على آلة البيانو، عزفاً وتأليفاً وكتابة أغان. ومن موقعه كقس معمداني، وعازف بيانو، ومؤلف، ومنتج، أنجز كتابة وتأليفاً ما يناهز الـ 400 أغنية من نمط الـ غوسبل.

وفي هذا الإطار استطاع كليفلاند أن يحقق إنجازاً متميزاً تمثل بكتابته أغان لمغنيي الـ غوسبل أمثال روبيرتا مارتن، التي درس أعمالها حين كان صغيراً. عن تلك المرحلة قال في مقابلة مع مجلة "ذا غوسبل ساوند ماغازين": "جمهوري كان من الناس البسطاء والعاديين، ولم يكن معنا ثمن بيانو. لذا رحت أتمرن كل ليلة هناك عند حافة النافذة. وأخذت تلك الأوتاد والقطع وصنعت لنفسي مفاتيح (بيانو) سوداء وبيضاء. ويا عزيزتي، رحت أعزف مثل روبيرتا [مارتن]. وحين صرت في المدرسة الثانوية، غدوت واحداً من عازفي الجاز".

على هذا المنوال، غدا كليفلاند موسيقي غوسبل أيضاً. وقد حاز على عدة "جوائز غرامي" (جائزة موسيقية شهيرة في الولايات المتحدة) على ألبومات غوسبل أصدرها، من بينها ألبوم "هافينغ تشيرش" Having Church عام 1998. وتميزت أغانيه ببعدها الروحي وبديمومتها، كما تميز بتعاونه مع الآخرين، فأثبت أنه لم يكن وحيداً يوماً. وساندته أوساط الكنيسة على الدوام. من أعماله مثلاً "غود كان دو أنيثينغ بات فايل" God Can Do Anything But Fail و"لورد دو إت" Lord Do It. هذان العملان يتميزان بحضور حيوي للجوقة التي تؤدي في الخلفية، فيما يتصاعد نحيب الـ غوسبل وصراخه بالترافق مع ترددات لنغمات أورغن، بأسلوب الجاز. من هنا، فإن كليفلاند اليوم يعتبر مؤسس صوت الـ غوسبل الحديث.

في السياق ذاته يقول القس مارفن وينان، الذي ترأس جوقة اسمها "ذا وينانس"، إن كليفلاند لم يكن مؤدياً عظيماً بصوته، بيد أنه عرف كيف يأول كل أغنية. وعن هذا يوضح: "جايمس بمقدوره أن يجعلك تشاهد الأغنية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالتالي فإن كليفلاند عرف أيضاً كيف يجعل العالم يرى موهبة أريثا فرانكلين، خصوصاً عندما أنتج ألبومها في موسيقى الـ غوسبل "آميزينغ غرايس" Amazing Grace عام 1972، الذي سجل في كنيسة "نيو تمبل ميشونيري بابتيست تشيرش" في لوس أنجليس. إذ كانت فرانكلين في ذلك العام (1972) قد جاءت تطلب مساعدة كليفلاند. والفيلم الجديد يصور في أحد مشاهده فرانكلين (تؤدي دورها جينيفر هادسون) وهي تشرب الكحول وحيدة في منزلها، وقد جاءت روح أمها لزيارتها، فاحتضنتها وهي تصلي. وينتقل المشهد مباشرة إلى اليوم التالي، فيصورها وهي تخلي بيتها من قناني المشروبات الكحولية. ثم تقوم بزيارة كليفلاند في كنيسته، وتسأله أن يسمح لها بتصدر الجوقة لإنجاز ألبوم من غناء الـ غوسبل. إذ بالطبع، كونها نجمة، هي أرادت على الدوام "المزيد من الأغنيات"، والـ غوسبل كان مخاطرة كبيرة في عالم موسيقى البوب. غير إن إنجاز ذلك الألبوم مع كليفلاند ساعدها في العودة للارتباط بروحها الأساسية. وكما يذكر شقيقها سيسيل فرانكلن الذي نقل ديفيد ريتز عن لسانه في كتابه "ريسبكت: ذا لايف أوف أريثا فرانكلين" Respect: The Life of Aretha Franklin  (احترام: حياة أريثا فرانكلين): "كانت تتوق إلى الروحانية. وقلبها كان يتضرع لها". وهكذا فإن ألبومها "آميزينغ غرايس" غدا ألبومها الأكثر مبيعاً على الإطلاق.

والزمن كان زمناً صعباً ودقيقاً بالنسبة للأميركيين السود، حيث كانت واقعتا اغتيال مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس ما زالتا حاضرتين بقوة في الذاكرة. فجاء الألبوم كمثل مداواة. عن هذا قال شقيقها سيسيل "ساعدتنا أريثا للعودة إلى الله – قوة الخير الوحيدة التي تبقى ثابتة في هذا العالم القاسي. لذا أنا اعتبره (ألبوماً) تاريخياً".

وجاء ذاك الألبوم مفعماً بالروحانية، لكنه لم يكن وعظياً. وكان المنتج التنفيذي للألبوم، جيري ويكسلير، ملحداً. وعنه قال "هذا الألبوم يرتبط بالموسيقى الدينية بقدر ارتباط عمل ميكيل انجيلو في كاتدرائية سيستين بالفن الديني (أي يتجاوزه بكثير). فالقليل جداً يمكن مقارنته بعظمته، من ناحية الاتساع والعمق".

توفي كليفلاند عام 1991 عن عمر الـ 59 سنة إثر أزمة في القلب. وقبل سنة من موته عانى من مشكلات في التنفس جعلته عاجزاً عن الغناء. لكن في يوم الأحد الأخير قبل وفاته، خاطب رعيته خلال قداس في كنيسة "كورنر ستون إنستيتيوشينال بابتيست تشيرتش". وبحسب "لوس أنجليس تايمز" قال لهم: "في حال لم أراكم مرة أخرى، وإن لن أغني مرة أخرى، فأنا سأظل شاهداً على حقيقة أن الله يستجيب للصلوات. فهو أعاد لي صوتي هذا الصباح".

بعد وفاته قالت فرانكلين "كان جايمس على الأرجح أكثر عامل مؤثر بالنسبة لي موسيقياً، وذلك من ناحية الأسلوب المبكر الذي اكتسبته في البيانو. كل شخص سمعه، تأثر به. لقد كان ملهماً، وخلاقاً. وترك إرثاً هو الأعظم". وفرانكلين توفيت جراء إصابتها بسرطان البنكرياس عام 2018، عن عمر الـ 76.

مارفن غاي، مغني موتاون الأسطوري، قال مرة عن ألبوم "آميزينغ غرايس": "لا أعتقد أنني الوحيد الذي يعتبر أن آميزينغ غرايس هو تحفة أريثا في الغناء المنفرد. فالموسيقيون الذين أكن أشد الاحترام لهم هم من يقولون ذلك. هذا الألبوم يمثل أعظم أعمالها". وهو لم يكن ليتحقق لولا جايمس كليفلاند.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما