Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظرة إلى دواخل عملية إجلاء المملكة المتحدة حلفاءها الأفغان

في القاعدة البريطانية داخل مطار كابول يفر مدنيون بمتاع لا يتجاوز حقيبة يد واحدة فيما يسابق الجنود الزمن كي يُخرجوا أكبر عدد من الناس

باطن طائرة إجلاء بريطانية كأنها خيال عن سفينة نوح (غيتي)

سار الراكب الأول الصاعد إلى الرحلة رقم "65 واي تي" 65YT ، التابعة لـ"سلاح الجو الملكي"، نحو هدفه المحدد أمام عائلته، فاتحاً الباب أمام أعداد كبيرة من الأشخاص الساعين إلى الهرب من الحكم الظلامي لحركة "طالبان" والطامحين إلى حياة جديدة في بريطانيا.

ويشكل ما حققه والدا ذلك الراكب، وهو فتى يدعى مجتبى يبلغ من العمر تسع سنوات، أمراً يتوق إليه بشدة آلاف آخرون، ويتمثل في فرصة الهروب من بلد ممزق ومجهول المستقبل إلى أقصى الحدود. وبضحكة ممزوجة بالتوتر، ذكر والد الصبي، "نحن سعداء جداً لأننا على متن هذه الطائرة للتو، لكننا إلى الآن قلقون من حدوث خطب ما قبل إقلاعنا. أنا متأكد من أن الأمور ستجري على ما يرام".

في مقعد مجاور، جلس صافي عبدالله هداية الله، وهو أكاديمي متقاعد يبلغ من العمر 67 عاماً، استمع إلى المحادثة، فانحنى إلى الأمام مشيراً إلى "إنه [مجتبى] صبي صغير، وسيتمكن يوماً ما من العودة ورؤية بلده مرة أخرى، لكن أنا كبير جداً في السن، ولا أعتقد أنني سأتمكن من رؤية أفغانستان مرة أخرى في حياتي. يحزنني هذا الأمر، لكنني سعيد لأن الشباب يخرجون. لن يتمكنوا من العيش في ظل ما سيحدث مع "طالبان"، إنها حركة تتوجه نحو الماضي وليس المستقبل. تلك هي طريقها".

أقلعت الطائرة "سي-17"C-17  من مطار كابول وعلى متنها 134 شخصاً مع الحمولة، وقد امتلأت جميع المقاعد، بينما جلس البعض على أرضية الطائرة.

في المقابل، ظهرت انتقادات في شأن إقلاع بعض رحلات الإجلاء محملة بعدد قليل من الأشخاص. ويذكر الجيش البريطاني والمسؤولون أنهم عملوا تحميل كل طائرة إلى حد الامتلاء قدر المستطاع، فيما حاولوا تسيير الرحلات بأسرع ما يمكنهم.

وفي ذلك الإطار، استطاعت المملكة المتحدة إجلاء 5725 شخصاً في الأيام العشرة الماضية في إطار ما يسمى "عملية بيتينغ"، مع نقل 1910 أشخاص بين يوم السبت وليلة الأحد، ما يشكل أكبر عدد إجمالي ينقل خلال 24 ساعة منذ بدء الجسر الجوي، إذ شهد يوم الأحد وحده مغادرة ثماني رحلات. ويشارك في عمليات النقل نحو ألف فرد من الجيش البريطاني، فيما أرسل "مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية" بإرسال مزيد من الأشخاص إلى كابول يوم الاثنين بغية مساعدة السفير، السير لوري بريستو، وفريقه في التعامل مع الوثائق المطلوبة.

في المقابل، لا يزال الوضع مقلقاً للغاية. فقد قتل سبعة أشخاص على الأقل يوم السبت الماضي خارج القاعدة البريطانية بالقرب من المطار. وقتل حارس أمن أفغاني بالرصاص يوم الأحد الماضي وأصيب أربعة آخرون في تبادل لإطلاق النار. كذلك حذرت السلطات الأميركية من وجود تهديد قد يتأتى من قبل "داعش"، ولا يوجد حالياً دليل على وجود صلة لها [مع حادثة إطلاق النار].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ملمح آخر، يتمثل أحد الأسباب الرئيسة في زيادة أعداد الأشخاص الذين يحاولون دخول المطار، في أن حركة "طالبان" نبهت إلى ضرورة إنهاء الجسر الجوي مع حلول 31 أغسطس (آب)، الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي جو بايدن لسحب قوات بلاده. ومع ذلك، من المتوقع اليوم خلال اجتماع طارئ لزعماء "مجموعة الدول الكبرى السبع" أن يطلب بوريس جونسون من بايدن تمديد الموعد النهائي إلى ما بعد 31 أغسطس، بهدف تمكين مواصلة عمليات الإخلاء.

وفي حين أن حركة "طالبان" أعلنت أنها ستعتبر أي تأخير بعد ذلك التاريخ انتهاكاً لـ"اتفاق الدوحة"، وعلى الرغم من تهديد المتحدث باسمها، الدكتور سهيل شاهين، بأنه "ستكون هناك عواقب" تتأتى من ذلك الأمر، إلا أنه من غير المرجح أنها ["طالبان"] ستخاطر بمهاجمة ستة آلاف شخص مدجج بالسلاح من القوات الغربية التي تخطط للرحيل، حتى لو تأخرت قليلاً عن الموعد الذي أعلنه بايدن في البداية.

في مشهد متصل، عملت دي بيرد، قائدة السرب، بتركيز على مقدار ما يستطاع إنجازه ضمن الوقت المتاح. في وقت سابق، خدمت دي بيرد مع "السرب الأول في الشرطة التكتيكية" الذي تترأسه، في أفغانستان مرات عدة، ودربوا قوات الأمن الأفغانية وخدموا معها في بعض المناطق الأشد خطورة في البلاد.

وعلى غرار عديد من المحاربين المخضرمين الآخرين في أفغانستان ممن يعملون ضمن القوات الموجودة في تلك البلاد الآن، أرادت قائدة السرب التأكيد على الأهمية الحيوية التي تحوزها تلك المهمة، إضافة إلى ما تحمله من لمسة شخصية عميقة.

ووفق كلمات دي بيرد، "نحن موجودون هنا كي نساعد أولئك الذين ساعدونا. نحن هنا كي نقف بجانب أولئك الذين وقفوا إلى جانبنا. إن ذلك هو المتوقع منا، وذلك بالتأكيد ما يجب أن نفعله. لا أعرف بالضبط الوقت المتاح أمامنا، لكننا بحاجة إلى الاستفادة منه على أكمل وجه. نحن نجري عملية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ونعمل على زيادة السعة المتوفرة لدينا إلى أقصى حد، ويمكنني أن أقول لكم إننا لن نترك أي مكان فارغاً طالما كان ذلك ممكناً. لم أشارك في أي مهمة مشابهة من قبل، لكن نحن جميعاً نريد أن نؤدي دورنا. لقد ظهرت فرصة منذ بضعة أيام كي ننقل عدداً قليلاً من موظفينا إلى مكان أقل صعوبة، لكن لم يرغب أي أحد في الذهاب إليه. لقد أرادوا أن يكونوا هنا بغية إخراج أكبر عدد ممكن من الناس".

واستطراداً، لقد أصبح الوصول إلى ملاذ آمن عبارة عن رحلة طويلة وصعبة وخطيرة في أحيان كثيرة، بالنسبة إلى الأفغان. يتعين على أولئك الذين تأهلوا للاستفادة من الجسر الجوي بسبب وقوعهم تحت تهديد "طالبان"، تجاوز نقاط التفتيش التابعة لـ"طالبان" نفسها من أجل الوصول إلى المطار. لا ينجح البعض، بل يحتجزون، ثم يختفون.

بالتالي، ينتهي المطاف بعديد من أولئك الذين ينجحون في العبور، بالوقوف أمام المعسكر البريطاني في "فندق البارون". وهناك، يجري التدقيق في معاملات أولئك الذين يحاولون الوصول إلى المملكة المتحدة، بينما يتعين على آخرين الوصول إلى نقاط التفتيش التابعة للبلدان التي يأملون في إعادة توطنهم فيها.

وبشكل عام، إن الظروف صعبة للغاية بالنسبة إلى جميع من يلتمسون اللجوء، لكن في الأقل، ثمة فرصة أمام أولئك المتجهين نحو المملكة المتحدة بالمكوث داخل القاعدة [في "فندق البارون"]، التي تشكل مكاناً كبيراً يضم حديقة ويحصلون فيه على طعام وماء.

في المقابل، يتوجب على عديد ممن يرغبون في السفر إلى وجهات أخرى، الانتظار إلى حين التدقيق في معاملاتهم، والوقوف على جانب طريق حار ومغبر ومملوء بالحصى، من دون حماية من الشمس. وقد يستغرق ذلك ساعات أو حتى أياماً، من دون ضمان أنهم سينجحون في النهاية.

احتاجت لارمينا قربان إلى يومين كي تصل إلى المطار من منزلها في كابول. بصفتها ناشطة طلابية، رفعت صوتها ضد الإسلاميين ورجال الدين الرجعيين، وتلقت تهديدات وإساءات بشكل منتظم عبر الإنترنت. لقد أصبحت الإساءات أكثر ضراوة وتهديداً بشكل ملحوظ منذ تولي "طالبان" زمام الأمور.

ووفق كلماتها، "كنت أعيش بمفردي، ما جعل الأمور أكثر صعوبة. لقد جاءت عناصر من "طالبان" إلى منطقتنا وطرحوا أسئلة عن بعض الأشخاص. وذكر أحد جيراني أنني أعرض الجميع للخطر من خلال وجودي هناك، وإنه يتوجب على الذهاب للعيش مع عائلتي. وأجبته بأنني أملك كامل الحق في العيش حيث أريد، لكنني علمت حينها أنني لا أستطيع البقاء هناك أكثر من ذلك. جاء أخي وأعادني إلى منزل والدينا، وجلسنا وتحدثنا طوال الليل حول ما يتوجب فعله. في النهاية، قررنا أنه يجب على المغادرة".

وإلى جانب مخاوفها من أن استهدافها بسبب آرائها السياسية والاجتماعية، تملك الآنسة قربان البالغة من العمر 22 عاماً، قلقاً خطيراً آخر أعربت عنه أيضاً غيرها من الشابات. فبسبب كونها امرأة عزباء، قد تجبرها "طالبان" على الزواج من شخص تختاره تلك الحركة.

 

وبحسب قربان، "لقد حدث ذلك [إرغام "طالبان" الفتيات على الزواج] حينما أمسكوا السلطة في وقت سابق، وكذلك ضمن المناطق التي يسيطرون عليها الآن. قد لا يبدو ذلك شيئاً حقيقياً بالنسبة إلى أناس في بلدان أخرى، لكنه شيء أخاف منه وتخاف منه صديقاتي. لم تتمكن معظم صديقاتي من المغادرة، أنا قلقة عليهن كثيراً".

في صورة عامة، يشهد المطار فوضى في عمليات إعادة ترتيب الأمتعة التي جمعت على عجل، إذ يسمح لكل شخص بحقيبة يد وحيدة تزن 10 أرطال (نحو 4.5 كلغ)، ويجب على الذين وصلوا إلى المطار التخلص من جل متاعهم.

وفي خطوة تالية، تفحص الحقائب من قبل العريف سيري جونز وكلبه البوليسي "كوبر". وبحسب ذلك العريف، "يجب اختزال كل ما يمتلكه الأشخاص ضمن حقيبة واحدة. أستطيع إدراك مدى صعوبة ذلك، لكن الناس يتقبلونه ببساطة ويواجهون مصيرهم". في المقابل، يؤدي "كوبر"، الكلب اللطيف والودود والفضولي، دوراً مختلفاً. ووفق جونز، "يكون وجوده مفيداً جداً حينما يكون هنالك أطفال يبكون أو خائفون، إذ يصبحون أكثر هدوءاً بوجوده".

في ملمح آخر، تلقى فردون أحمد الذي اشتغل في قاعدة بريطانية، بريداً إلكترونياً صباح الأحد الماضي من السلطات البريطانية يفيد بأن حياته في خطر، ويتوجب عليه المغادرة الآن مع عائلته والتوجه إلى المطار. جاءت الرسالة في الساعة 10:30 صباحاً. وبحسب ابنه سيد، البالغ من العمر 28 عاماً، "كنا مستعدين للمغادرة بعد نصف ساعة. لقد كانت حقائبنا جاهزة بالفعل بسبب الطريقة التي كانت تسير بها الأمور. واستغرقنا نحو ثلاث ساعات في الوصول إلى هنا [المطار]".

في وقت سابق، عمل سيد، الحاصل على شهادة في علوم الكمبيوتر، في مجال الاتصالات ضمن شركة متعددة الجنسيات في أفغانستان. ويضيف أن الشركة نفسها عرضت عليه وظيفة في المملكة المتحدة. ووفق كلماته، "أصبت بالاكتئاب لاعتقادي أن كل دراستي وجهدي سيهدران، لكن بعد ذلك، تلقيت عرض العمل، وشعرت بأن لديّ فرصة أخرى للبدء من جديد، لقد كان شعوراً جيداً".

أثناء إجراء التفقد خلال استعداد الرحلة رقم "65 واي تي" للمغادرة، أوضح الملازم الجوي بيتر موغان، "أريد التأكد من أنني أبذل قصارى جهدي. يستحق هؤلاء الناس ذلك. لا أعتقد أنني سأفعل أي شيء كهذا في حياتي مرة أخرى. نحن نشارك حقاً في كتابة التاريخ".

© The Independent

المزيد من تقارير