أمرت "طالبان" البنوك بإعادة فتح أبوابها للمرة الأولى منذ استيلاء الجماعة على السلطة قبل 10 أيام، بينما تقف أفغانستان على شفا الانهيار المالي والاقتصادي. وتم إغلاق المصارف منذ اجتياح المجموعة كابول في 15 أغسطس (آب)، مما أدى إلى نقص السيولة الذي شل التجارة اليومية، مع انخفاض المبيعات في الشركات المفتوحة.
في الوقت ذاته، توقفت الحكومة عن العمل مع الوزارات والمباني الإدارية الخالية، لأن معظم موظفي الخدمة المدنية خائفون للغاية من الكشف عن أنفسهم للجماعة خوفاً من الانتقام.
تزامناً، انسحبت شركات تحويل الأموال مما أدى إلى جفاف تدفق التحويلات إلى البلاد من الخارج، كما تم إفراغ ماكينات صرف البنوك مع اقتحام "طالبان" المدينة وبقيت مُغلقة.
نقص في البنوك المتخصصة
إلى ذلك، فقد أدى إغلاق فروع البنوك إلى مخاوف لدى الذين يطالبون بسحب مدخراتهم، فقد جمدت الولايات المتحدة ما يقرب من 9.5 مليار دولار من البنك المركزي الأفغاني، وأوقفت الرحلات الجوية التي تجلب منصات نقود إلى البلاد، ولا تزال الحكومة المخلوعة واقفة على قدميها. كما منع صندوق النقد الدولي الوصول إلى 450 مليون دولار من احتياطيات الطوارئ.
وبحسب تقرير لموقع وكالة الترويج للاستثمار في أفغانستان (إنفست أفغانستان)، قبل سيطرة "طالبان" على سدة الحكم في البلاد، فقد نما القطاع المصرفي في أفغانستان بشكل كبير، فهناك 16 بنكاً تجارياً نشطاً تجري عمليات مصرفية قياسية.
وأشار التقرير إلى إمكانات الاستثمار الهائلة في البنوك الدولية التي تجري معاملات مالية، وتوفر الوصول إلى التمويل الذي يحظي بطلب كبير عليه.
وعلى الرغم من النشاط المصرفي الذي شهدته أفغانستان في السنوات القليلة الماضية، إلا أنها عانت من نقص في البنوك المتخصصة مثل البنوك الاستثمارية والزراعية، وكانت البنوك التجارية في أفغانستان تقدم خدمات مصرفية إسلامية لعملائها مثل المرابحة والمشركة والمضاربة.
كما ضم القطاع المصرفي الحالي تسعة بنوك خاصة وثلاثة بنوك مملوكة للدولة وفروع لثلاثة بنوك أجنبية، وفي المجموع كان هناك 409 فروع مصرفية منها 138 فرعاً حكومياً و271 فرعاً لبنوك خاصة.
وبلغ عدد المودعين 3.134.754 عام 2014 وعدد المقترضين 54.217، وبلغت الودائع 3.76 مليار دولار، وتم تقديم 742 مليون دولار من القروض في العام نفسه، في حين بلغت نسبة القروض إلى الودائع 20 في المئة، ويبلغ إجمالي أصول القطاع المصرفي الحالي حتى عام 2020 ما قيمته 4.42 مليار دولار أميركي، وصافي الأصول الأجنبية 8.3 مليار دولار أميركي.
معاناة وإغلاقات
وفي تقرير لصحيفة "صنداي تايمز" تحدث عصمت الله، مدير مطعم للوجبات السريعة في كابول والذي يشتهر بالكباب والآيس كريم، ليؤكد أنه كان يبيع 40 بما قيمته ألف أفغاني (466 دولاراً أميركياً) من الطعام والشراب قبل يوم من وصول "طالبان"، إلا أن دخله تراجع إلى ما قيمته 5000 أفغاني (50 دولاراً أميركياً).
وقال الأب لخمسة أطفال، "الناس يخافون من طالبان ولا يمكنهم الوصول إلى أموالهم في الوقت الحالي". وأضاف، "ما زلنا مضطرين لدفع رواتب الموظفين ونفد المال لدينا. وتابع، "إذا استمرت الأمور على هذا النحو فسنضطر على الأرجح إلى الإغلاق، وإذا استمرت طالبان في السيطرة فلن تكون هناك حكومة، وسوف يدمرون كل شيء".
ولا توجد مؤشرات تذكر على أي حكم خارج الوجود الأمني لـ "طالبان"، وقد حثت قيادتها موظفي الخدمة المدنية الذكور على العودة إلى وظائفهم في أقرب وقت ممكن، لكن كثيراً منهم خائفون للغاية من عواقب تعريف أنفسهم كعمال في ظل الحكومة السابقة، تم إخبار النساء العاملات أمس أنه يجب عليهن البقاء في المنزل حتى يتحسن الوضع الأمني.
وبحسب الصحيفة فإن رافي وعمره 27 عاماً، هو موظف حكومي في كابول يعيش بعيداً عن منزل عائلته، يخشى العودة إلى المكتب، وغالباً ما تلقى تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي من أعضاء المجموعة قبل توليهم زمام الأمور. وقال رافي، "لا يمكنني حتى إخباركم بما أشعر به الآن، كل ليلة أبكي بشأن ما حدث وما يمكن أن يحدث. نحن على قيد الحياة فقط، هذه ليست حياة". وأضاف في اليوم الأخير عندما غادرنا مكتبنا، لم نكن نعتقد أن "طالبان" ستأتي وأن الحكومة ستنهار، وما زلنا نعتقد أنه ستكون هناك عملية سلام، لكن مع فرار الرئيس أشرف غاني، لم نتمكن من تصديق الأمر، كان مجرد كابوس "يا إلهي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدهور الاقتصاد
رافي لا يصدق تطمينات "طالبان" ويأمل بشدة بالهرب من البلاد على الرغم من تضاؤل فرص القيام بذلك قريباً. ويقول، "لن تفعل طالبان أي شيء في الوقت الحالي لأن الأجانب ما زالوا هنا، ولكن عندما تنتهي عملية الإخلاء نتوقع أن تتدهور الأمور".
وأكد أنه وزملاءه مكتئبون للغاية وتساءل، "كيف نعيش وكيف نكسب المال؟ يجب أن نبدأ من الصفر. درسنا وكان لدينا كثيراً من الخطط لمستقبلنا ولكن لا يوجد أمل الآن. لقد عملنا بجد من أجل الحكومة وأنشأنا أنظمة وخططاً جديدة ، وطبقنا طرقاً حديثة جديدة للقيام بالأشياء، لكننا الآن لا نعرف حتى ما إذا كان هناك نظام".
التغييرات الثقافية جارية أيضاً. نور الله، 23 عاماً، كانت مديرة متجر لبيع الملابس الرجالية في وسط كابول منذ عام، حتى قبل 10 أيام كانت سياسة الشركة هي أن يرتدي الموظفون الجينز والقميص كوسيلة للإعلان عن بضاعتهم من الملابس الغربية، لكن الرجال الثلاثة الذين يعملون في المتجر يرتدون الملابس الأفغانية التقليدية الآن، في وقت تراجعت المبيعات.
وقالت نور الله، "لقد رأينا مقاطع فيديو لرجال يتعرضون للضرب في كابول لعدم ارتدائهم ملابس تراها طالبان مناسبة". وأضافت، "العمل سيئ للغاية، لقد فقدنا نحو 60 في المئة من نسبة المبيعات منذ سيطرة طالبان على كابول، ولا أعتقد أنه من المحتمل أن يعود الوضع إلى ما كان عليه".
وأشارت نور عبدالله إلى كثير من الناس الذين لديهم أموال عالقة في البنوك، "أنا أكافح من أجل إعالة عائلتي في الوقت الحالي". وقالت، "أنا مخطوبة وكان من المفترض أن أتزوج هذا العام، ولكن لن يحدث ذلك الآن، لن يكون لدينا المال. إذا استمرت الأمور على هذا النحو فسيتم تدمير اقتصاد البلاد".
"طالبان" تُعين ثلاثة وزراء
إلا أن "حركة طالبان" أكدت أن تركيزها الفوري ينصب على دعم الاقتصاد والحفاظ على الأمن الداخلي، وقد عينت ثلاثة وزراء في الحكومة الجديدة في كابول أمس.
وأفادت وكالة أنباء "باجهوك" الأفغانية، بأن وزيراً جديداً للمالية ورئيساً للاستخبارات ووزير داخلية بالوكالة انضموا إلى إدارة "طالبان". تم تعيين غول آغا، الذي يُعتقد أنه غول آغا أخوند، الموالي السابق لزعيم "طالبان" ملا عمر أختير، وزيراً للمالية في الوقت الذي تسعى فيه "طالبان" إلى تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، وسيكون صدر إبراهيم قائماً بأعمال وزير الداخلية، وعينت الحركة نجيب الله مديراً للاستخبارات بينما سيكون الملا شيرين حاكماً لكابول وحمد الله نعماني رئيساً لبلدية العاصمة، التي استولى عليها المسلحون قبل 10 أيام.
ولم تقم "طالبان" بعد بتعيين رئيس جديد أو شغل المناصب العليا في الحكومة الجديدة، وقد وُصف الملا عبد الغني برادار، زعيم الجماعة، بأنه رئيس محتمل ليحل محل أشرف غني، الذي غادر البلاد عندما استولت "طالبان" على كابول.