Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من تحزب خان!

كانت على علاقة بمسألة التحرير

ارتبطت المسألة العربية بالمسألة الحزبية (أ ف ب)

حريتي فوضاي. إني أعترف

وسأعترف بجميع أخطائي، وما أترف الفؤاد من الأماني

ليس من حق العصافير الغناء على سرير النائمين

والأيديولوجيا مهنة البوليس في الدول القوية

من نظام الرق في روما

إلى منع الكحول وآفة الأحزاب في ليبيا الحديثة

كم سنة

نحن البداية والبداية والبداية. كم سنة

كنا هناك. ومن هنا ستهاجر العربُ

لعقيدةٍ أخرى وتغتربُ

قصب هياكلنا

وعروشنا قصبُ

في كل مئذنةٍ

حاو، ومغتصبُ

يدعو لأندلس

إن حوصرت حلب.

• شعر: محمود درويش

عقب انقلاب العقيد معمر القذافي، أول سبتمبر (أيلول) 1969، أصيب القذافي بهوس اللقاء بالشخصيات الشهيرة، وعقد الملتقيات والمؤتمرات مع هذه الشخصيات. وفي أول سنة من انقلابه، دعا ثلة من كتاب وشعراء وفناني العرب. جمع الجمع الذي دعى، في الليل كعادته، بصالة بالمدينة الرياضية، وخطب فيهم خطبة مطولة، حول النظرية العالمية الثالثة، التي ابتكرها لإنقاذ العالم. وبعد أن صال وجال، هذا الشبه أمي، الملازم أول، من رقى نفسه لرتبة عقيد، منح ضيوفه الإذن في محاورته. كان من ضمن ضيوفه، الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي، من سأل باستنكار: الأخ العقيد، رددت كثيراً في حديثك عن النظرية العالمية الثالثة أن من تحزَّب خان، خان من يا سيادة العقيد؟ سيادة العقيد في غضب قاطعه، وبتوكيد قاطع قال: خان الشعب!

الكاتب المسرحي الليبي البوصيري عبد الله، ذكر لي مرة، أنه كان يدرس في باريس، ساعة انقلاب سبتمبر. وقد اضطر إلى أن لا يأكل غداءه، لأن ثمن الغداء اشترى به مجلة فرنسية، تناولت في تقاريرها الإخبارية، الخطاب الأول ما حصل في 16 سبتمبر 1969 لقائد الانقلاب الليبي. وقال: لكن للأسف مزقت المجلة، ورميت بها في دورة المياه، فالعقيد كان ردد في خطابه من تحزَّب خان، لكن لم يقل لنا خان من؟

العرب عموماً، في تاريخهم الحديث، في التباس شائك مع مسألة الأحزاب، فتارة الحزب "حزب الله"، وعند آخرين هذا الحزب "حزب الشيطان"، كما رأينا عند الأخ العقيد: من تحزَّب خان، هذا ما دعا الكاتبين إلى استنكار: ربط الحزبية بالخيانة. وقبل هذا في التاريخ الليبي، وتقريباً العربي، الحزبية مستنكرة، وبالتالي ممنوعة. فأول حزب في ليبيا، أنشئ سرياً في القرن التاسع عشر، زمن أن كانت ليبيا تحت الاحتلال العثماني! قبض على هذا الحزب، حكم على قائده وأفراده حكماً غليظاً. ووثائق التحقيق ومحاكمة هذا الحزب، صدرت في كتاب "بدايات اليقظة العربية والنضال الشعبي في ليبيا - 1884- 1911"، تحقيق وتقديم الدكتور الفلسطيني أحمد صدقي الدجاني، وقد صدر ببيروت أول السبعينيات عن دار الطليعة. طبعاً كما هو معروف، سُلمت ليبيا من قبل العثمانيين، وفق معاهدة "أوشي/لوزان" 1912، للاستعمارالإيطالي. إذ في عهد الفاشي موسوليني، مُنعت الأحزاب، كما مُنعت أيضاً في العهد الملكي، عقب إعلان الاستقلال 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد ارتبطت المسألة العربية بالمسألة الحزبية، منذ عهد الرجل المريض/ الإمبراطورية العثمانية، وحتى قبل أن يحدث الربط بين الأحزاب وصندوق الانتخابات، لأن الأحزاب كانت على علاقة بمسألة التحرير. لكن الأحزاب، ازداد أمرها التباساً، في دولة الاستقلال، ما اعتبرت أن الأحزاب المفرق! في زمن لا بد فيه من الوحدة الوطنية. غير أن هذه المقاربة، تخفي أمراً: أن الحزبية ما بعد الاستقلال غدت مسألة ديمقراطية، مربوطة بالانتخابات، التي قبلت بها أنظمة 99 في المئة خصوصاً العسكرية. تلك الأنظمة، رفضت وجود غير الحزب الواحد، كما الحزب الدستوري التونسي، حزب بورقيبة، بورقيبة الرئيس، من يفوز في الانتخابات بالتزكية، مرادفة بـ99 في المئة.

هذه المعضلة مع الزمن، تعتّقت كما الخمر، لكن حلوها عند الحزبيين تحول مُراً في الواقع. إذ اضطر البعض إلى القبول بالأحزاب، كما فعل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، من قام بانقلاب مدني على شبح جمال عبد الناصر. ومن ضمن دبابات انقلابه، أن ركب مركب التعددية الحزبية، لكن شرط أن تكون مجرد ديكور. لقد قبل حزبيون بهذا الدور المستجد، لكن في كنفه، انبثقت المسألة الحزبية أكثر، خصوصاً أن الأنظمة الحاكمة لم تقبل بأن يكون ثمة حزب قوي، حتى على مستوى الشكل. ولم يكن بيدها حيلة غير الأسلوب العتيق، للاستعمار الإنجليزي: فرق تسد. فكي يسود السادات، أسهم في انشطار ديكوره/ الأحزاب، التي عمل من أجل نشأتها.

هذا شيء في صدر المسألة الحزبية اليوم، ففي ليبيا البلاد، التي كتب محمود درويش قصيدة "مديح الظل العالي"، يذم فيها منعها الأحزاب، ثمة أكثر من 200 حزب، ولا قانون للأحزاب فيها. وكذا في تونس المسألة الحزبية تمثل معضلة انتخابية، فليس ثمة أحد متوكد من حزب يمكن أن يستحوذ على صندوق الانتخاب. الانتخابات التي طرحت جانباً في تونس، ما تقاطعها الأحزاب في العراق، منها من يعلل مقاطعته، أنها انتخابات للاستحواذ على السلطة بدعم دولي. وفي المغرب الانتخابات جارية، بطريقة المخزن/ النظام القديمة: كل حزب قوي يُفتت، عبر منحه فرصة، أن يكون في السلطة التي تلتهمه.

وكأن الأحزاب شر لا بد منه في فترة تاريخية، وأن على هذا هناك شبه إجماع. لكن المشكل الآن وهنا، يتمثل أن مسألة الحزب تتآكل في المصدر الغرب، إذ تتآكل باعتبارها عمدة من أعمدة الدولة القومية أو في الأقل الحزبية، مسألة على الطاولة في العصر السيبراني، خصوصاً مع هيمنة الظاهرة الشعبوية. ولذا الحزب العربي مرآة، أقل ما تعكس، أن ما ولد ولد مشوهاً، ألم يحول في أكثر من حالة ظاهرة إلى مجرد ديكور، وحتى ليس ديكوراً جميلاً. وعلى الرغم من هذا الواقع المرير، لم تخلق البشرية بعد، بديلاً للصندوق السحري: الديمقراطية، ديمقراطية الأحزاب.  

المزيد من آراء