Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أنا مرتعبة وليس لدي أحد" - فوضى مطار كابل تيتم أطفالا بعد وفاة أهلهم سحقا نتيجة التدافع

الكلفة البشرية للوضع المأسوي خارج مطار العاصمة قد تكون أعلى بكثير مما تقوله الأرقام الرسمية

التفتت امرأة من حولها وأطلقت صرخة حزن، بعدما ارتسمت على وجهها علامات الخوف في محاولتها البحث عن وجوه مألوفة، فيما تعثرت خطاها أثناء سعيها إلى الخروج من وسط الحشود. حاولت أن تقول شيئاً لكن الكلمات خانتها، ومن ثم تهاوت أرضاً فيما أبقت يدها مرفوعة إلى أعلى طلباً للنجدة.

الآمال التي عقدتها والدة الأطفال الثلاثة هذه على التمكن من الهرب من مستقبل قاتم وغير آمن ينتظرها في أفغانستان، لم تبصر النور مع انهيار محاولاتها لبناء حياة جديدة في الخارج مع أسرتها، على طريق ترابية مكدسة بالركام، وأمام أشخاص غرباء، معظمهم كان منشغلاً للغاية بمشكلاته الخاصة، إلى درجة أن الموجودين في المكان لم يلاحظوا حتى ما أصابها.

إلا أن من بين بعض الذين تنبهوا إلى وضعها جنود بريطانيون من فوج المظلات، هرعوا نحوها وسحبوها من أمام المتجمعين، وعملوا على تقديم الإسعافات الأولية لها. ركزوها على نقالة ووضعوا غطاء واقياً من أشعة الشمس فوق جسدها، لكن المنية كانت أسرع والأوان قد فات، إذ سرعان ما تم سحب الملاءة لتغطية وجهها ولتشكل كفناً لها.

جاء رجل مندفعاً إلى الأمام وهو يصرخ باكيا، "زوجتي، زوجتي، ماذا حدث لها؟" مزق أكمام السلوار البني (زي فضفاض شائع في الهند وباكستان وأفغانستان) من فرط حزنه، فالتقطه الجنود وجعلوه يجلس، وركع اثنان منهم إلى جانبيه ولفا ذراعيهما من حوله.

وأخذ الرجل يطرح أسئلته باكياً "لماذا ماتت؟ لماذا لم تُنقل إلى مستشفى؟ ما الذي يحدث لنا؟ ماذا سيحصل لأطفالنا؟"، ورد عليه أحد الجنديين، "إنني آسف، لقد بذلنا قصارى جهدنا وقمنا بكل ما في وسعنا"، أما الجندي الآخر فقال له "إن قلبي ينفطر حزناً عليك يا صديقي".

هذه الوفاة كانت حالة أخرى من حالات الفوضى خارج مطار كابل، حيث يحاول آلاف الأفغانيين الفرار على متن رحلات الإجلاء عن البلاد التي نظمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحكومات أجنبية أخرى، للأشخاص الذين يُعتقد أنهم في خطر من بطش حركة "طالبان".

العدد الرسمي للضحايا الذين سقطوا هو 12 شخصاً، لكن الرقم الحقيقي يكاد أن يكون بالتأكيد أعلى من ذلك بكثير، فقد قضى أربعة أفراد نحبهم خارج القاعدة البريطانية المجاورة للمطار في غضون ساعتين، على طريق تغمرها درجات عالية من الحرارة وتفتقر للتهوية، فيما تغص بعدد كبير من الهاربين الذين اعتراهم اليأس والخوف.

أما أولئك الذين تمكنوا من شق طريقهم إلى هناك، فلم يحاولوا فقط العبور إلى بريطانيا وحسب، بل إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، عبر نقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق. وقد ازدادت أعدادهم بعدما حذر سياسيون في كل من واشنطن ولندن من أن عملية الإجلاء قد تنتهي في غضون أيام قليلة.

أسرة أخرى جاءت إلى المكان وشخصان منها يتأبطان ذراعي قريب لهما مسن. وقال الشاب عثمان خان محمد البالغ من العمر 22 عاماً "إنه عمنا، لقد أصيب بكسر في كاحله. كنا نحاول نقله إلى مستشفى لتلقي العلاج، ومن ثم نعود أدراجنا إلى هنا غداً، لكن بعدما علمنا بأن المملكة المتحدة ستوقف الرحلات الجوية أتينا بأسرع ما يمكن. تطلب الأمر منا ست ساعات للوصول إلى هنا، واضطررنا إلى حمل عمنا معظم مسافة الطريق".

ومع تزايد تدفق الحشود إلى الموقع هوت امرأة أخرى أرضاً ولفظت أنفاسها، تلتها امرأة ثالثة أصغر سناً ربما كانت ابنة الضحية الأولى. أما الأب والزوج المفجوعين فأغمي عليهما من فرط حزنهما عندما سمعا بما حدث، ولم يمض وقت طويل حتى وقعت وفاة رابعة، فقد قضت امرأة أخرى نحبها نتيجة تدافع الحشود من حولها وبسبب ارتفاع حرارة الجو.

جثث الضحايا لفت ووضعت على الجانب الآخر من الطريق كي تأتي عائلاتها لأخذها ودفنها، وفي غضون ذلك قامت إحدى الفتيات الصغيرات من أقلية الهزارة (ثالث مجموعة عرقية في أفغانستان يشكل أفرادها ما بين 10 إلى 15 في المئة من سكان البلاد وهم من الشيعة) تبلغ من العمر ثمانية أعوام، برفع أحد الأكفان، فأغمي عليها بعدما علمت أنها تعود إلى والدتها. وكانت الفتاة التي فقدت يدها جراء انفجار عبوة ناسفة طلبت مني في وقت سابق أن أحاول العثور على أمها، وقالت لي "أشعر بخوف شديد، لا أحد لدي الآن". وقد حاولنا البحث في المكان لكننا لم نتمكن من العثور على والدتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت الذي كانت فيه الفتاة تتلقى العلاج على يد أحد الأطباء أتى جندي ليقول لي "سنعتني بها، لا تقلق. هل تعلم، لقد كنتُ في الخدمة العسكرية على مدى 12 عاماً، لكن ما يحدث هنا هو أسوأ ما شهدته على الإطلاق".

وفي المقابل قال جندي أصغر سناً بصراحة، "لم أر جثة من قبل، انضممت إلى الجيش وكنت أتوقع أن أعاين أناساً يموتون، لكن لم أتوقع أن أقع على مثل تلك المشاهد على الإطلاق".

وفيما كان الجنديان يتحدثان علت صيحات مفاجئة تقول، "انبطحوا... انبطحوا أرضاً". وكانت صرخات تحذير أمني يطلقها أحد الجنود بعدما تم رصد شخص اشتبه بأنه يحمل جهاز تفجير. "كان رجلاً يرتدي دشداشة ويعتمر قبعة حمراء ويحمل حقيبة زرقاء". وتم على الفور إحضار معدات التشويش اللاسلكي المخصصة للتعامل مع حالات تهيئة قنبلة لتفجيرها إلكترونياً.

انتهت الحادثة بسلام بتفتيش الرجل، إلا أن ما حصل كان بمثابة تذكير بأن حركة "طالبان" لم تكن الجماعة الإسلامية الوحيدة الموجودة في الفراغ الأمني الذي سببه انهيار الحكومة الأفغانية، فهناك مسلحو تنظيمي "داعش" و"القاعدة" المنتشرين بشكل كبير في البلاد.

ومن المشاهد اللافتة أن الأسلاك الشائكة والسيارات التي أقيمت حاجزاً أمام القاعدة الجوية جعلت فندق The Baron Hotel يبدو من خلالها هائلاً، إلا أن الحشود المتقاطرة ما لبثت أن عملت على تفكيكها ببساطة خلال 24 ساعة فقط.

تمت إقامة حاجز جديد يتألف من حاويات، لكن أعداد الناس التي توافدت على الحاجز كانت غير متوقعة، وذلك استناداً إلى أرقام الأشخاص الذين سُمح لهم بالمرور عبر نقطة تفتيش تابعة لحركة "طالبان" على الطريق المؤدية إلى الموقع، ويبدو أن الإسلاميين كانوا يفتحون نقاط العبور أو يغلقونها وفقاً لمستوى الضغط الذي أرادوا فرضه على القوات البريطانية.

أحد الأفغانيين ويدعى عبدالفتار الذي قال إنه عمل مع الأميركيين وكذلك مع "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" ICRC، أكد أنه حصل على وثائق كافية لتمكينه من ركوب الطائرة، إلا أنه تم إرجاعه عند نقطة التفتيش. وأضاف: "أريد الاتصال بـاللجنة الدولية للصليب الأحمر لكنني عاجز عن ذلك".

أما سميرة حيدري (إسمها ليس كاملاً) فوصلت إلى البوابة وكانت تأمل بأن يتم إجلاؤها عن البلاد من جانب الأميركيين. إنها طالبة تبلغ من العمر 22 عاماً، وقد دأبت على توجيه الانتقادات لرجال الدين المحافظين والإسلاميين، وكانت تتلقى في المقابل تهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتقول في وصف الوضع في البلاد، "لقد ازداد الأمر سوءاً منذ أن استولت حركة طالبان على السلطة. بدأ مسلحوها زيارة منطقتنا وجمع قائمة بأسماء الأشخاص هناك. طلب مني والداي بأن أغادر حفاظاً على سلامتي".

وتضيف، "كنتُ أعلم بأنه يتعين علي أن أغادر لأنه يمكنهم اعتقالي، أو حتى تزويجي لشخص ما لكوني امرأة عزباء. كان من الصعب للغاية عبور حاجز طالبان، وقد رافقني ابن عمي على طول الطريق، لكن المرور على تلك الطريق لا يزال مخيفاً للغاية. لا أعرف ماذا سأفعل إذا تم رفضي، لا يمكنني العيش تحت حكم طالبان وسيكون ذلك مستحيلاً، أفضل الموت على أن أبقى هنا".

وفيما كانت هذه الشابة تتحدث وقعت عينا حيدري على الجثث المغطاة التي كانت تفترش جانب الطريق. وقالت مستدركة، "لم أقصد ذلك، إنني في الواقع لا أريد أن أموت. أتساءل أمام الذي يحصل لهؤلاء الأشخاص الفقراء التعساء وأسرهم، عما إذا كان الناس حول العالم وخارج البلاد يعون حقيقة ما يحدث هنا؟"

© The Independent

المزيد من دوليات