Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانسحاب من أفغانستان يلحق العار بالمدنيين الذين قدموا تضحيات كبيرة

لم تنته الحرب بالفوز فعلياً، ولا "بنيت" الأمة، إنما لا شك في أنه كان من الممكن تنفيذ عملية الانسحاب بطريقة متأنية وأكثر اعتدالاً، من أجل مصلحة الشعب الأفغاني وأمن الغرب على حد سواء

ليس الإعلان عن فشل التدخل في أفغانستان مهيناً بالنسبة لمن حاربوا أو خسروا أرواحهم أو أصيبوا خلال 20 سنة من الحرب في البلاد.

بل على العكس: إن القرار يسلط الضوء على حجم وحقارة الانسحاب والاستسلام اللذين تقوم بهما الآن الولايات المتحدة وحلفاؤها. إذا استثنينا بعض الحالات النادرة، فإن القوات البريطانية قدمت خدمات مميزة وعملت كل ما في وسعها لتحرير الشعب الأفغاني وبناء دولة. وقد تحققت إنجازات هائلة: أمن، وحرية، ونظام شبه ديمقراطي، ومعاملة أفضل للنساء والأطفال- لا سيما في حقل التعليم- دون أن نغفل إنشاء مدارس وعيادات وتأمين الوصول إلى مياه نظيفة وكهرباء.

لن تدوم هذه الإنجازات طويلاً، بما أنه بات على القوات الأمنية الأفغانية أن تتدبر أمورها بنفسها. عادت حركة طالبان، مع أنها لم تغب فعلياً عن مناطق عدة، وهي تسيطر على أجزاء كبيرة من المناطق الريفية وتوشك على الاستيلاء على عواصم في الأقاليم. قلة من المراقبين يعتبرون أن الاحتمالات كبيرة في بقاء الرئيس أشرف غني في منصبه، حتى وإن تشارك السلطة مع طالبان. في غضون عدة سنوات- إن لم نقل شهوراً- سوف تكون أفغانستان في أفضل الأحوال تحت قبضة حرب أهلية قاسية، وفي أسوأ الأحوال، ستكون قد عادت إلى النظام الإقطاعي العشائري من القرون الوسطى الذي ساد في ظل فترة هيمنة طالبان القاسية في السابق. 

لطالما اعتبر سراً معلناً أن البريطانيين، إضافة إلى غيرهم من الأطراف المرتبطة بمهمة الناتو، يعتقدون أن مغادرة البلاد الآن، وبهذه الطريقة "محفوفة بالمخاطر"- وفقاً لكلام رئيس الوزراء. وهو يفهم الأمور. بعد اتخاذ الرئيس بايدن قرار الانسحاب- وهو في الحقيقة ليس سوى استمرارية لسياسة فك الارتباط التي بدأت في ظل إدارة دونالد ترمب- لم يعد أمام حلفاء أميركا من خيار سوى أن يحذوا حذوها. وقد تندم الولايات المتحدة لاحقاً على هذا القرار.

صحيح أن الفوز في حرب أفغانستان لم يكن ممكناً، كما يقول الرئيس. وصحيح كذلك، تبعاً لتصريح بوريس جونسون، أنه لم يكن من المفترض أن تظل القوات الغربية داخل البلاد للأبد. لكن لا سبب منطقياً لعدم استمرار عمل القوات الجوية الغربية وجمع المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري، وعلى المدى البعيد كذلك. إذ بينما كان الانتصار في الحرب غير ممكن، فما من شك الآن في خسارتها.  

كان من الممكن أن يستقر الوضع على المدى القصير إلى المتوسط، عبر وجود كتيبة صغيرة إجمالاً، وكان من الممكن إرساء أسس العملية السياسية لتشمل كذلك طالبان. إنما عبر الإعلان المسبق عن انسحاب من غير قيد أو شرط تقريباً، لم يتوفر أمام طالبان أي سبب يذكر لتقديم تنازلات. وليس بحوزة الأميركيين وحلفائهم سوى وعد غير قابل للتطبيق من حركة طالبان- غير المعروفة بمصداقيتها- بعدم دعم أشباه القاعدة، أو غيرها من المجموعات التي تمثل خطراً إرهابياً على الغرب. وهذا ليس سوى "ورقة"، كما تقول الحكمة القديمة، لا يجب أن يعتمد عليها أي أحد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد خضنا هذه التجربة من قبل. حين تخلى الروس عن البلاد في عام 1989، بعد عقد واحد فقط من صراع وحيد لا يرحم، تركوا وراءهم نظاماً عميلاً في كابول سرعان ما أسقط، مخلفاً فراغاً ملأته بكل سرور طالبان وضيفها الذي اشتهر بعدها بفترة قصيرة، أي أسامة بن لادن.

فر الأميركيون من كمبوديا وفيتنام في سبعينيات القرن الماضي بطريقة مماثلة، فحكموا على "حلفائهم" بالقمع على يد الخمير الحمر. وعلى البريطانيين بدورهم أن يتذكروا كيف سارعوا بالخروج من فلسطين والهند وجنوب الجزيرة العربية. ربما كان لا بد من التخلي عن هذه الأماكن لكن ذلك خلف عواقب وخيمة جداً للشعوب التي ظلت في المكان- كما يرجح أن يحدث الآن في أفغانستان.

وخلافاً لاحتلال العراق في وقت لاحق، كانت الحرب في أفغانستان عادلة وقانونية وتحظى بدعم الأمم المتحدة. وكانت معركة ضارية، فقد خلالها نحو 450 جندياً بريطانياً حياتهم، فيما أصيب كثيرون غيرهم.

لم تنته الحرب بالفوز فعلياً، ولا شُيدت الأمة، إنما لا شك في أنه كان من الممكن ضبط العملية بطريقة متأنية أكثر، من أجل مصلحة الشعب الأفغاني وأمن الغرب على حد سواء. أما الانسحاب بهذه الطريقة، فيلحق العار بالجميع، بمن فيهم المدنيون الأفغان، الذين عانوا وضحوا كثيراً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء