Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تتعامل إيران مع الانسحاب الأميركي وصعود "طالبان"؟

على الرغم من عدائها الشديد لـ"طالبان" فإن طهران دعمتها بهدف إجلاء القوات الأميركية من أفغانستان

خلال الأيام الخمسة الماضية سقطت ثماني عواصم لولايات أفغانية في يد حركة "طالبان"، إذ كان إعلان الولايات المتحدة عن الانسحاب الكامل من أفغانستان نهاية الشهر الحالي، سبباً لتحول مهم داخل أفغانستان ستمتد تداعياته إلى الشرق الأوسط. وتعد إيران إحدى الدول المعنية بما يجري حتى اللحظة الراهنة في الداخل الأفغاني.

بالنسبة لإيران، تغيرت البيئة الجيوسياسية وأصبح كثيرون على المحك، فهناك تحديات تتصاعد في مواجهة الأمن والمصالح الإيرانية، حيث يتسبب الانسحاب الأميركي من أفغانستان في كثير من الأسئلة المفتوحة تتعلق بالآثار المحتملة للانسحاب على دول الشرق الأوسط ومن بينها إيران، ومن ثم كيف تتحرك طهران استعداداً لما هو آتٍ في أفغانستان؟

الاستراتيجية الإيرانية في أفغانستان

بشكل عام، اتبعت إيران استراتيجية متعددة المسارات في أفغانستان مماثلة لتلك المستخدَمة في العراق، قامت على محاولة التأثير على تشكيل الحكومة المركزية وممارسة النفوذ عليها، كما قدمت دعماً للفصائل المسلحة غير الحكومية التي عارضت القوات الأميركية هناك، كما عملت على استعادة بعض النفوذ في غرب ووسط وشمال أفغانستان حيث "تحالف الشمال" وهو تحالف بين قوى أفغانية معارضة لحركة "طالبان"، حيث إن لدى إيران مخاوف من أن ينمو فرع تنظيم "داعش" في ولاية خراسان. ولممارسة التأثير والنفوذ كانت إيران تقدم الدعم للحكومة الأفغانية والدعم لحملات المرشحين الأفغان الموالين لها. من جهة أخرى، دعمت إيران علاقتها بحركة "طالبان" حيث قدمت الأسلحة والتدريب لمقاتلي الحركة، وفقاً لتقارير وزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب الدولي.
وسبق لوزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو أن طالب إيران بإنهاء دعمها "طالبان" في أفغانستان، ووقف إيواء كبار قادة تنظيم "القاعدة". ويُفهم من هنا أن إيران على الرغم من عدائها الشديد لـ"طالبان" فإنها دعمتها لأن الطرفين اجتمعا على هدف إجلاء القوات الأميركية من أفغانستان. فيأتي الدعم الإيراني لـ"طالبان" التي اعتبرتها خصماً منذ عام 1996 وحتى 2001، نظراً لتخوف إيران من التنظيمات السنية، كما ارتكبت "طالبان" جرائم ضد الأفغان الشيعة (من عرق الهزارة) أثناء السيطرة على المناطق الغربية الناطقة بالفارسية، وشمال أفغانستان، في حين تقدم إيران نفسها باعتبارها حامية الهزارة الشيعة في أفغانستان.

تحديات الوضع الأفغاني في مواجهة إيران

عقب قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عُقدت محادثات سلام بين الولايات المتحدة و"طالبان" في الدوحة، انتهت باتفاقية موقعة على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بحلول فبراير (شباط) 2021، شرط أن تجري "طالبان" محادثات مع الإدارة الأفغانية في كابول بشأن التعاون في إدارة الدولة. كما نص الاتفاق على أن "طالبان" ستمنع وجود "القاعدة" في أفغانستان، أو عملها من أراضيها ضد الولايات المتحدة وستمنع تنظيم "داعش" في خراسان. وأعلن بايدن على الرغم من تأجيله الانسحاب لمدة نصف عام، التزامه الاتفاق، وأعلن أنه بحلول نهاية أغسطس (آب) 2021 سيكتمل انسحاب القوات الأميركية، تاركاً قوة قوامها 650 فرداً يحمون السفارة في كابول. وحتى الآن، أُخلي 95 في المئة من القواعد والقوات الأميركية في أفغانستان.
إن الفراغ الذي سيخلفه انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيشكل تحدياً سياسياً وعسكرياً لدول المنطقة المحيطة بأفغانستان وباكستان. وقد يتسرب اندلاع الصراع الداخلي بين "طالبان" والحكومة الحالية في كابول، إلى خارج حدود أفغانستان، الأمر الذي سينعكس على النشاط الإرهابي الإقليمي والعالمي، وهو تهديد محتمل يتطلب استعدادات من قبل دول الجوار وخارجها. وأدى هجوم "طالبان" إلى تصعيد حاد في العنف على حدود إيران. لذا اعتبرت طهران أن الوضع يحمل تحديات لها تدور حول ظهور التهديد الإرهابي، والقيود المفروضة على الأقلية الشيعية في أفغانستان، واحتمال تدفق اللاجئين الأفغان إليها. لذا عملت على التدخل في المحادثات بهدف مواجهة تصعيد الصراع العسكري بين "طالبان" والحكومة الأفغانية.
لذا منذ فترة انخرطت إيران محاولة لعب دور الوسيط بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، في عملية السلام بين الأفغان. وتعتبر إيران أن انفجار الوضع الأفغاني على الرغم من أنه قدم فرصة لإيران بالانسحاب الأميركي، فإن الفراغ الذي ستخلفه واشنطن يخلق تحديات أمنية في مواجهة دول الجوار الأفغاني ومنها إيران، حيث إنه بالنظر إلى أن حركة "طالبان" السنية قد اضطهدت الشيعة داخل أفغانستان واستهدفت إيران ذاتها، حيث  واجهت هجمات عبر الحدود مع باكستان التي تدعم "طالبان". كما أنه في حال انفجر الوضع وقامت "طالبان" بمهاجمة الشيعة فستتدخل إيران من أجل حماية الأقلية الشيعية التي تمتد علاقتها بها منذ الحرب العراقية – الإيرانية. ومن ضمن التحديات التي تتحسب لها إيران، تزايد تدفقات اللاجئين الأفغان، فوفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أدى التصعيد في أفغانستان هذا الأسبوع، إلى فرار ما يقرب من 200 لاجئ أفغاني إلى إيران. وتشير التقديرات إلى أنه منذ بداية العام، نزح ما يقرب من 400 ألف أفغاني داخل البلاد، ونحو 244 ألفاً منذ مايو (أيار) الماضي. والأهم هو أن التعامل مع أفغانستان يقع ضمن نطاق سلطة "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني. ويمكن مع انعدام الأمن على طول الحدود الشرقية، في وقت تواجه فيه إيران العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية، إشراك جزء كبير من القدرة العسكرية الإيرانية في تأمين الحدود مع أفغانستان، وبالتالي تقويض يد إيران في العراق وسوريا ولبنان، أي الدول الثلاث التي تتمتع فيها إيران بنفوذ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


كيف ترى إيران الانسحاب الأميركي؟

هناك اتجاهان تتأرجح إيران بينهما بشأن الانسحاب الأميركي، فبعض وسائل الاعلام الإيرانية تشيد بـ"طالبان" وتغيّر فكر الحركة مقارنة بـ"القاعدة" و"داعش"، والبعض الآخر انتقد الانسحاب الأميركي واعتبره غير مسؤول، لكن في ضوء خياراتها المحدودة في التعامل مع الأزمة الأفغانية، تبنت طهران مقاربة براغماتية تسعى إلى تحقيق توازن في علاقاتها مع طرفي الصراع.
ولدرء هذه المخاوف، قامت إيران بتحسين علاقتها مع "طالبان" كما رحب وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف علانية بمسؤولي "طالبان" في طهران مرتين خلال الأشهر الأخيرة. كما التقى وفد "طالبان" مسؤولين أمنيين كباراً في طهران.
من جهة أخرى، تحتفي إيران بالانسحاب الأميركي وتعتبره هزيمة للولايات المتحدة التي استهدفت تغيير بعض الأنظمة بالقوة العسكرية وكان النظام الإيراني، وفق اعتقاده، من بين الدول على قائمة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن. وتعتبر إيران الانسحاب الأميركي، تفريغاً لمسرح جديد يضم مصالح إيرانية، بعد سوريا والعراق.

وعلى الرغم من التواصل بين إيران وطالبان فإن هناك قلقاً متزايداً من أن نجاح الحركة في إعادة تأسيس "إمارة أفغانستان الإسلامية" من شأنه أن يقوي الجماعات الإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش" في خراسان. فإذا واصلت هذه الجماعات أنشطتها بدعم ضمني أو علني من "طالبان"، فقد تنطلق موجة جديدة من العنف وانعدام الأمن على طول حدود إيران الشرقية.
علاوةً على ذلك، أغلقت طهران قنصليتها في ولاية بلخ الأفغانية، ونشرت قوات ومعدات عسكرية، واتخذت وضعية الاستعداد القتالي الكامل للقوات العسكرية الإيرانية - الجيش النظامي والحرس الثوري - على طول 900 كيلومتر من الحدود المشتركة مع أفغانستان في الأسابيع الأخيرة لمواجهة أي تهديدات محتملة.

الوضع الأفغاني على أجندة إبراهيم رئيسي

واستضافت وزارة الخارجية الإيرانية في يوليو (تموز) الماضي، أول محادثات سلام مهمة منذ شهور بين وفود أفغانية رفيعة المستوى، بما في ذلك مسؤولي "طالبان". ومن المؤكد أن قضية "طالبان" ستكون ثاني أهم قضية في السياسة الخارجية يعالجها الرئيس الإيراني الجديد، بعد إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية. وتواجه طهران وضعاً صعباً بين خيارين سيئين: إلقاء دعمها الكامل وراء "طالبان"، أو مساعدة الحكومة الأفغانية الضعيفة وإغضاب "طالبان". لكن في ضوء تقدم حركة "طالبان" وحقيقة أن على طهران التعامل مع "طالبان"، سعت طهران إلى اتباع نهج براغماتي من خلال التوازن في علاقاتها مع طرفي الصراع. وتستهدف إيران تشكيل حكومة تتمثل فيها كل المجموعات الأفغانية، إضافة إلى التوصل إلى حل سلمي ومستدام. وستعمل طهران على الحصول على ضمانات من "طالبان" بشأن أمن الحدود واعتماد تنازلات لحماية الشيعة هناك.

المزيد من آراء