Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مثلثان في دائرة التشدد الإيراني

الناس تبحث عن الخبز والبيض والدجاج ولا تستطيع أن تضع الصواريخ على موائدها

نصّب خامنئي المسمى "قاضي الموت" إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية (أ ب)

دائرة التشدد اكتملت في جمهورية الملالي بمقدار ما تعمقت الأزمات داخلها. المرشد الأعلى علي خامنئي الذي تتجاوز سلطته سلطة الشاه تحت عنوان "الشرعية الإلهية" يرتاح لملء المناصب تحته بالمحافظين المتشددين باسم "الشرعية الشعبية". الحرس الثوري يتخطى دوره في حراسة السلطة إلى صنعها. المسمّى "قاضي الموت" إبراهيم رئيسي ينصّبه خامنئي رئيساً للجمهورية، فلا يجد ما يأسف عليه سوى أن كورونا منعه من تقبيل يد الولي الفقيه. المحافظون يسيطرون على مجلس الشورى الذي جاء رئيسه محسن قاليباف من الحرس الثوري. فلا فاصل بين "الميدان والدبلوماسية" بعد اليوم، بحيث تخدم الدبلوماسية الميدان من دون مراجعة كتلك التي حاولها وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف. و"لا نفع من الثقة بالغرب" كما قال خامنئي في وداع حكومة الرئيس حسن روحاني، و"على الحكومة ألا تربط برامجها بالمفاوضات مع الغرب إطلاقاً لأنها ستخفق". لكن "الشرعية الشعبية" تآكلت بفعل الانكشاف الكبير لفساد الملالي.

حين كان روحاني في السلطة، وصف أحاديث إسرائيل عن حيازة الأرشيف النووي الإيراني السرّي بأنه "مزاعم صبيانية مضحكة ومفضوحة". وعلى باب الخروج من السلطة، وفي الرد على انتقاد خامنئي لطريقته في التفاوض على الاتفاق النووي وتحميله مسؤولية الخروج الأميركي منه، اعترف بأن "الموساد سرق الأرشيف السرّي ونقل المعلومات إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي انسحب لاحقاً من الاتفاق". والمعنى البسيط لذلك ليس مجرد الحرص في السلطة على إخفاء الحقائق، بل الاعتراف بوجود جانب عسكري سرّي في البرنامج النووي كشف عنه الأرشيف، وكان من أسباب القرار الأميركي. أما خامنئي الذي تجاهل الوضع الاقتصادي الصعب وطرح مشروع "الاقتصاد المقاوم"، فإنه دعا رئيسي إلى "مكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي". وأقل ما كشف عنه رئيسي في إشارة إلى سياسات روحاني هو التضخم، وصل إلى 50 في المئة والسيولة إلى 680 في المئة ومديونية الحكومة تضاعفت ثلاث مرات منذ 2015 وعجز الموازنة هو 450 ألف مليار ريال. وأبسط ما كتبته صحيفة "جمهوري إسلامي" في التعليق على تظاهرات الأهواز هو "لو امتلكنا كل مفاعلات العالم، فلن نتمكن من حفظ النظام ما لم يرضَ عنّا الناس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والسؤال الذي لا مهرب منه في طهران هو إلى أي حد يستطيع الملالي الإنفاق على التسلح الهائل، ودعم الميليشيات التابعة للحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والعمل على "نشر الثورة" وخوض "حرب عصابات" بالمسيّرات والصواريخ في البحر والبر؟ وفي أي ظروف؟ وسط اقتصاد ضعيف وبطالة مرتفعة وعملة منهارة وتظاهرات غاضبة، ترفع إلى جانب المطالب المعيشية شعار "الموت للديكتاتور" و"رحيل الملالي" و"لا غزة، ولا لبنان، روحي فداء لإيران". ألم يتعلّموا درس الاتحاد السوفياتي الذي انهار في سباق التسلح مع الولايات المتحدة الأميركية، لأن اقتصاده لم يتحمل، وهو أهم من إيران وأكبر ويحكمه حزب أيديولوجي حديدي؟ ألم يقرأوا ما كتبه المؤرخون عن صعود الإمبراطوريات وهبوطها حين تعجز عن تمويل مشاريعها والالتزامات؟ وأي "شرعية شعبية" تكرّسها انتخابات يفاخر بها خامنئي ويرى أنها أحبطت "مؤامرة الأعداء"، مع أن نسبة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تدنّت إلى 26 في المئة وحملت الصناديق 3.7 مليون ورقة بيضاء؟

قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي يقول "لدينا مسيّرات يصل مداها إلى 7 آلاف كيلومتر". عظيم. ولكن نسبة النمو الاقتصادي هي صفر. والناس تبحث عن الخبز والبيض والدجاج. ولا تستطيع أن تضع الصواريخ على موائدها. حتى المهندس الذي يجد عملاً في طهران، فإن راتبه لا يكفي لاستئجار مسكن، ولا يستطيع أن يسكن في زورق أو طائرة مسيّرة.

أكثر من ذلك، فإن نقطة القوة هي نفسها نقطة الضعف في المشروع الإيراني: مشروع إمبراطوري بنظام ثيوقراطي يجذب بسهولة منتمين إلى مذهب واحد في منطقة مذاهب وأعراق بعضها أكبر وأقوى. والمشهد يختصره مثلثان: مثلث "الأيديولوجيا، والديماغوجيا، والبيولوجيا" فوق. ومثلث "التسلح، والفقر، والقمع" تحت. ولا أحد في السلطة يريد أن يسمع وصية روحاني: "عصر التشدد انتهى" و"الطريق هو الاعتدال". لكن تجاهل التاريخ ليس ضماناً لمهمة قائمة على تجميد التاريخ، ولا للهرب من تبدّل الأزمنة.

المزيد من تحلیل