Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح تونس في كبح صعود أسعار المنتجات؟

الوضع الاقتصادي المتردي يزيد نزف موازنات الأسر وتوجه تجاري نحو خفوض واسعة

يخيّم الغلاء وارتفاع أسعار المنتجات على الأسواق المحلية في تونس (أ ف ب)

بينما يواصل الرئيس التونسي قيس سعيد فتحه عدداً من الملفات الحارقة ذات العلاقة بمحاربة الفساد وإصلاح أجهزة الدولة وتطبيق القانون على المخالفين، يخيم الغلاء وارتفاع أسعار المنتجات على الأسواق المحلية، في وقت تتعرض فيه عائلات تونسية لضغوط التضخم واستنزاف موازنتها الخاصة.

وكانت آخر حرب يخوضها الرئيس التونسي في مرحلة ما بعد يوم 25 يوليو (تموز) 2021، تتعلق بدعوته كل المهتمين في الشأن التجاري إلى إقرار خفوض في العديد من أسعار المنتوجات الاستهلاكية والغذائية في ظل وضع معيشي أضحى متردياً وصعباً على التونسيين.

وكان الرئيس قيس سعيد دعا الأربعاء الماضي تجار البيع بالجملة والتفصيل إلى "خفض الأسعار إلى أقل حد ممكن، وألا يقعوا في استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لتحقيق الربح أو الاحتكار والمضاربة على حساب المواطنين، وبخاصة ضعاف الحال منهم".

وقال خلال لقائه رئيس منظمة الأعراف التونسية، "إن أية محاولة للمضاربة أو الاحتكار ستواجه بتطبيق كامل وصارم للقانون"، مبيناً أن "رفع شتى أنواع التحديات يكون بالتآزر والتكافل، وذلك أفضل بكثير من الالتجاء إلى المحاضر والمخالفات".

تضخم كبير في الأسعار

وسجلت نسبة التضخم في شهر يونيو (حزيران) 2021، ارتفاعاً مهماً لتبلغ 7.5 في المئة، بعد الاستقرار المسجل خلال الشهرين السابقين في مستوى خمسة في المئة نتيجة لتسارع نسق ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونسق أسعار مجموعة النقل وأسعار مجموعة المطاعم والمقاهي والفنادق، وفق إحصاءات المعهد الوطني للاستهلاك (حكومي).

وبين المعهد الوطني للإحصاء في معطيات حول نسبة التضخم لشهر يونيو 2021، أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت 7.2 في المئة مقابل ستة في المئة الشهر السابق، وزاد نسق أسعار مجموعة النقل ليصل إلى 3.4 في المئة مقابل 1.5 في المئة في مايو (أيار) 2021. كما تطورت أسعار مجموعة المطاعم والمقاهي والفنادق من 5.8 في المئة إلى سبعة في المئة.

وزادت وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال شهر يونيو بنسبة 7.2 في المئة، وذلك نتيجة الزيادة المسجلة في أسعار الزيوت الغذائية بنسبة 16.5 في المئة، وأسعار الخضر بنسبة 13 في المئة، وأسعار الحليب ومشتقاته والبيض بنسبة ثمانية في المئة، وأسعار الأسماك بنسبة 7.6 في المئة، وأسعار اللحوم بنسبة 6.4 في المئة.

وعرفت أسعار المواد المصنعة ارتفاعاً بنسبة 5.9 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 10.1 في المئة، وأسعار مواد البناء بنسبة 11.1 في المئة، وأسعار الملابس والإحذية بنسبة 7.3 في المئة، وأسعار مواد صيانة المنزل ومواد التنظيف بنسبة 6.3 في المئة.

وفي السياق ذاته، شهدت أسعار الخدمات ارتفاعاً بنسبة 4.3 في المئة، ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات الصحة بنسبة 6.4 في المئة وأسعار الإيجارات بنسبة 4.6 في المئة.

كما شهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعاً بنسبة 5.8 في المئة (5.4 في المئة الشهر السابق) مقابل 5.2 في المئة بالنسبة للمواد المؤطرة (4 في المئة الشهر السابق)، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 7.2 في المئة مقابل 7.4 في المئة بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.

ويعاني التونسيون منذ بضع سنوات نسقاً مرتفعاً للمنحى التصاعدي للأسعار، التي شملت العديد من المنتوجات جعل أغلب الشرائح غير قادرة على مجاراة نسق الارتفاع الجنوني للأسعار، في ظل عجز أجهزة الدولة عن التصدي لهذا المنحى الذي يعتقد التونسيون أنه يعرف العديد من الإخلالات.
 


ثلثا الموازنة لشراء المواد الاستهلاكية

ولم يكن يعتقد رمزي العياري (52 عاماً) موظف في وزارة التربية التونسية، أن تتدهور موازنته بتخصيص ثلثيها (500 دولار) لاقتناء المواد الاستهلاكية والغذائية.

ويضيف أن مستوى المعيشة في تونس أصبح مرتفعاً، وأن الأسعار أضحت تضاهي مستوى أسعار بعض دول الاتحاد الأوروبي ذات الدخل المرتفع لمواطنيها، عكس تونس حيث يجد المواطنون صعوبات كبيرة لإنهاء الشهر من دون اللجوء إلى التداين.

ووصف قرارات الرئيس قيس سعيد بالجريئة التي أعلن عنها أخيراً، وما تبعها من مراسيم ولقاءات مع الشخصيات الاقتصادية الإدارية ورؤساء المنظمات والجمعيات المدنية تهم عامة الناس، ومن شأنها أن تخفف وطأة ما يعيشه التونسيون.

ولفت قائلاً شخصياً وكموظف عمومي، أرى أن القرارات الرئاسية الخاصة بخفض الأسعار بالنسبة إلى المواد الاستهلاكية والمواد الصيدلانية من شأنها أن تُشعر المواطن بنوع من الأمان النفسي الذي فقده في السنوات الأخيرة، كما ستنعش جيبه الخاوي".

ويتابع العياري الأب لطفلتين، "على الرغم من أن دعوة الرئيس قيس سعيد لخفض الأسعار غير كافية، لكنها مهمة ونحن ننتظر المزيد من القرارات التي لها علاقة بالمعيش اليومي، وبخاصة الضرب على أيادي المحتكرين وسماسرة المواد الغذائية والمنتوجات الفلاحية".

وأكد أن هؤلاء المحتكرين هم سبب البلية في إشعال نار الأسعار المرتفعة التي وصلت إلى مستويات غير مقبولة، أطاحت بالقدرة الشرائية إلى مستويات مخيفة.

مستويات غير مقبولة للأسعار

وأطلق لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة)، صيحة فزع بشأن المستويات غير المقبولة التي وصلتها أسعار المنتوجات الاستهلاكية والغذائية في تونس.

واعتبر أنه يتعين وضع حد لغلاء الأسعار وهيمنة لوبيات الاقتصاد الريعي للحفاظ على النسيج الصناعي التونسي والقدرة الشرائية للمواطن، التي عرفت اهتراءً متواصلاً في السنوات الأخيرة، في ظل عجز الحكومات المتعاقبة على التصدي لهذا المنحى التصاعدي غير المبرر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن الأمر يستدعي اتخاذ إجراءات عدة، منها عدم توريد أي منتوج له مثيل في تونس، وتحديد سقف أعلى لهامش الربح التي تعتمده بعض المساحات الكبرى، والذي أسهم في غلاء الأسعار في نظام حرية الأسعار.

كما شدد على أهمية اعتماد الاقتصاد الاجتماعي التضامني كمنوال اقتصادي للحد من هيمنة لوبيات المضاربة.

وعبر عن مساندته المطلقة للقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية في إطار القانون ووفق ما جاء بالدستور، لحفظ كيان الدولة وضمان السير العادي لدواليبها، في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

دراسة حول القدرة الشرائية للتونسيين

وكشف مراد بن حسين المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك (حكومي)، أن المعهد يعتزم إنجاز دراسة مهمة وكبيرة حول القدرة الشرائية للتونسيين، وهل أن هذه القدرة ارتفعت أو انخفضت استناداً إلى معايير علمية ودولية؟

وكشف أن الدراسة ستنطلق على أقصى تقدير في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، إثر اختيار مكتب دراسات متخصص، لافتاً إلى أنها الدراسة الأولى التي سيتم إنجازها في تونس.

وعن قراءته للواقع الاستهلاكي في تونس ولا سيما تذمر التونسيين من ارتفاع الأسعار، أوضح المسؤول أن هناك منحى تنازلياً لأسعار الخضراوات والغلال بحكم عامل الوفرة، بخاصة في العديد من منتوجات الغلال، لكنه في المقابل أقر بحصول زيادة لافتة في أسعار الدواجن التي تعد ملاذاً للعيد من العائلات التونسية محدودة الدخل، والتي لا يمكنها اقتناء اللحوم الحمراء التي وصل ثمنها 10.7 دولارات للكيلوغرام الواحد.

ولئن حيا مبادرة أصحاب المساحات التجارية الكبرى بإقرار خفوض في أثمان العديد من المنتوجات الاستهلاكية، غير أن المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك حذر من مسألة قال إنه على المستهلك التونسي أن يتفطن إليها، وتتعلق بمدى إشهار الأسعار الدنيا والقصوى للمنتوجات الاستهلاكية.

وأوضح في هذا الصدد أن المستهلك يجهل الأسعار القصوى للمنتوجات بخاصة في المساحات التجارية الكبرى، لكي يقيس مدى أهمية إقرار خفوض في الأسعار، وفق ما أعلنت عنه المساحات التجارية الكبرى.

وعلى صعيد آخر، أعلن مراد بن حسين أن المعهد يستعد لتطوير تطبيقة على الهواتف الذكية لتشمل الأسعار الدنيا والقصوى لعدد من المنتوجات الاستهلاكية، لتوفير شفافية أكثر للمنتوجات الاستهلاكية.

تفاعل أصحاب القرار

وتفاعلاً مع نداء الرئيس التونسي بخصوص إقرار خفوض أسعار المواد الاستهلاكية، أقرت الغرفة النقابية الوطنية للمساحات التجارية الكبرى الممثلة لأربع علامات تجارية، إدراج خفوض في أسعار عدد المواد الاستهلاكية الأساسية.

ويأتي هذا القرار، وفق الهادي باكور رئيس الغرفة، في إطار "التفاعل مع مبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي دعا إلى خفض الأسعار، في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد والانخراط في المجهود الوطني".

وأعلن أن الخفوض ستشمل المواد الاستهلاكية الغذائية ما بين خمسة و10 في المئة، بينما ستشمل الخفوض في مواد التنظيف بين 10 و15 في المئة.

وقال إن عملية الخفض ستنطلق رسمياً في غضون هذا الأسبوع، وإن المساحات التجارية الكبرى ستعد قوائم موحدة تشمل الخفوض، علاوة على ترك الحرية لكل علامة تجارية لإقرار خفوض طوعية بمفردها.

يشار إلى أن المعهد الوطني للإحصاء سينشر في الخامس من أغسطس (آب) نسبة التضخم لشهر يوليو (تموز)، وفق مصدر مأذون فضل عدم الكشف عن هويته.

وأبرز المصدران ذاتهما أن التفاعل مع نداء الرئيس قيس سعيد وإقرار الخفوض من طرف المساحات التجارية الكبرى، سيظهر جلياً على مستوى التضخم ومؤشر الاستهلاك العائلي وحركة الأسعار في كامل شهر أغسطس الحالي.