"إن قتل إيران للجنود الأميركيين ومهاجمة المنشآت الأميركية واحتجاز الرهائن الأميركيين على مدى أربعين عاماً يذكرنا على الدوام بضرورة الدفاع عن أنفسنا"، هكذا تحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ملخصاً أربعة عقود من علاقات متوترة مع نظام الثورة الإسلامية في إيران.
خلال الحرب الكلامية الأخيرة بين واشنطن وطهران، والتي انتهت بتحريك قطع بحرية عسكرية أميركية إلى الخليج، استدعت تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية سجل إيران فيما يتعلق بتهديد المصالح الأميركية ومصالح حلفاء واشنطن في المنطقة منذ العام 1979. فالثورة الإيرانية -وبعد 40 عاما- مـا زالت تتخذ من شعار "الموت لأميركا" ديدنها. وأبدت إيران خلال السنوات الماضية مواقف معادية للوجود الأميركي في المنطقة، وسعت في إقامة كيان معارض للغرب وقوى "الاستكبار". وبدت العمليات التي استهدفت السفن الأربع في مياه الإمارات ومحطتي ضخ البترول السعودية أخيرا حلقة من سلسة التصعيد واستهداف أمن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
البداية التي تابعها العالم أجمع كانت أزمة الرهائن الأميركية عام 1979، فورا بعد الثورة الإيرانية، وهو المشهد الذي لم يختلف كثيرا عن مهاجمة وحرق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد عام 2016. وخلال اقتحام السفارة الأميركية احتجز أنصار النظام حديث النشأة كل من كان بها من الدبلوماسيين الأميركيين، وكان عددهم 52 شخصا، لتبدأ أزمة الرهائن. وردّت الولايات المتحدة بعملية "مخلب النسر" في 25 أبريل (نيسان) 1980 لتحرير الرهائن؛ لكنها أخفقت وأدت إلى تحطم طائرتين ومقتل ثمانية جنود أميركيين. هذه الأحداث رسمت مسار التوتر الإيراني- الأميركي على مدار الـعقود الأربعة التالية.
ملاحة مهددة وإمدادات معطلة
بعد "الثورة الإسلامية"، اندلعت الحرب بين إيران والعراق، جارها النفطي صاحب الاحتياطيات الضخمة والعضو المؤسس بـ"أوبك". واستمرت الحرب لمدة ثماني سنوات، ما عُد تهديدا للملاحة البحرية ولإمدادات الطاقة في الخليج. وشنت الولايات المتحدة عمليتين عسكريتين على أهداف إيرانية ردا على تفخيخ مياه الخليج ومهاجمة البوارج الحربية وناقلات النفط. وفي العام 1987 ضربت إيران ناقلة نفط كويتية حملت العلم الأميركي.
الهجوم الثاني على أهداف أميركية في الخليج العربي خلال عقد الثمانينيات كان بتاريخ 14 أبريل (نيسان)، عندما ارتطمت فرقاطة الصواريخ الموجهة "يو أس أس صمويل روبرتس" بلغم بحري إيراني أثناء مرافقة حاملات النفط الكويتية لحمايتها من الهجمات الإيرانية، ما حفز المسؤولين الأميركيين على التخطيط لعملية انتقامية ضد الأهداف الإيرانية في الخليج العربي، فكانت العملية "فرس النبي"، في 18 أبريل (نيسان) 1988، شنتها القوات الأميركية داخل المياه الإقليمية الإيرانية انتقاما من تفخيخ إيران لمياه الخليج العربي خلال حرب الثماني سنوات مع العراق، وإصابة السفينة الحربية الأميركية التي أوشكت على الغرق قبل أن تُنقَذ وتُسحب إلى دبي.
"بنك الإرهاب المركزي"
على مدار العقدين التاليين للثورة الإيرانية، كانت المصالح الأميركية والسفارات الأميركية في العالم موضع استهداف جديد، لكن هذه المرة من تنظيم "القاعدة"، وتُتهم إيران باستضافة قيادات "القاعدة" لعقود وتوفيرالملاذ الآمن لهم، في حرب التنظيم على الولايات المتحدة. هذا الاشتباه جعل الولايات المتحدة تضع إسم إيران ضمن الدول الراعية للإرهاب. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس "إيران هي الدولة التي تُعد، من عدة أوجه، البنك المركزي للإرهاب في مناطق مهمة في منطقة الشرق الأوسط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أبدت إيران دعما لميليشيا حزب الله -المصنفة من قبل واشنطن وعدد من بلدان الخليج حركةً إرهابية- لاستهداف الوجود الأميركي في لبنان، ممثلا بالأساس في بعثات دبلوماسية. وقد فجَّـرحزب الله السفارة الأميركية في بيروت، في 18 أبريل (نيسان) 1983، ما أودى بحياة 63 شخصا في السفارة. وفي 20 سبتمبر (أيلول) 1984 أقدمت حركة حزب الله على تفجير انتحاري بسيارة مفخخة استهدف سفارة الولايات المتحدة في بيروت، وأعقب الهجومَ مقتل 24 شخصا.
وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمر الدموية عام 2001 أصدر قاض فيدرالي بولاية نيويورك أمرا يطالب فيه إيران بدفع مليارات الدولارات لأقارب ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر، وذلك قبل شهرين من اعتراف معاون السلطة القضائية الإيرانية، محمد جواد لاريجاني، بأن بلاده "سهّلت" مرور عناصر القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر. وخلال السنوات اللاحقة للغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 ثم العراق عام 2003، اتُهمت إيران بدعم طالبان باكستان في بعض عملياتها ضد القوات الأميركية، كما أسست عشرات الميليشيات المحسوبة عليها استهدفت القوات الأميركية في العراق على مدار ما يزيد على 10 سنوات.
وقامت إيران بين الحين والآخر بعمليات استعراضية بالتعرض للقطع البحرية الأميركية في الخليج، أو التهديد بإغلاق مضيق هرمز واستهداف ناقلات النفط ومنع تصديره من المنطقة ردا على العقوبات الأميركية. وكان آخر تلك العمليات عملية احتجاز 10 بحارة أميركيين عام 2016 نُشرت صورهم وهم يُحتجزون على نحو عُد "مهينا"، وذلك قبيل تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية.