Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

احتجاجات الأهواز تتحول إلى غطاء لحراك سياسي في المدن الإيرانية

ثمة إحساس لدى النظام بحجم الخطر الذي يهدد السلطة المركزية وبضرورة اللجوء إلى معالجات سريعة للحد من تفاقم الأمور

يتهم المحتجون النظام الإيراني بتجفيف الأنهر بهدف تهجيرهم من أراضيهم ( وسائل التواصل الاجتماعي)

بغض النظر عن الشعارات التي رُفعت في العديد من التظاهرات التي شهدها عدد من المدن الإيرانية خلال الأيام الماضية، ومحاولة بعض قوى المعارضة توظيف هذه التظاهرات لمصالحها السياسية وإثبات وجودها على الساحة الداخلية في مواجهة النظام، فإن التظاهرات تدين في خروجها لتراكم الأزمات التي أنتجتها السياسات الإدارية والاقتصادية التي قام بها النظام خلال العقود الماضية. وهناك نقطة فارقة في هذه التحركات جاءت استجابة تضامنية مع الحراك الاحتجاجي الذي تشهده الأهواز، وهو حراك جاء في أسبابه المباشرة نتيجة موجة الجفاف وسوء الإدارة للموارد المائية في الإقليم وحرمان أبنائه من المياه، ما أدى إلى انقطاع شبه تام لمياه الشرب وتراجع منسوب المياه في شرايين الأنهر الأكبر في إيران، وقد تلفت المواسم الزراعية فضلاً عن جفاف أحد أكبر المسطحات المائية "هور العظيم" الذي يعتبر من أهم الموارد الحياتية لأبناء الإقليم.

التظاهرات التي شهدها شارع "جمهوري إسلامي" وسط العاصمة الإيرانية طهران في المسافة الفاصلة بين مقر المرشد الأعلى (البيت) ومبنى البرلمان، جاءت نتيجة حركة اعتراضية من قطاع التجار على انقطاع التيار الكهربائي، الذي كشف عدم صحة الادعاءات التي قدمتها الحكومة التي وعدت بإنهاء أزمة الكهرباء بعد الفضيحة التي حصلت قبل أسابيع بانقطاع إمدادات الكهرباء في العاصمة وأجزاء واسعة من إيران.

وأمام سياسة الإهمال التي يمارسها النظام والحكومة في التعامل مع الأصوات المطلبية للقطاعات الاقتصادية والعمالية والشعبية المعيشية والحياتية، دفع أي حراك احتجاجي ومطلب إلى رفع مستوى اعتراضه، ونقل مواقفه من مطلبية صرفة إلى بعد سياسي ضد سياسات النظام ومنظومته الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. الأمر الذي سمح لقوى المعارضة، خصوصاً تلك التي تعمل من الخارج، بالدخول على خط الاحتجاجات ونقلها إلى مستوى متقدم يعمق أزمة النظام ويكشف حجم الرفض الشعبي الذي يواجهه داخل المجتمع الإيراني.

وبعيداً من المسوغات التي قد يقدمها النظام لهذه الظاهرة السياسية التي بدأت تهيمن على الاحتجاجات المطلبية، فإن الشرارة التي انطلقت من حراك الأهواز، الذي كان واضحاً منذ ساعاته الأولى بعدم اقتصاره على الجانب المطلبي والمياه، أعلنت صرخة في وجه سياسة الإهمال والإقصاء التي مُورست بحق أبناء الشعب العربي الأهوازي.

التظاهرات التي خرجت في بعض المدن الإيرانية، إلى جانب تضامنها مع الأهواز، وتظاهرات مدينة تبريز في أذربيجان ذات القومية الأذرية، ومدينة سقز في كردستان ذات القومية الكردية، انتقلت إلى رفع مطالب حقوق القوميات. ما وضع النظام والحكومة المركزية أمام مؤشرات خطيرة تتحمل قيادات النظام الجزء الأكبر من المسؤولية فيها، نتيجة عدم حرصها على فتح قنوات حوار مع هذه المكونات القومية وعدم الاعتراف بحقوقها وخصوصياتها اللغوية والإثنية.

إن حالة الإنكار التي يعيشها النظام إزاء مطالب المكونات السياسية والثقافية والمعيشية لم تبدأ مع الانتفاضة الأهوازية، بل تبلورت في الثامن عشر من يونيو (حزيران) الماضي في صناديق الاقتراع. فقد دوت في ذلك اليوم، في الأهواز، صرخة اعتراضية تمظهرت في العزوف عن المشاركة في الاقتراع، وسطرت للمرة الأولى أقل نسبة مشاركة شعبية في الانتخابات الرئاسية منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية. إذ لم تتعدَّ نسبة المشاركة أكثر من 30 في المئة بناءً على التقديرات غير الرسمية، في حين قالت الجهات الرسمية إن المشاركة وصلت إلى نحو 47 في المئة.

ولعل ظاهرة الأصوات اللاغية أو الأصوات البيضاء، التي تجاوز عددها أربعة ملايين وحلَّت في المرتبة الثانية بعد المرشح الفائز إبراهيم رئيسي، المؤشر الأخطر على ضرورة أن يعيد النظام ترتيب أولوياته، وأن يستمع إلى الرسالة التي حملتها هذه النتائج، ويعمد إلى معالجات جدية للتراكمات السلبية التي أنتجتها سياسات الإهمال وما نتج عنها من سخط، إذا ما سعى إلى منع تفجر المأزق الذي بدأ يواجهه في اتساع رقعة الحركات الاحتجاجية في المدن الإيرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انفجار الاحتجاجات وانتشارها في المدن الإيرانية خصوصاً بين القوميات والشعوب غير الفارسية في وجه الرئيس الجديد، الذي يستعد لتولي مهماته على رأس السلطة التنفيذية، قد يكون السبب فيه الشعور الذي تولَّد لدى هذه الشعوب بأن عملية تغيير الرئيس ورأس السلطة التنفيذية لا تعني تغييراً في النهج الذي مارسه ويمارسه النظام مع أبناء هذه القوميات والشعوب، خصوصاً أن الصراعات داخل فريق رئيسي والتيار الداعم له على تقاسم الحصص في الحكومة الجديدة بدأت تخرج إلى العلن، على حساب التفكير في البحث عن حلول جدية للأزمات المعقدة والمركبة التي يعاني منها الإيرانيون، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والحصار المفروض على إيران.

من هنا، فإن عودة الاحتجاجات والتظاهرات إلى الشوارع، التي بدأت في الأهواز وتمددت إلى تبريز وسقز وأصفهان ولرستان وبوشهر وخراسان شمالي وغيرها، وصولاً إلى طهران، كلها انطلقت من أبعاد مطلبية وحياتية ثم أخذت أبعاداً سياسية، وبالتالي، تحولت بسرعة إلى ما يشبه التحذير للنظام ومؤسساته السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية والحكومية بخطورة المرحلة المقبلة، وما يمكن أن تصل إليه الأوضاع في حال استمرت سياسة الإهمال ورفض الحوار مع هذه الشعوب والجماعات والاعتراف بحقوقها السياسية والثقافية.

لا شك في أن أجهزة النظام كانت على معرفة بحجم الغليان الذي يسيطر على الشارع الإيراني، لذلك عممت في دوائرها الخاصة توصيات على أجهزتها الأمنية في ما يخص كيفية التعامل مع الاحتجاجات والتظاهرات، وضرورة عدم الانزلاق إلى ما يشبه أحداث عام 2019، وأسلوب القمع الذي مارسته في التعامل مع الاحتجاجات التي خرجت اعتراضاً على رفع أسعار مادة البنزين. إلا أنها فوجئت بحجم الانفجار الناتج عن تراكم مطلبي مزمن لدى الأهوازيين وغيرهم ممن تضامن معهم. ولم يكن أمام تلك الأجهزة سوى اللجوء إلى التعامل الأمني في المرحلة الأولى، قبل أن تجبر على الاعتراف بدورها السلبي الذي أوصل الأمور إلى الانفجار، وهو اعتراف لجم تطور المواجهات نحو الغرق في الدماء. وهذا لم يكن ممكناً لولا لجوء المرشد الأعلى علي خامنئي وللمرة الأولى في تعامله مع نوع كهذا من الاحتجاجات إلى القول إن "من حق الأهوازيين الاعتراض نتيجة ما تعرضوا له من إهمال". ما يعني أن قيادة النظام أدركت خطورة ما يمكن أن تذهب إليه الأمور، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها داخلياً ودولياً، وتحديداً في معركة عض الأصابع بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية وتلقيه رسائل عن إمكانية عودة واشنطن إلى سياسة التشدد في العقوبات، وقطع الشريان النفطي الذي يعتمد عليه لإعادة إنعاش اقتصاده. وما إسراع رئيس السلطة القضائية الجديد، غلام حسين محسني إجئي، إلى إصدار أوامر لمدعي عام خوزستان بإطلاق سراح المعتقلين الذين شاركوا في احتجاجات الأهواز الأخيرة، باستثناء من يشتبه بانتمائه إلى الجماعات الانفصالية والداعية إلى العنف المسلح، سوى مؤشر على إحساس النظام وقياداته بحجم الخطر الذي يهدد السلطة المركزية وبضرورة اللجوء إلى معالجات سريعة للحد من تفاقم الأمور. ثم أليست زيارة قائد قوات الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، إلى الأهواز تعزز هذا الاعتقاد الذي فرض عليه التدخل المباشر متجاوزاً السياق العسكري والأمني والإداري والحكومي؟

المزيد من تحلیل