Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غريس كيلي الأسطورة التي رافقها سوء الحظ عقودا بعد رحيلها

حين أخفق فيلم حياتها ونهايتها الذي كان كثيرون يحلمون بتحقيقه

نيكول كيدمان في مشهد من فيلم "غريس أوف موناكو" (موقع الفيلم)

كان الحدث نادراً. كان نادراً أن يُجابه فيلم يفتتح به مهرجان "كان" السينمائي دورته لعام 2014 بمثل ذلك الهجوم الساخط الذي جُوبه به فيلم "غريس أوف موناكو"، الذي حققه السينمائي الفرنسي أوليفييه دهان عن فصول من حياة أميرة موناكو الراحلة غريس كيلي من تمثيل نيكول كيدمان. يومها، لم يكن النقاد الوحيدين الذين هاجموا الفيلم، بل واكبتهم الصحافة والمؤرخون في ذلك، متهمين السيناريو بالتهافت، واختراع أمور لم تحدث. وهو نفس ما اتهمت به أسرة غريمالدي، أمراء موناكو وأبناء الراحلة، الفيلم، ليثني عليه منتجه هارفي فينشتاين الذي أعلن على الملأ أن المخرج لم يلتزم بالعقد، وأنه غض النظر عن ملاحظات كثيرة أبداها له، مؤكداً أنه كمنتج وموزع للفيلم في الولايات المتحدة، سيحدث الكثير من التعديلات والتصحيحات على النسخة التي ستوزع هناك. صحيح أنه فعل، لكن ذلك لم يبدل من فشل الفيلم. الفشل الذي حسبه البعض في خانة الحظ السيئ الذي جعل المرحلة الأخيرة من حياة غريس كيلي ومرحلة ما بعد رحيلها تتسم بسوء الطالع وكأن رحيلها المفجع لم يكن سوى حلقة في سلسلة.

من الممثلة إلى الأسطورة

والحال أنه منذ رحيل الفنانة الأميركية غريس كيلي - التي كانت قبل تلك النهاية المفجعة بسنوات قد تحولت إلى أميرة فاتنة لواحدة من أصغر دول العالم، موناكو - وكثير من السينمائيين يحلمون بتحقيق فيلم عن حياتها، بل بشكل أكثر تحديداً، عن موتها، وهي التي كان العالم كله قد ذهل يوم الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) 1982 حين أذيع نبأ مقتلها إثر حادث سيارة عنيف تعرضت له. والحقيقة أن الذهول لم يكن ناجماً عن كون القتيلة أميرة في تلك الإمارة الأشبه بقطعة من فردوس أرضي حقيقية، ولا حتى عن كون القتيلة عرفت كواحدة من ساحرات هوليوود في سنوات الخمسين، حين كانت تخوض مساراً سينمائياً حافلاً بالوعود وبالنجاحات، حين اختارت لها الأقدار أن تتعرف على أمير موناكو الشاب رينييه، في ذلك الحين، فيتزوجها ويحولها من ممثلة إلى أسطورة. ما أذهل الناس يومها كان ذلك الموت المفجع الذي اختطف "الأسطورة"، وكشف للجميع عن أن الأساطير تموت أيضاً، وبشكل مباغت إذا أمكن. بهذا المعنى كان قاسياً موت الأميرة غريس، بل أقسى من موت ريتا هايورات مصابة بداء "ألزهايمر" بعدها بفترة، ومن موت إنغريد برغمان، أو غريتا غاريو، أو ماريا كالاس، أو حتى جاكلين كينيدي. ونحن إذا كنا قد سقنا هذه الأسماء معاً، فما هذا إلا لأن صاحباتها تشاركن في قاسم مشترك أساسي، وهو أنهن جميعاً كن سيدات المجتمع والفن و"أحاديث النجوم" في القرن العشرين. وكن "أساطير" حقيقية في زمن تحطم الأصنام وموت الأساطير، وجميعهن كانت نهاياتهن فجائعية، بيد أن غريس كيلي تميزت في كون فاجعة موتها جاءت بغتة، فيما ماتت الأخريات موتاً متوقعاً: بعد مرض، أو عزلة طويلة، أو بعد أن انحسرت عنهن الأضواء.

الأقدار بالمرصاد

وحدها بينهن غريس كيلي ماتت في عز صباها، في لفتة مؤلمة من القدر. ولئن كانت نجمات من طراز مارلين مونرو وداليدا قد اخترن موتهن بأنفسهن، فإن غريس كيلي لم تتمكن حتى من أن تختار ساعة رحيلها وأسلوبه. والحقيقة أن فيلم "غريس أوف موناكو" عجز تماماً عن تظهير تلك الصورة الواقعية، مكتفياً بأن تتأرجح أحداثه السابقة لموتها بين قطبين شغلا سنواتها الأخيرة: قطب سياسي، حيث جهد الفيلم بشكل مبالغ فيه في تصوير دور مفترض لغريس في صراع كانت الإمارة الصغيرة تخوضه لأسباب بدت في الفيلم متشابكة وغير منطقية، ضد فرنسا الجنرال ديغول من ناحية، ومن ناحية أخرى قطب سينمائي حين جاء المخرج الأثير لدى غريس، ألفريد هتشكوك إلى الإمارة محاولاً إقناعها بالعودة إلى السينما للقيام ببطولة فيلم سيقول لها إنه كتبه من أجلها هو "مارني" الذي سينتهي الأمر بتيبي هدرن لتلعب الدور الرئيس فيه. ولئن كان فيلم دهان يقول لنا إن الأميرة قد نجحت في مساعيها السياسية "مرغمة" الزعيم الفرنسي الكبير على الرضوخ والإذعان لمشيئة إمارة الكازينوهات والأثرياء، فإنه يفيدنا في المقابل أن غريس كيلي قد تراجعت في اللحظات الأخيرة عن العودة إلى السينما معيدة مخرجها المفضل خائب المسعى إلى هوليووده الساطعة. ولسوف تعيش غريس بعد ذلك مزدهية بانتصارها على الفرنسيين، حزينة على رد هتشكوك خائب المسعى، قلقة إزاء تربية أطفالها ومصائرهم كما على صحة زوجها الأمير... حتى خلصها الحادث الذي وضع نهاية غير متوقعة لحياتها من كل تلك الآلام وضروب القلق.

الحياة الأسطورة

في تلك النهاية المبكرة ماتت غريس هكذا ببساطة، بحادث سيارة أحمق لتجعل من موتها أسطورة، وهي التي كانت حياتها أسطورة وحكاية جن حقيقية. في البداية لم تكن غريس كيلي المولودة في فيلادلفيا في عام 1928، سوى فتاة من أسرة برجوازية هوت فن التمثيل، فمثلت على المسرح وكانت في العاشرة من عمرها، ثم مثلت بعض المسلسلات المتلفزة قبل أن تظهر في أفلام سينمائية وإعلانية، وتكون تلك هي البداية الحقيقية لها، إذ سرعان ما اكتشفتها هوليوود، بعد دور صغير أدته في فيلم من إخراج هنري هاثاواي، حيث لفتت الأنظار بعينيها الخضراوين الغريبتين وشعرها الذهبي ومظهرها الأرستقراطي الذي نادراً ما كانت هوليوود قد عرفت مثيلاً له من قبل، إذ كانت عاصمة السينما قد اعتادت على الفتيات الآتيات من أوساط الشعب. من هنري هاثاواي إلى جون فورد ومن مارك روبسون إلى فرد زينمان، وقع مخرجو هوليوود الكبار تحت سحر البرجوازية الحسناء، فراحوا يعطونها أدوار مغامرات في أفلامهم جعلت لها شعبية معينة. وفي ذلك الحين كان هتشكوك الكبير بالمرصاد، ووجد أن ملامح غريس كيلي الباردة والاستعلائية تناسب شخصياته الرئيسة، فأدارها في ثلاثة أفلام متتالية، عند أواسط سنوات الخمسين، رفعتها بغتة إلى ذروة لم تكن تحلم بها: أولاً كان هناك "اطلب الرقم ميم إذا كانت هناك جريمة" (1954)، ثم "النافذة الخلفية" (1954)، وأخيراً "امسك حرامي" (1955)، الذي مثلته في موناكو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوسكار للجمال

صحيح أن غريس كيلي لم تقنع أحداً كممثلة، بأدائها التبسيطي ونظراتها الهاربة ونطقها المرتجف، لكنها أقنعت الجميع بجمالها، وهذا الجمال شجع في 1957 على منحها جائزة الأوسكار، ما أثار احتجاجاً حقيقياً. المهم أن تلك الأفلام القليلة، ثم في فيلمين آخرين حققهما كينغ فيدور وتشارلز والترز، جعلت لغريس كيلي شهرة عالمية لا بأس بها، وراح اسمها يملأ الصحف تارة بوصفها "بضاعة" هوليوودية من نمط جيد وأخاذ، وتارة بوصفها "سيدة مجتمع" حتى كان زواجها في ربيع عام 1956 من الأمير رينييه الذي تعرف إليها خلال عملها مع هتشكوك في الفيلم الذي صوره في موناكو. ولما كان الأمير يبحث في تلك الآونة بالذات عن "نصفه الآخر" طلب يدها فوافقت، وانتقل الحديث عن غريس نهائياً من صفحات النجوم إلى صفحات المجتمع المخملية وعاشت طوال نحو ثلاثين عاماً حكاية حب وأضواء، وكان المثل يضرب بها عند الحديث عن السعادة والنجاح، في وقت كان فيه ماضيها الهوليوودي (العابر على أي حال) قد أضحى وراءها نهائياً.

خبز الصحافة اليومي

حكاية النجاح المخملية هذه كانت معلماً أساسياً من معالم اهتمامات الصحافة طوال تلك الفترة، هذه الصحافة التي حين رحلت غريس كيلي في حادث السيارة، كتبت عن الراحلة بدموع غزيرة وكأن زمننا قد فقد واحدة من خير بناته، بالطبع، وما هذا لأن غريس كيلي ومثيلاتها كن، ولا يزلن، الخبز اليومي لصحافة صنعتهن وأعطتهن البعد الأسطوري الذي كان لآلهة الأولمب في العصور السحيقة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة