Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح غسيل الأموال يخيم على قانون المصالحة الاقتصادية في تونس

رفضه البنك المركزي وأحزاب المعارضة... وعريضة نيابية تشكك في دستوريته وشرعيته

يتضمن القانون توفير 1.05 مليار دولار في شكل قروض تمنح للمؤسسات التونسية المتضررة من أزمة "كوفيد-19" (غيتي)

رفض مجلس إدارة البنك المركزي التونسي مشروع قانون "الإنعاش الاقتصادي وتسوية مخالفات الصرف" الذي صادقت عليه الحكومة.

واعتبر المجلس أن القانون الذي قدّمته الحكومة، لا يتناسب مع آليات عمل البنك ولا يراعي التزامات تونس الدولية، ويعطل قيادة السياسة المالية.

وجوبه القانون الذي صادق عليه البرلمان التونسي بالانتقادات من اقتصاديين ورفضته أحزاب المعارضة. ووُجهت عريضة إلى اللجنة المختصة بالمالية في البرلمان من أجل إسقاطه، إذ شككت في دستوريته وشرعيته.

عرقلة قيادة السياسة النقدية

وعقد مجلس إدارة البنك المركزي التونسي في 23 يوليو (تموز) الحالي اجتماعاً استثنائياً خصص للنظر في مشروع القانون الرقم 104 لعام 2020، المتعلق بـ"إنعاش الاقتصاد وتسوية مخالفات الصرف" الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب في 12 يوليو 2021. وأشار المجلس إلى ضرورة اعتماد سياسة إنعاش للاقتصاد، لكنه تحفظ على أحكام مشروع هذا القانون وحيثياته. واعتبر أنه يمسّ بصفة مباشرة بمبادئ عمل البنك المركزي التونسي وآلياته والأهداف التي يتحمّل هذا الأخير المسؤولية المباشرة في تحقيقها، وفقاً للتشريع التونسي. 

واعتبر مجلس الإدارة أن مشروع القانون تضمّن إجراءات تؤدّي إلى عرقلة قيادة السياسة النقدية، وتؤثّر في بعض الالتزامات الدولية لتونس وقدرتها على مواصلة تعبئة التمويلات الخارجية الضرورية. ويثير إشكاليات تطبيقية من شأنها أن تعيق تنفيذه على أرض الواقع.

ودعا المجلس إلى مزيد من التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية في خصوص الإجراءات على الصعيد الاقتصادي والمالي. ووصف الوضعية المالية والاقتصادية بالحساسة في الوقت الراهن. ونبّه إلى ضرورة تدارس إطار مقاربة شاملة تتلاءم مع السياقات الاقتصادية والمالية التي تعيشها تونس. وقرر المجلس البقاء في حالة انعقاد مسترسل، في انتظار مآل الإجراءات الدستورية والقانونية الجارية بشأن مشروع هذا القانون.

عريضة طعن

وأودعت الكتلة الديمقراطية البرلمان التونسي، المكونة من نواب من أحزاب المعارضة ومستقلين، "عريضة طعن" في قانون الإنعاش الاقتصادي لدى الهيئة الوطنية لمراقبة دستورية القوانين المكلفة النظر في مشروعية نصوص القوانين.

ويذكر رئيس لجنة المالية في البرلمان وعضو الكتلة هيكل المكي أن هذا القانون سُطّر على مقاس أشخاص معينين ويتضمن فصولاً فيها إعفاءات على المقاس، بل إنه يتضمن فصولاً ترتقي إلى جريمة تبييض الأموال. ويصف التعديلات التي أدخلت عليه بتغييرات على مقاس الفاسدين، متهماً وزير المالية علي الكعلي بارتكاب جريمة.

إعفاءات جبائية

"هو قانون يُرجى منه الإنعاش الاقتصادي، لكن محتواه لا يُراد منه ذلك"، هذا ما يقوله الاقتصادي عز الدين سعيدان، مضيفاً أن الإجراءات التي ترِد في القانون لا صلة لها بالإنعاش، والحال أن الاقتصاد التونسي في حاجة ماسة إليه. فالاقتصاد حالياً معطل، لا يخلق العناصر الثلاثة الأساسية للإنتاج، وهي الثروة والنمو ووظائف العمل. وسجل نمو سلبي بنسبة 8.8 في المئة عام 2020. وتواصل هذه النسبة التدحرج في الثلاثية الأولى من 2021 لتبلغ 3 سلبي، ولن تكون الثلاثية الثالثة أفضل. وتبدو الحاجة ملحة إلى إعادة إنعاش الاقتصاد. لكن مشروع القانون الحالي محل الجدل يتكوّن من جملة من الإعفاءات للتأسيس لمصالحة تبدو مستحيلة.

فهو ينص على منح إعفاءات جبائية ومصالحة جبائية تخص جرائم ومخالفات الصرف. ويتطلب هذا الإعفاء الذي يمثل سعياً إلى المصالحة مع المخالفين لقانون الصرف، توافر معطى أخلاقي غير ملموس من الصعب ضمانه، وهو مستوى عالٍ من الثقة بين المواطن والدولة، ما يجعل تطبيقه صعباً وإمكانية نجاحه ضئيلة.

الفائدة

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما لا يتحمل الواقع المالي التونسي نظام القروض السكنية الذي وضعه القانون. وهو ينص على حق المواطن في الحصول على قرض سكني يصل حجمه إلى 500 ألف دينار (175.5 ألف دولار)، يُسدد على امتداد 40 عام. ولا تتجاوز نسبة الفائدة 3 في المئة. ويفتح هذا الفصل باب التأويلات والتساؤلات في شأن ممول المبلغ المتبقي من نسبة الفائدة، علماً أن نسبتها في البلاد تبلغ 6.25 في المئة. وتتجاوز لدى البنوك التجارية 7.5 في المئة. ويرى سعيدان أن نظام القروض المذكور يؤدي إلى إفلاس البنوك أو تحمّل الدولة التونسية عبئاً مالياً إضافياً لتمويله.

ويتضمن القانون توفير 3 مليارات دينار (1.05 مليار دولار) في شكل قروض تمنح للمؤسسات التونسية المتضررة من أزمة "كوفيد-19". أما النقطة التي أثارت الجدل، فهي الإشارة إلى إعادة تمويل القروض من جانب البنك المركزي، ما يعني  المسّ بصلاحيات البنك المركزي الذي لم يشارك في صياغة القانون، إذ غُيّب عن المشاورات والصياغة.

هاجس التبييض

كما لا توفر المصالحة المعروضة للمخالفين ومرتكبي جرائم الصرف عنصر الشفافية الخاص بمصدر الأموال. فالقانون  المعروض لا ينص على استثناءات معينة بشأن مصادر الأموال. ويفسح المجال لفتح الحسابات بالعملة الصعبة من دون وضع ترتيبات خاصة تحدد مقر الإقامة ونوع النشاط ومصدر الأموال، مما يسهل التأسيس لمساحة تبييض للأموال ويؤثر في سمعة البلاد، بالتالي الترقيم السيادي لها. ويضرّ بقدرة تونس على تعبئة التمويلات الخارجية بحكم فقدان الصدقية التي تنتج من مثل هذا القانون الذي وصفه سعيدان بـ"الشعبوي بامتياز".

وتضبط السياسة النقدية للبنك المركزي التونسي مجموعة من التوازنات يهددها التدخل المباشر في سياسة البنك، وفق المتخصص في الشأن الاقتصادي غازي معلى، الذي يرى أن السماح بفتح حسابات بالعملة الصعبة، هو تدخل في السياسة النقدية للبنك المركزي وإخلال بالتزامات تونس الدولية. فالنص القانوني الذي ضبط هذه العملية في قانون الإنعاش الاقتصادي لا يضع قيوداً وضوابط لفتح الحسابات بالعملة الصعبة، ما يخلّ بالتزامات تونس في شأن شفافية مصادر الأموال، بالتالي، يهدد بإعادة تصنيف البلاد ضمن القائمة السوداء لدى "مجموعة العمل المالي" (GAFI) على خلفية شبهة غسيل الأموال، بخاصة أنها سبق وصُنّفت في هذه القائمة في الفترة الممتدة بين 2017 و2019.

ويذكر معلى أن استمرار مجلس إدارة البنك المركزي في حالة انعقاد هو مؤشر إلى عدم إمكانية تطبيق هذا القانون، مشيراً إلى أن المجلس لم يصدر بياناً. ويظل الاجتماع مفتوحاً من دون إعطاء الأوامر الترتيبية والتطبيقية المنظمة لتطبيق القانون، بالتالي يبقى حبراً على ورق.