تتوالى البيانات والأرقام التي تشير إلى احتمالات نفاد الزخم الذي دفع بالاقتصادات الكبرى والمتقدمة للنمو السريع والقوي في النصف الأول من العام مع التوسع في استخدام لقاحات فيروس كورونا (كوفيد-19)، وبدء رفع الإغلاق للوقاية من انتشار الوباء. وبعد أن كان قلق الأسواق قبل أسبوعين ناجماً عن مخاوف ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي أصبحت مخاوف المستثمرين تتركز على احتمالات تباطؤ النمو.
على سبيل المثال يقدر اقتصاديون استطلعت صحيفة "وول ستريت جورنال" آراءهم أن يكون الاقتصاد الأميركي حقق نمواً في الربع الثاني بنسبة 9.1 في المئة، في أسرع معدل نمو ربع سنوي للناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم منذ عام 1983، لكن أحدث تقرير من "آي أتش أس ماركتس" هذا الأسبوع يتوقع أن يتراجع معدل النمو خلال الربع الثالث من العام. ويخلص التقرير الصادر، الجمعة، إلى أن الموجة الحالية من انتشار طفرات جديدة من فيروس كورونا، مثل متحورة "دلتا"، إلى جانب استمرار الاختناقات في سلاسل التوريد وعدم توفر العمالة في سوق العمل ستؤدي إلى تباطؤ النمو في الربع الثالث.
الاقتصادات الرئيسة
جاءت قراءة مؤشر مديري المشتريات المجمع في الولايات المتحدة عند 59.7 نقطة لشهر يوليو (تموز) الحالي، مقارنة مع 63.7 نقطة لشهر يونيو (حزيران) الماضي. وتستخدم "آي أتش أس ماركتس" المؤشر للدلالة على النشاط الاقتصادي بشكل عام. وقال كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين في "آي أتش أس ماركتس"، "تشكل متحورة دلتا (من فيروس كورونا) مخاطرة للنظرة المستقبلية. فقد ارتفعت أعداد الإصابات إلى تراجع تفاؤل الشركات والأعمال لأدنى مستوى منذ شهر فبراير (شباط) الماضي. ليس ذلك فحسب، بل إن مزيداً من موجات "كوفيد" حول العالم سيزيد من التأخير في سلاسل التوريد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف ويليامسون، "في الأغلب كان متوقعاً تباطؤ النمو في قطاع الخدمات بدرجة ما بعد فورة فتح الاقتصاد". وهذا ما أكدته رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريتسين لاغارد، في تصريحات صحافية، الخميس، حول أداء اقتصاد دول منطقة اليورو، إذ قالت "إن إعادة فتح قطاعات واسعة من الاقتصاد تدعم انتعاشاً قوياً في قطاع الخدمات، لكن متحورة "دلتا" من فيروس كورونا يمكن أن تضعف هذا التعافي في الخدمات، خاصة في مجالات السفر والترفيه".
ولا يقتصر احتمال تباطؤ النمو السريع والقوي على الاقتصاد الأميركي والأوروبي، بل إن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يشهد أيضاً تراجعاً في قوة النمو الاقتصادي. ففي تقرير لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" عن ناتج التصنيع في الصين، صدر الجمعة، يبدو التباطؤ واضحاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وتستخدم "ستاندرد أند بورز" إنتاج الصناعات التي يدخل فيها الحديد كمؤشر على الناتج الصناعي. وكانت قراءة المؤشر لشهر يونيو الماضي عند 106 نقاط، أي أقل نقطتين عن قراءة مايو (أيار) للشهر الثالث على التوالي من التراجع. وعلى الرغم من أن "ستاندرد أند بورز" أرجعت ذلك إلى تباطؤ الطلب المحلي الصيني على المنتجات المصنعة، فإن اعتماد ثاني أكبر اقتصاد في العالم على التصنيع يعني أن الناتج المحلي الإجمالي ككل تباطأ نموه.
الاقتصادات الصاعدة
لا يعني ذلك أن النمو الاقتصادي العالمي ككل مرشح للتراجع، بل على الأرجح كما تجمع أغلب التوقعات أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي العالمي نمواً في حدود 6 في المئة هذا العام. ويرجع ذلك إلى التباين الشديد في أداء الاقتصادات المتقدمة والأخرى الصاعدة حول العالم.
ويرى تقرير لبنك "جيه بي مورغان" الاستثماري، أن الاقتصادين الرئيسين (الأميركي والصيني) سيشهدان تباطؤاً في النمو خلال الربع الثالث من العام، لكن اقتصاد دول منطقة اليورو سينمو بوتيرة أسرع في الربع الثالث. كما أن اقتصادات صاعدة مثل الهند وأستراليا ستدخل في فورة نمو قوي مع بداية التعافي من إغلاقاتها الحالية للوقاية من انتشار وباء كورونا.
ومن شأن ذلك، مع إضافة اقتصادات صاعدة أخرى قد تشهد نمواً أسرع وأقوى، يمكن أن يكون متوسط النمو الاقتصادي العالمي لعام في حدود التوقعات السابقة، لكن المشكلة أن المستثمرين والأسواق - حيث يلعب العامل النفسي دوراً مهماً في تقدير النشاط - في حالة تردد كتلك التي انتابتهم مع ارتفاع معدلات التضخم في الأشهر الأخيرة. ومن الصعب، كما يرى عدد من الاقتصاديين، إقناع السوق والمتعاملين فيها بالعودة للنشاط القوي الذي شكل زخم دفع التعافي مطلع هذا العام.