Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دروس من حرب العقدين الأفغانية: التحالفات المتغيرة ستصعب حتى على "طالبان" الإمساك بالسلطة

كل ما جرى في العقدين الماضيين كان يمكن التنبؤ به في 2001

 جندي أميركي يسير على طريق قيد الإنشاء بالقرب من قاعدة باغرام في 2010 (غيتي)  

كنت أعمل مراسلاً للأخبار في موسكو عندما ارتطمت طائرات تنظيم "القاعدة" ببرجي مركز التجارة العالمي ومقر البنتاغون في 2001. وبدا واضحاً وبسرعة أن الولايات المتحدة الأميركية سترد على الاعتداء عبر الإطاحة بنظام "طالبان"، الجماعة التي استضافت أسامة بن لادن وسمحت لـ"القاعدة" ببناء مقرها العام في أفغانستان.

انتقلت جواً إلى العاصمة الطاجيكية دوشنبيه، على أمل عبور نهر أمو داريا والوصول إلى مناطق شمال شرقي أفغانستان، التي كانت تحت سيطرة قوات التحالف الشمالي المعارضة لـ"طالبان". السلطات الطاجيكية رفضت منحي إذناً بالعبور، فبدأت أعد العدة وبشكل رومانسي للتسلل عبر النهر سراً، والسفر عبر سلسلة جبال "هندوكوش" Hindu Kush وصولاً إلى وادي بانشير [بنجشير] Panjshir شمال العاصمة كابول.

من حسن حظي، حصل التحالف الشمالي في أفغانستان على إذن يتيح لها استخدام إحدى المروحيات المتقادمة الروسية الصنع التي تملكها لنقل عدد من الصحافيين إلى وادي بانشير، وكنت من بينهم حيث قضيت عشرة أسابيع هناك.

وادي بانشير هو واحد من أعظم القلاع الطبيعية في العالم، إذ تحيط به جبال وعرة تصعب السيطرة عليها على جانبي سهول الوادي الخضراء المورقة. ويقع الوادي على بعد 90 ميلاً (أو 150 كيلومتراً) شمال كابول، ويعتبر موقعاً استراتيجياً مميزاً لمن يحكم قبضته عليه فهو يشير مثل سهم إلى العاصمة [يكشفها] (ومدخلها الشمالي). ونتيجة لذلك كان الوادي مسرحاً لمعارك متكررة منذ اجتاحت القوات السوفياتية أفغانستان دعماً لحكومتها الشيوعية عام 1979.

لم يتكلف أحد عناء إزالة مخلفات الحرب التي تركتها المعارك مع السوفيات أو من جاء بعدهم في السنوات اللاحقة. وكانت النتيجة أن الوادي والمناطق المحيطة به بدت كمتحف مفتوح يشهد على الأحداث الكبرى في التاريخ الأفغاني الحديث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لدى وصولي بالطائرة، شاهدت هياكل الدبابات السوفياتية الموزعة على أرض الوادي بعد أن كانت ضحية الهجمات السوفياتية الفاشلة للسيطرة على الوادي في الثمانينيات (من القرن الماضي). في بعض الأماكن استخدمت بقايا الهياكل الحديدية للدبابات لردم بعض حفر الطرقات العميقة التي كانت أشبه بقيادة عربة في أحد مجاري الأنهار. لقد رأيت مركبة مدرعة وقد أزيل برج مدفعها لتتحول سيارة تاكسي لقدرتها على السير على هذه التضاريس الوعرة.  

في ما خص ظروف المعيشة اليومية، لاحظت في حينه أن الأفغان عادوا إلى العصور الوسطى. لم يكن هناك من تغذية كهربائية ما عدا ما يتوفر من مولدات صغيرة، هذا وحلت جسور خشبية متهالكة أحياناً مكان الجسور المدمرة.

عند مدخل وادي بانشير (لجهة كابول) كان للتحالف الشمالي مقر عام في قرية جبل السراج حاولت حركة "طالبان" من دون نتيجة السيطرة عليها خلال معاركهم مع أمراء الحرب. هؤلاء كانوا زعماء سابقين للمقاومة الأفغانية في وجه الشيوعيين، ولم يكونوا ليختلفوا إلا قليلاً عن قطاع الطرق.

 

كانت حركة "طالبان" على وشك السيطرة على جبل السراج قبل دحرها. ويقام عند مدخل القرية نصب استثنائي يذكر بهزيمتهم هو عبارة عن معبر بمثابة جسر أقيم فوق واد عميق بعد رص عشرات الآليات المصفحة المدمرة للحركة فوق بعضها بعضاً.

كان خط المواجهة مع "طالبان" يمر عبر قاعدة بغرام الجوية التي أصبحت بعد ذلك بقليل مقراً عاماً للقوات الأميركية ومركزاً لوجيستياً لها وأُخليت الأسبوع الماضي فقط. عندما زرت المنطقة كانت هدنة أمر واقع تسود المنطقة كما سادت في بقية المناطق الأفغانية. وكان المقاتلون يزرعون زهور إبرة الراعي geraniums قرب خنادقهم كإشارة إلى أن الأمور كانت مستتبة، وهي أيضاً تحية للأفغان الذين يحبون الورود.

لم تكن هناك نية لدى قادة التحالف الشمالي القتال إذا لم تمهد القوة النارية الأميركية الأرض أمامهم. وهذا جزء من سمات الحروب الأفغانية والتزامهم التقليدي بها، الأمر الذي حير الأجانب. فالحروب العنيفة هناك لطالما تلتها فترات طويلة من الهدوء. أما حالات التقدم  العسكري السريع أو الانسحاب فكانا دوماً نتيجة تغيير الفرقاء لولاءاتهم بدلاً من كون ذلك ثمرة نجاح العمل العسكري أو نتيجة التوصل إلى تسوية.

وهناك مثل ساخر أفغاني يجسد هذا الواقع ويقول إن "الأفغان لم يخسروا أبداً أي حروب لأنهم دائماً يغيرون ولاءاتهم [وعادة لصالح من يتوقعون أنه سيكون الرابح] قبل انتهاء الحرب. هذا التغيير غير المتوقع بالولاءات قد تكون له تبعات دموية.

يقع إلى الشمال من وادي بانشير نفق سالانغSalang Tunnel، وكان في ذلك الزمن الطريق الوحيد الذي يسمح بعبور جبال هندوكوش في كافة الظروف المناخية لربط شمال البلاد بجنوبها. في نهاية التسعينيات، قام أحد أمراء الحرب المكلفين بحماية النفق بالإدعاء بانضمامه إلى حركة "طالبان"، وفور محاولة الآلاف من مقاتلي الحركة عبوره، قام بتفجيره مما أدى إلى مقتل قوات "طالبان" العالقة بداخله.

كان القصف الجوي الأميركي الذي انطلق في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 مثيراً للإعجاب. تابعت أعمدة النار ترتفع في الأفق مع تتالي انفجار القنابل والصواريخ على خطوط حركة "طالبان" الأمامية، وكان يتخلل ذلك طلقات قليلة غير مؤثرة من مدفعية مضادة للطائرات تطلق من محيط كابول. بعد أسابيع، استولت قوات التحالف الشمالي المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على كابول من دون أي مقاومة تذكر.  

الانطباع الذي ساد في تلك الفترة كان أن انهيار "طالبان" مرده إلى القوة الأميركية الساحقة، وضعف المقاومة الأفغانية، لكن ذلك كان مضللاً جداً. الأكيد أن حركة "طالبان" خسرت تلك الحرب، لكنهم بالكاد قاتلوا، فقد عاد معظم مقاتليهم إلى قراهم، فيما عبر آخرون الحدود إلى باكستان التي استمرت بمنحهم دعمها الكامل وإن بشكل خفي.

تعقبت حركة "طالبان" جنوباً من كابول وصولاً إلى قندهار، وفي إحدى المرات دخلنا عن طريق الخطأ إلى خطوطهم الأمامية المتداعية. في قندهار، طلب مني أحد الأفغان أن أوظفه دليلاً (يساعدني في عملي)، وبغية التخلص من إصراره قلت له، إنني أود مقابلة زعيم طالبان المحلي وإنني أود مقابلة مزارعي الأفيون في المنطقة. واعتقدت أن ذلك سيتطلب عدة أيام من الترتيبات، لكن الدليل أجابني بإمكانية زيارة قريته على الفور.

التقينا مزارعي الأفيون أولاً، وقالوا لنا إنهم أزالوا نبتات الخضار التي كانت "طالبان" تصر على زراعتها بدلاً من الأفيون. وقالوا لي إن زراعة الأفيون وحدها مجدية مادياً لهم وتسمح لهم بتأمين سبل العيش.

بعد ذلك بقليل وصل إلى مبنى هو بمثابة دار البلدية في المنطقة، قادة محليون من طالبان كان بعضهم يشغل مناصب قادة ميدان متوسطي الرتب ولكنها مهمة في كابول، مثل قائد شرطة مقاطعة في الحركة. وتحدثوا بشكل لم تكن معالم الهزيمة بادية عليهم ليقولوا بوضوح إنه إذا لم يلقوا المعاملة الصحيحة من النظام الجديد في أفغانستان، فإنهم سيعودون للقتال.

الكثير مما لم يسر على ما يرام في العقدين الماضيين في أفغانستان كان يمكن توقعه عامي 2001 و2002. فالنظام المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية أعاد أمراء الحرب إلى السلطة، وهؤلاء تصرفوا كعصابات ابتزاز انشغلت في جمع الأموال من الأميركيين. أما بالنسبة للأميركيين أنفسهم فلم يكونوا على قدر كبير من الغيرية [معطائين]، فمعظم مساعداتهم (التي قدموها) لم تغادر الولايات المتحدة أبداً، أو أنها عادت مباشرة إلى أميركا بشكل أتعاب خيالية دفعت للمستشارين والفرق الأمنية.

شهد القطاع الصحي والتعليمي تحسناً، لكن فقر المناطق النائية بقي مدقعاً، كما بقيت شرعية الحكومة الأفغانية منقوصة بسبب اعتمادها على الأجانب. الدعم الباكستاني لطالبان لم يتراجع أبداً. بعد عشر سنوات وتحديداً في 2011، صعقت خلال حديثي مع الناس في كابول عن مدى اشمئزازهم من الحكومة، حتى عندما كان هؤلاء يعبرون عن كرههم لـ"طالبان" وكل أفعالهم.

أفغانستان كانت وما زالت خليطاً عرقياً، ولغوياً وثقافياً وقبلياً. كان ذلك دوماً السبب الذي جعل من احتلال البلد بشكل دائم  أمراً صعباً.

يتحدث الدبلوماسيون هذه الأيام بصراحة عن تنصيب حركة "طالبان" لحكومتها من جديد في كابول، ولكنني أعتقد أن الأمر لن يكون بتلك السهولة. فللأسباب ذاتها التي أدت إلى فشل الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة بعد 2001، سيجد أي نظام تقيمه طالبان نفس الصعوبة في إرساء الاستقرار لعهده.  

© The Independent

المزيد من آراء