Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنقيب الكويكبات...السباق الفضائي المقبل أم مجرد خيال علمي؟

هل في المستطاع استخراج المعادن من باطن الكويكبات؟ نعم، لكنه يتطلب وجود مستثمرين يتحلون بالشجاعة لتنفيذ ذلك، يكتب ستيفن كاتس

قد يحتوي كويكب بحجم كرة القدم على كمية من معدن البلاتين أو البلاتينوم بقيمة 50 مليار دولار، لكن كيف يمكن نقل هذه الحمولة إلى سطح الأرض؟ (غيتي)

تبدو محدودية الموارد الطبيعية أحد الموضوعات الأكثر شيوعاً في الخطاب السياسي الحديث. على كوكب الأرض، جميع الموارد ضئيلة، وقد بُذلت جهود جمة في سبيل الدعوة إلى إدارتها بمزيد من الحرص والحكمة، لكن في الكون بأسره، ليس الحال على هذه الشاكلة إطلاقاً. توفر مجموعتنا الشمسية فيضاً من موارد طبيعية يمكنها أن تدعم البشرية على مدى ملايين السنين المقبلة. لا تكمن المشكلة تالياً في عدم وجود تلك المخزونات، إنما في عجزنا عن الوصول إليها.

يتمثل أحد تلك الموارد في عشرات الآلاف من قطع الصخور التي تدور حول الشمس، وتسمى عادةً كويكبات سيارة. مع اختفاء الموارد الصعبة المنال على الأرض، يتعين أن تكون المواد الخام في حزام الكويكبات في أعلى قائمة المصادر الأخرى للتنقيب عنها. يتمركز كثير منها على بعد مئات الملايين من الأميال، ويدور حول الشمس في مسار مختلف جذرياً عن مسار الأرض. على الرغم من ذلك، ينظر علماء كثر (وبعض رواد الأعمال) جدياً في خوض رحلة إلى الكويكبات، ليس لأغراض البحث في علم الفلك، إنما مدفوعين بهدف وحيد، ألا وهو استغلال الموارد الموجودة فيها.

في الولايات المتحدة الأميركية، تزعم شركات تحمل أسماء مثل "بلانتاري ريسورسيس" Planetary Resources و"ديب سبايس إنداستريز "Deep Space Industries أنها قد أنشئت بقصد تعدين أحد الكويكبات.

يمكن أن يحتوي كويكب بحجم كرة القدم على كمية من معدن البلاتين أو البلاتينوم platinum بقيمة 50 مليار دولار، أما كيف ستنقل هذه الحمولة إلى سطح الأرض فمسألة أخرى. عادة ما تحدد القوى التي تحرك السوق سعر أي مورد مادي. إذا ما راح أرباب صناعة الفضاء يطلون علينا وقد جلبوا إلى الأرض شحنة كهذه على نحو منتظم، سينخفض سعر البلاتين بشدة، لدرجة أن المشروع قد لا يعود يسد تكاليفه أبداً.

كل واحد من الكويكبات على درجة كبيرة من الضخامة، وثمة الكثير منها إلى حد أننا، بالمعنى الحقيقي جداً، لن ننفد منها أبداً. بموجب القانون الدولي، لا يسع أحد أن يدعي أنه يملك كويكباً بعينه، على الرغم من أنه ليس ثمة ما يمنع شركة خاصة من العثور على كويكب ما والاستفادة منه بغرض تنقيب ما يحويه من معادن، ولكن لما كانت العملية تنطوي على عقبات خيالية، إلى أي مدى علينا أن نأخذ فعلاً هذه الفكرة على محمل الجد؟

إذا كنت تفكر في تخصيص مدخرات حياتك لمثل تلك الشركة الناشئة، حاول أن تقرأ التعليق الآتي من "غولدمان ساكس". سبق أن قدمت المجموعة المصرفية الشهيرة هذه نصيحتها للمستثمرين المحتملين قائلة: "الحاجز النفسي الذي يحول دون تعدين الكويكبات مرتفع، والحواجز المالية والتكنولوجية الفعلية أدنى منه بأشواط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

للوهلة الأولى، يبدو أنه لا بد من الأخذ بنصيحة شركة أميركية يهودية مثل "غولدمان ساكس"، ولكن عندما تنظر إلى المشروع بمزيد من التفصيل، من السهل أن ترفضه برمته باعتباره مجرد كلام. في الوقت الحاضر، حتى إذا كان كويكب قريب من الأرض مصنوعاً من الماس صلب، فلن تحقق العودة بمحتوياته إلى الأرض مردوداً متناسباً مع تكلفة العملية.

ولكن طبعاً، ينكب البعض على بذل الجهود بغية تغيير هذا الواقع.

خلال العقدين الأخيرين، تعززت معرفتنا عن الكويكبات بصورة كبيرة بفضل نجاح حققته مسابر روبوتية عدة. في عام 2020، جمع المسبار الفضائي "أوسايرس-ركس" OSIRIS-REx التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عينات من الصخور على سطح كويكب "بينو" Bennu. ويتابع الآن رحلته عائداً إلى الأرض. خاضت بعثة مماثلة أرسلتها "وكالة الفضاء اليابانية" ("جاكسا" JAXA) المهمة ذاتها بالضبط، إنما على كويكب آخر - وبافتراض أن المسبارين وصلا إلى الأرض - ستكون في متناولنا قريباً بيانات مختبرية حول الجرمين الفضائيين كليهما.

ولكن لم نكتفِ بذلك؟ إذا اتضح أن كويكباً ما محمل بكثير من المعادن المفيدة، فإنه كذلك ينطوي قطعاً على فرصة التنقيب عن الموارد فيه؟

في هذه المرحلة، حري بنا أن نتذكر أن التنقيب في الكويكبات ربما لا يكون ضرورياً. بالتأكيد من الشائع أن نتحدث عن نفاد المعادن على كوكبنا، ولكن الأرض لن تنضب منها بالضرورة. عندما نشير إلى اختفاء تلك الموارد هنا (على كوكب الأرض)، نعني بكلامنا الخامات التي يسهل الوصول إليها ومعالجتها. من المهم أن نتذكر أن التركيب الأولى لكتلة من الغرانيت أكثر من مذهل، والسبب الوحيد الذي يثنينا عن التنقيب في صخور الغرانيت من أجل الحصول على محتواها المعدني يكمن في أن تلك المعادن موجودة في حالة كيماوية مربكة جداً. إذا حفرت عمودياً إلى أسفل، فلن تجد سوى مزيداً من الصخور. بواسطة آلالات الأبدية الحركة infinite energy، نستخرج أي شيء نريده من المواد الأرضية، ولو أن إنشاء تلك المحركات يبدو الآن أكثر صعوبة من العثور على صخرة عابرة في الفضاء السحيق.

تتوفر طريقتان لاستغلال الكويكبات. في مقدورنا تعدينها في مكانها (على بعد نحو 200 مليون ميل (321869 كيلومتراً) في حالة الكويكب "بونو")، أو نقلها عمداً إلى مكان أكثر ملاءمة والتنقيب فيها هناك. حتى وقت قريب جداً، كانت "ناسا" تبحث بجدية في نقل كويكب صغير إلى مدار حول القمر ومحاولة تفحصه، وحتى تعدينه في الموقع عينه. أطلق أوباما، الرئيس الأميركي السابق، ما يسمى "بعثة إعادة توجيه كويكب"Asteroid Redirect Mission، لكن خلفه دونالد ترمب ألغاها لاحقاً، محاولاً أن يقود "ناسا" نحو عودة مأهولة إلى سطح القمر. لو أن النجاح كتب لذلك المشروع، لربما كان الحاجز النفسي الذي يعوق تعدين الكويكبات تراجع درجات عدة.

تتمركز غالبية الكويكبات بين مداري الكوكبين المريخ Mars والمشتري Jupiter، وسيكون الوصول إليها غاية في الصعوبة. أكبرها، "سيريس" Ceres، أشبه بنسخة مصغرة من قمرنا، وقد زاره أخيراً مسبار أميركي ناجح جداً لسبر أغواره ورسم خرائطه. ومع ذلك، يشار إلى عدد معقول من الكويكبات باسم "الكويكبات القريبة من الأرض"، ومن هذا المنطلق، يسهل جلبها إلى الموقع المطلوب نسبياً. وفي حال كنا جادين في التنقيب عن المعادن في الفضاء، فربما نبدأ بها.

إحدى المسائل الأساسية التي يتعين علينا مراعاتها في رحلة فضائية هي المفهوم الفيزيائي "سرعة الإفلات" أو الهروب escape velocity (أقل سرعة مطلوبة لجسم ما كي يتحرر من جاذبية جسم آخر). الأرض كوكب ضخم نسبياً، وتبلغ سرعة الإفلات الخاصة به نحو سبعة أميال في الثانية (نحو 11270 متراً في الثانية). إذا كان على رائد الفضاء أن يقف على سطح أحد الكويكبات الصغيرة، فمن الوارد أن يتمكن من تحقيق السرعة المدارية (وربما حتى سرعة الإفلات) بمجرد القفز من وضعية الوقوف. يبدو الأمر ممتعاً، لكن مجالات الجاذبية الصغيرة هذه تشكل صعوبات كبيرة من ناحية الاستغلال التجاري.

ليس في مقدور مركبة فضائية أن تهبط على كويكب على الإطلاق، ذلك أنه من الوارد أن يرتد بمجرد أن تلامسه. وعلى نحو مشابه، أي رائد فضاء أو عامل رويبوتي يحاول أن يصنع حفرة في كويكب ما، سيدفع بنفسه ببساطة بعيداً عن مقلعه بمجرد أن يضع مثقابه في المكان المطلوب. في الحقيقة، ستلقى مركبته الفضائية برمتها المصير نفسه على الأرجح. أشار بعض العلماء إلى استخدام حبل ينتهي بعقدة (وهق) يلتف حول الجسم الصخري كله، فيما تربط المركبة الفضائية نفسها بالكويكب قبل الشروع بأي أعمال تنقيب فعليه. كذلك يقترح آخرون غرس نوع حديث من رمح الصيد في الصخرة للإمساك بالغنيمة.

تتفوق الأرض بجاذبيتها على أي كوكب آخر شبيه بها. إذا كنت ترغب في تشييد أجهزة ضخمة في الفضاء الخارجي، من غير المنطقي أن تصنعها هنا على الأرض ثم تهدر مواردك في ترك تلك الآت تتفجر في المدار. في نظر علماء كثر، يبدو منطقياً أكثر إرسال آلات معالجة الخامات إلى الكويكب المراد تنقيبه، ثم العمل على تصنيع المواد الخام في حالة من انعدام الجاذبية. يقتضي هذا النوع من الخطط إنشاء صناعة واسعة النطاق في الفضاء الخارجي.

لا يعتريني أي شك في أنه ربما يتسنى بناء مثل تلك الصناعة في الفضاء الخارجي، ولكن حري بنا أن نتذكر أنها ستستغرق سنوات عدة. وقد تابع كثيرون حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية المناورات الفضائية الأخيرة لشركة "سبايس إكس". يبدو جزءاً من المتعة والترفيه مشاهدة صواريخها تنفجر عند الهبوط. نعم، واضح أن أداء القيمين على الشركة الأميركية يتحسن، وأنهم يتعلمون من أخطائهم، ولكن لا نعرف بعد كم من الوقت سيمر قبل أن تصير أي تقنيات واقعية تستخدم في تعدين الفضاء أهلاً للتعويل عليها وفاعلة على حد سواء. كيف يمكننا صهر المعادن في الفضاء الخارجي، وفي غياب الجاذبية، كيف يمكننا ضبطها أو حثها على الانفصال إلى خواص مكوناتها؟ نعم، لقد شهدت مختبرات العلماء تجارب عدة في هذا الشأن، وبالتأكيد، تتوفر نماذج حاسوبية افتراضية مقنعة، ولكن كما يوضح غالباً إيلون ماسك، رجل المال والأعمال ومؤسس شركة "سبايس إكس" ورئيسها التنفيذي، تطوير الأجهزة الحقيقية يحتاج إلى وقت.

إذا أردت أن تأتي بالمواد الخام إلى الأرض، أو على الأقل تنقلها إلى نوع من المواقع، حيث يكون استخدامها ممكناً بالفعل، عليك ألا تكتفي بتفحص المحتوى المعدني، بل أن تتعداه إلى المسار أيضاً. أما كيف تنجح حقاً في تحريف مسار كويكب كي يصير أقرب إلى كوكبنا فهذه مسألة أخرى. أي مؤسسات تنظيمية ستشرف على إدارة هكذا مشروع، خصوصاً إذا تعاظمت أعماله؟ كذلك ثمة قدر من اللبس في شأن الفائدة التي يكتسيها المشروع مقارنة بالعثور على المواد الخام على القمر. وتذكيراً، أجرى مؤيدون أوائل لاستعمار الفضاء، من أمثال الفيزيائي وعالم الفلك الراحل جيرارد أونيل، مناقشات صريحة حول التنقيب في الكويكبات بغية تشييد مستعمرات فضائية من شأنها أن تتيح لأعداد هائلة من الناس العيش في الفضاء الخارجي.

معلوم أن بعض الكويكبات يحتوي ربما على جليد مائي. نوع آخر من المعادن. إذا كنا نطمح إلى مستقبل، حيث تكون الأنشطة واسعة النطاق في الفضاء الخارجي القاعدة، وليست الاستثناء، فربما يكون تعدين الكويكبات من أجل الماء أقل تكلفة مقارنة باستخراج معادنها. سيتطلب السفر عبر الفضاء السحيق آلاف الأطنان من الوقود الدافع، وكما صار معروفاً يمكن تصنيع معظم أنواع وقود الصواريخ من الماء بسهولة تامة. هكذا، عندما لا يعود الصاروخ بحاجة إلى الرجوع إلى الأرض للتزود بالوقود من جديد، يمكن بسهولة أن تدخل اقتصادات السفر إلى القمر والمريخ مرحلة انتقالية.

في الوقت الحالي، تشكل المصداقية المسألة الوحيدة الكبرى بالنسبة إلى شركات تعدين الكويكبات. ببساطة، ما مدى جدية هؤلاء الناس؟ لا ننسى أن "ناسا" قد أمضت السنوات الخمس عشرة الماضية تكافح من أجل إرسال أربعة رواد فضاء في بعثة جديدة إلى سطح القمر. من ثم، ما مدى واقعية نقل ملايين الأطنان من المواد بين عالمين، وتحقيق ذلك فيما الأشخاص الذين يرسمون الخطط الآن ما زالوا على قيد الحياة؟ لا ريب أن حزام الكويكبات يكتنز موارد كبيرة من المواد الخام، ولكن كيف سننقلها إلى مكان حيث نستطيع استغلالها بشكل معقول، وكيف يمكننا معالجتها عملياً في هذا الموقع؟

كثير من المحادثات الواقعية يصب تركيزه على تكنولوجيا "كيوب سات" CubeSat. إنها مركبات فضائية بحجم علبة الأحذية، تكلفة إطلاقها معقولة ويمكن استخدامها في التحقق من "الكويكبات القريبة من الأرض" بغية إجراء عمليات تقييم لنوع المواد الخام الموجودة هناك. عملية على هذا المستوى تستقطب، على الأرجح، المستثمرين الحاليين.

كانت "بعثة إعادة توجيه كويكب" ستستخدم تقنيات الدفع الكهربائي بالطاقة الشمسية، على الرغم من أنه نظراً إلى أن التكنولوجيا المعنية ما زالت في مراحل تطويرها الأولى نسبياً، فإن الكويكب المستهدف سيكون صغيراً. فكر بعض الباحثين في تحويل جزء من كويكب ما إلى حبيبات، ورميها في الفضاء بسرعات خيالية بواسطة منجنيق كهرومغناطيسي. في الواقع، تصبح الصخور الخام غير المعالجة شكلاً بديلاً لوقود الصواريخ، وفي حين أن جلب كويكب إلى مدار حول الأرض أو القمر قد يستنفد أكثر من نصف كتلته، ستكون عملية نقله بطيئة، إنما بخطى أكيدة. يود باحثون آخرون معالجة المعادن الخام في مكانها، ثم نقل المعادن المعالجة إلى موقع أكثر نفعاً ما إن تصبح جاهزة.

ولكن كي يصير أي من ذلك ممكناً، ما زلنا نواجه العقبات الأساسية نفسها التي طالما لاحقت رحلات الفضاء طوال الستين سنة الماضية، إلى أدى إلى خفض تكاليف الإطلاق إلى مستوى، حيث المستثمرون العنيدون، الذين لا تربطهم أي عاطفة حقيقية بفكرة السفر إلى الفضاء، مستعدون للمخاطرة بأموالهم في مغامرة جريئة كي يحصدوا الصخور في الفضاء.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم