Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

امرأة يهودية خدعت اللبنانيين والفلسطينيين في بيروت وساعدت في عملية "ربيع الشباب"

إسرائيل تكشف تفاصيل جديدة عن العملية التي استهدفت ثلاثة قياديين في منظمة التحرير الفلسطينية

باراك أثناء إلقائه خطاباً في الكنيست الإسرائيلي في العام 1999 بعد فوز حزب العمال الذي يقوده بالانتخابات ضد حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو (مواقع التواصل)

تجدّد أخيراً في إسرائيل النقاش حول عملية "فردان"، المعروفة أيضاً باسم "ربيع الشباب"، التي اغتيل خلالها ثلاثة من قياديي منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، إذ وبعد حوالي 37 سنة، كشف مشاركون في إعدادها مزيداً من التفاصيل حولها. ورأى وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، أيهود باراك، الذي قاد حينها وحدة كوماندوس النخبة التي نفذّت العملية، متنكراً بزي امرأة، أن استخلاص العبر منها وتقييمها بـ"النجاح الباهر" كان خاطئاً، وهي واحدة من الأسباب التي أوقعت إسرائيل في حرب 73.
وعلى الرغم ممّا نُشر في السابق عن هذه العملية، إلا أن ما كُشف أخيراً تطرق إلى جوانب جديدة حول الاستعداد لها وكيف نجحت إسرائيل في تجميع معلومات استخبارية قبل تنفيذها.
استهدفت العملية ثلاثة من منظمة التحرير الفلسطينية، هم المتحدث باسم "حركة فتح"، كمال ناصر، وقائد العمليات في "فتح"، محمد النجار (أبو يوسف)، والمسؤول عن تفعيل خلايا في فلسطين، كمال عدوان. أما العنصر الأساسي في التحضير لها فهي جاسوسة إسرائيلية، تقمّصت شخصية معدّة أفلام وثائقية مهّدت لعملية الاغتيال، وأوقعت باللبنانيين والفلسطينيين الذين التقتهم وكانت تسكن بالقرب منهم، ونجحت في جمع معلومات عنهم، من دون أن يتمكّنوا من كشف أنها يهودية قادمة من اسرائيل.
 

قائمة اغتيالات
وتبيّن اليوم أن هذه العملية كانت مُدرجة من ضمن قائمة عمليات اغتيال في مختلف العواصم الأوروبية لقياديين فلسطينيين، وكان مُخطط تنفيذها من قبل الوحدة العسكرية التي عُرفت آنذاك باسم "وحدة قيسارية"، وشعبة العمليات في الموساد، كما شُكّلت وحدة خاصة للاغتيالات، قبل سنوات من هذه العملية، أُطلق عليها اسم "كيدون". لكن قبل البدء في تنفيذ الاغتيالات من قبل هذه الوحدة، تقرّر أنها غير قادرة على التوغّل في بيروت وتنفيذ الاغتيالات، وفق الخطة التي وضِعت ما أدى إلى إحداث تغييرات في التحضيرات للتنفيذ ونُقلت مهمة تنفيذها إلى سرية هيئة الأركان العامة، التي قادها باراك حينها. وبعد خلافات حول الجهة التي ستنفذ العملية، ما إذا كانت الموساد أو الجيش الإسرائيلي، حُسم القرار بضرورة أن يقود الجيش هذه العملية، بسبب ما يُتوقع من عقبات وصعوبات، بخاصة أنها ستجري في عمق بيروت.
العنصر الأول الذي كان يشكّل نقطة ضعف لإسرائيل في هذه العملية، هو عدم معرفتهم مكان الثلاثة المستهدفين بدقة، ففُعِّلَ العملاء، وتمكن أحدهم في أكتوبر (تشرين الأول) العام 1972 من تحديد منازلهم، وأرسل عبر طرق التواصل المتبعة مع الإسرائيليين، معلومات عن مكانهم.
وذكر رونين برغمان الصحافي المقرّب من أجهزة الاستخبارات، وهو الذي حصل على هذه المعلومات، أن العميل الإسرائيلي بعث برسالة مشفرة طلب خلالها عقد لقاء عاجل وزوّد الإسرائيليين بعناوين الثلاثة الذين استهدفتهم العملية، النجار وعدوان وناصر. العميل الذي نقل هذه المعلومات خدم مشغّليه بما يتجاوز مطلبهم للعملية فقدّم معلومات حول مواقع ومكاتب تابعة لقيادة منظمة التحرير وورش لصنع أسلحة.

جاسوسة يهودية في بيروت
وكما فعل الموساد الإسرائيلي في عملياته في الشرق الأوسط، والعالم العربي بشكل خاص، فعل في هذه العملية، فاستخدم جاسوسة لتمهيد الطريق لتنفيذ العملية. وسافرت تلك الجاسوسة التي حملت اسماً مشفراً هو "نيلسن" إلى لبنان بصفتها معدة أفلام وثائقية، وأعلنت أنها بصدد إعداد فيلم وثائقي لفائدة شركة إنتاج بريطانية.
وخلال وجودها في بيروت، تعرّفت على شخصيات لبنانية عدة واختارت بيتاً قريباً من الشخصيات المستهدفة، وتمكّنت من التنقّل بحرية مطلقة في المنطقة والتقطت كميات كبيرة من الصور، كانت ترسلها إلى الموساد، ومن بينها صور تركّز على المنطقة التي يسكنها المستهدَفون وصورٌ للحارس الشخصي للمستهدَف عدوان. وساعد ذلك "الموساد" على تحضير إلبوم صور كبير وصفه بـ"القيّم". ومما كُشف أيضاً من تفاصيل فإن مركز الشرطة اللبنانية، الأقرب إلى بيوت القياديين الفلسطينيين الثلاثة، كان ضمن مركز المتابعة من قبل الجاسوسة الإسرائيلية، إذ كان يبعد مئتي متر فقط عن مكان سكنها.
وإلى جانب ما قدّمته الجاسوسة الإسرائيلية من صور ومعلومات حول تحرّكات المستهدفين، أعدّت أيضاً عملية نقل عناصر الوحدة الإسرائيلية التي ستنفّذ العملية، عبر استئجار سيارات تابعة لثلاث شركات أميركية كانت تعمل في بيروت.
 

من فندق سندس كانت البداية
ويتبيّن مما كُشف عن العملية تبديل طريقة التنفيذ بما يتوافق ومعلومات وصلت إلى الموساد عبر الجاسوسة. بدايةً، كان التوجّه إلى اقتحام المبنيَين حيث يسكن المستهدفون وبعد التعرّف إليهم، يقتلون. لكن هذا المخطّط واجه معارضةً، واعتبره باراك خطيراً، واقترح خطة أخرى تضمن وجود الثلاثة في بيوتهم ومن ثم دخول بيروت بقوة لا تتعدى الـ15 جندياً والوصول إلى البيوت وقتل المستهدفين الثلاثة، على ألا يتجاوز وقت تنفيذ العملية دقائق قليلة، تضمن خروج القوة من المكان قبل كشفها.
وكانت المرحلة الأولى لتنفيذ العملية تقتضي وصول ستة عناصر من "وحدة قيسارية" عبر أوروبا وفي حوزتهم جوازات سفر مزوّرة، واتخاذهم من فندق سندس مكاناً للتوجه إلى تنفيذ العملية. وكانوا يتواصلون مع الجاسوسة الإسرائيلية التي وفّرت لهم سيارات الأجرة من الشركات الأميركية، وانتظرت ممثّلهم في فندق إنتركونتننتال.
وفي اليوم التالي لوصولهم التقى ممثل عنهم بالجاسوسة التي وفّرت كل المعلومات وأدقّها عن القياديين الفلسطينيين الثلاثة. عندما تقرّر الوقت الدقيق للتنفيذ، اجتمعت القوات الإسرائيلية ولواء المظليين بقيادة أمنون لفكين شاحك، في قاعدة سلاح البحرية في حيفا. وفي تمام الساعة الرابعة بعد الظهر أبحرت بوارج إسرائيلية على متنها الجنود، وعند السابعة مساءً التقى أحد أفراد "وحدة قيسارية" بالجاسوسة في أحد فنادق بيروت، حيث أبلغته بأن المستهدفين الثلاثة في بيوتهم، وأُبلغت القوّة المهاجِمة في البوارج بكلمة السرّ: "العصافير في العش".
أُنزِلَ خلال تنفيذ العملية، 19 زورقاً مطاطاً من ثماني بوارج، حملت أفراد القوة الإسرائيلية إلى أحد شواطئ بيروت، من بينهم 21 جندياً من "سرية هيئة الأركان العامة" و34 من الكوماندوس البحري و20 من سرية المظليين. تزامناً، كانت قوات برية وبحرية وجوية في حالة جاهزية لمواجهة أي طارئ أو خطر فشل العملية وتشويشها.
وكان أعضاء سرية هيئة الأركان، الذين شاركوا في العملية، تنكّروا بزِيٍ نسائيّ وتبرّجوا، وحتى لا يفسد الجهد تبرّجهم، حُمِلوا على الأيدي، ومن بينهم أيهود باراك. 

تردّد فقُت
نفّذت العملية عبر وضع عبوات ناسفة عند مداخل بيوت المستهدفين الثلاثة، أدت إحداها إلى مقتل امرأة كانت تسكن في محاذاة بيت نجار، الذي أُطلق النار عليه وعلى زوجته فقُتلا. أما ناصر فحاول المقاومة قبل أن يُطلَق النار عليه. أما عدوان، فحاول بحسب الإسرائيليين إطلاق النار من بندقية كلاشنيكوف، لكنه تردّد لأنه شاهد رجلاً وسيدة، إلا أنه لم يعلم أن السيدة هي ضابط إسرائيلي، وفور تردّده قتله الإسرائيليون.
وذكر التقرير الإسرائيلي أن سرية المظليين توجّهت بقيادة شاحك إلى حيٍ آخر في بيروت، وتوقفت عند مبنى تابع لـ"الجبهة الشعبية" مؤلفٍ من سبعة طوابق، ونظراً إلى عدم وجود معلومات استخبارية دقيقة فوجئ الإسرائيليون بوجود قوة حراسة أمام المبنى، التي تمكن أفرادها من قتل جنديين إسرائيليين وإصابة ثالث بجروح خطرة، عندها فخّخ المهاجمون محيط البناية بعشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجّرة وفجروها ما أدى الى إصابة ما لا يقل 40 شخصاً.
يُشار إلى أن الإسرائيليين وصفوا هذه العملية بـ"الجريئة"، لكنهم سرعان ما اعتبروا أنها تُعدّ فشلاً، وشكّلت خلاصاتُ العبرِ منها جانباً من جوانب تورّط إسرائيل في حرب أكتوبر 1973.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط