Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتراح تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية في العراق يطلق جدلا حول أبعاده الإنسانية

قدمت اللجنة القانونية ولجنة الأوقاف والشؤون الدينية في البرلمان مقترح التعديل مع تعليل الأسباب الموجبة له

سيجعل مشروع تعديل القانون المرأة الأرملة تتردد في تجربة الزواج الثاني مخافة فقدان حضانة أولادها (أ ف ب)

بُذلت من أجل إقرار قانون الأحوال الشخصية العراقي الحالي، الذي صدر في 19 ديسمبر (كانون الأول) 1959، والمعروف بالقانون رقم 188 لسنة 1959، جهود تحدت كل العقبات، كان أبرزها صوت ناشطة ما بُحّ من طول المطالبة بحقوق المرأة، هي نزيهة الدليمي (1924-2007)، الطبيبة والسياسية والناشطـة العراقية.
وتحركت الدليمي من موقعهـا وزيرة للبلديات في عهد الرئيس العراقي السابق، عبد الكريم قاسـم (1958-1963)، وقدمت اقتراح القانون إلى الرئيس، وشُكلت لجان في الأحياء السكنية في بغداد وباقي المدن، لدراسة مشكلات المرأة كي تؤخَذ في عين الاعتبار. وأشرف على إعداد القانون آنذاك تربويات وقانونيات وطبيبات وسيدات يملكن معرفة بالتقاليد الاجتماعية. ونُقلت الملاحظات إلى اللجنة المكلفة صياغة القانون ليرى النور في 19 ديسمبر 1959.
ويُعدّ هذا القانون أول خطوة تقدمية في تغيير وضع المرأة في العراق، إذ حقق المساواة والعدالة ووحّد العمل القضائي لكل المذاهب الإسلامية في قضايا الزواج والطلاق والميراث وحدد سن الزواج بالثامنـة عشـرة، وعليه فمنذ عام 1959 كان للعراق قانون موحد مستند إلى قراءة ليبرالية نسبياً للشريعة الإسلامية، إذ جمع بين كل التشريعات والأحكام المتصلة بالزواج وحضانة الطفل والميراث. وشهد قانون الأحوال الشخصية بعد عام 1959 تعديلات عدة، منها توسيع الشروط التي يمكن بموجبها للمرأة طلب الطلاق، كما حظر الزواج القسري واشترط موافقة القاضي بالنسبة إلى الرجل الذي يريد الزواج بامرأة ثانية، كما وضع القانون عقوبات على عقد الزواج الذي يتم خارج المحكمة ضماناً لحقوق الزوجـة.
جهود نزيهة الدليمي ومَن جاء بعدها في بناء قانون الأحوال الشخصية العراقي، غالباً ما يُهدد بالتعديل بين مدة وأخرى من قبل الأحزاب الإسلامية، بجحة تعديله وفق الشريعة الإسلامية، إلا أن التعديلات التي تُقترح تسعى في الغالب إلى إنهاء الروح المدنية التي يتحلى بها.

مقترح التعديل

ما إن تُلي مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، لقراءة أولى في جلسة البرلمان التي عُقدت في 1 يوليو (تموز) 2021، حتى بدأت الانتقادات تنهال عليه.
وقدمت اللجنة القانونية ولجنة الأوقاف والشؤون الدينية في البرلمان مقترح التعديل مع تعليل الأسباب الموجبة له "لأهمية أحكام الحضانة وتعلقها ببناء الأسرة وبقصد الحفاظ على الأطفال من الضياع والتشتت وتنظيم الروابط الأسرية وتحقيق التوازن بين حقوق الطفل وذويه، بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء على اختلاف مذاهبها دون التقيد بمذهب معين ولغرض تغطية كل الحالات التي تُعرض على القضاء".
لكن يُلاحَظ من خلال متابعة مشروع التعديل، أنه لا يتناسب والشريعة كون أن المذاهب الإسلامية على اختلافها تمنح الأم حق الحضانة على الأقل في السنوات الأولى من عمر الطفل، الأمر الذي خالفه مشروع التعديل بمنح الحضانة للأب في عمر السابعة في حال عدم زواج الأم مرة ثانية، أما عند زواج المرأة فستُمنح حضانة الطفل للأب حتى وإن كان حديث الولادة. ما يعني أن المرأة تخسر في كل الأحوال حضانة أطفالها، سواء تزوجت أم اختارت عدم الزواج. النص القانوني النافذ حالياً للقانون "رقم 188 لسنة 1959"، يجعل الأم هي الأَوْلى بالحضانة إلى حين إتمام الطفل العاشرة من عمره، وتُمدد لغاية الخامسة عشرة ثم يخيَّر الطفل بين أحد أبويه.
أما التعديل الجديد فيجعل الحضانة للأم حتى عمر السابعة بعدها تنتقل تلقائياً إلى الأب أو الجد (والد الأب)، هذا في حال عدم زواج الأم، أما إذا تزوجت الأم، فالحضانة تنتقل مباشرة إلى الأب حتى لو كان الطفل في الأشهر الأولى من عمره.

مخالف للشريعة الإسلامية

في السياق، تعجب القاضي رحيم العكيلي من اقتراح تعديل هذه المادة، فأوضح أن "كل المذاهب الإسلامية تجعل الأم هي الأحق بالحضانة إلى حين بلوغ الطفل، ويذهب المذهب المالكي أبعد من ذلك، بالنسبة إلى البنت التي تمتد حضانتها مع الأم إلى حين زواجها. أما المذهب الجعفري المطبَّق في إيران وعلى الشيعة في لبنان، فيجعل الحضانة مشتركة بين الأبوين إلى حين إتمام السنة الثانية، عندها تنتقل الحضانة إلى الأب، باستثناء البنت التي تكون حضانتها لغاية سن السابعة ثم تنتقل إلى الأب، وهذا ما يؤكد عدم اعتماد مقترح التعديل على أي مذهب من المذاهب الإسلامية".
وأوضح العكيلي أن "هذا التعديل سيحرم الأم المطلقة أو الأرملة من حضانة أبنائها حتى ولو كانوا في الأشهر الأولى من أعمارهم، في حال زواجها، وستخشى الأم الإقدام على زواج ثانٍ مخافة انتقال حضانة أطفالها إلى الأب. هي ستظل مجرد مربية لصالح طليقها إلى حين إكمال الأطفال عمر السابعة، فيأخذهم أبوهم أو جدهم، أي أن القانون يلقي على الأم أصعب أعمار الأطفال من ناحية الرعاية والاهتمام، وحال استغنائهم عن ذلك تنتقل الحضانة إلى الأب".
يُشار إلى أن انتقال حضانة الأطفال وفق مشروع قانون التعديل لا يشمل المرأة المطلقة فقط، بل يمتد إلى الأرملة، إذ ستنتقل حضانة الأولاد إلى الجد (والد الأب).

غياب مصلحة المحضون

ترى المحامية والباحثة الاجتماعية، علياء الحسني، أن "المادة 57 من القانون الحالي النافذ رقم 188 لسنة 1959، منحت حق حضانة الطفل بعد الطلاق إلى الأم، وفي حال وجود خلاف أو نزاع على الحضانة فالمحكمة هي مَن يقرر مَن الأرجح لحضانة الطفل، الأب أم الأم، آخذةً في عين الاعتبار الناحية المادية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية لكلا الوالدين، أي أيهما أصلح لتربية الأطفال، فالقاضي يمنح الحضانة لمَن هو أرجح، فالقانون النافذ حالياً يضع مصلحة المحضون في الاعتبار".
وفي السياق ذاته، يوضح المحامي محمد جمعة، أن "الحضانة تدوم عدماً أو وجوداً مع مصلحة المحضون، إذ يعتمد القانون النافذ على أيهما الأفضل لحضانة الطفل. ويكون ذلك عن طريق إجراء الكشف الذي تقوم به المحكمة على منزل الطرفين. كما تخاطب المحكمة مدرسة الأولاد لمعرفة مستواهم الدراسي والتزامهم الدوام من عدمه، بهدف معرفة مَن مِن الأبوين أحقّ بالحضانة". وأضاف جمعة "أما التعديل المقترح فيسلب الحضانة في سن السنوات السبع من دون النظر إلى مصلحة المحضون، كما أن الحضانة تُسلب من الأم بمجرد زواجها، وحتى الأرملة تُسحب منها الحضانة بالمطلق عند زواجها".

رأي علم النفس

من جهة أخرى، أوضحت جمعية الأطباء النفسانيين في بيان لها حول مشروع تعديل هذه المادة أن "عمر السنوات العشر هو العمر المثالي الذي يكتمل فيه النضج الفكري والمعرفي، إذ يكون اتجاه التفكير استنتاجياً، ويرافق ذلك نضوج في تكامل القدرة على تمييز الخطأ من الصواب، وعليه فإن مرحلة السنوات العشر هي الأنسب من الناحية النفسية والعقلية والاجتماعية لإسقاط الحضانة وليس كما ذهب إليه مشروع التعديل، في عمر سبع سنوات".

رأي المجمع الفقهي العراقي

كذلك أوضح المتحدث باسم "المجمع الفقهي العراقي"، الشيخ حسين السامرائي، أن "حضانة الطفل تكون للأم في عمر السنوات السبع، لأن الطفل بحاجة إلى الرعاية والحنان، والأم تتقدم على الكل لرعاية أبنائها". وأوضح السامرائي أن "هناك إجماعاً لدى الفقهاء بأن تكون الحضانة للأم لغرض وصول الطفل إلى سن التمييز التي يحددها الفقهاء ما بين عشر سنوات و14 سنة".

اتساع دائرة الطلاق

وأفاد المحامي محمد جمعة بأن "إقرار هذا القانون سيضاعف أعداد الطلاق باتجاهين، الاتجاه الأول هو أن كل مطلقة أو أرملة متزوجة مرة ثانية، ستطلب الطلاق حفاظاً على أطفالها مخافة انتقال الحضانة إلى الأب أو الجد. أما الاتجاه الثاني فهو أن الزوج الذي يملك حق الطلاق بكلمة واحدة، حين يطمئن إلى أن الحضانة ستكون له بالمطلق لن يتردد بالطلاق كونه مطمئناً إلى أنه صاحب الحضانة مهما كانت الظروف".
أما القاضي رحيم العكيلي فرأى أن "هذا التعديل سيجبر الأم على الصبر وتحمل أزواج ظالمين أو سيئين خوفاً من حرمانها من أطفالها وهو تفكير غير متحضر. أي أن التعديل سيسهّل الطلاق على الرجال ويصعّبه على النساء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أحكام المشاهدة

وأشار العكيلي إلى "مشكلة تتعلق بحرمان كثير من الآباء من التواصل مع أطفالهم، إذ إن بعض المطلقات يتعمدن حرمان أزواجهن السابقين من رؤية أطفالهم والتواصل معهم بشكل كافٍ، وعليه فإن حل هذه المشكلة يكون بتعديل أحكام المشاهدة فقط، دون المساس بأحكام الحضانة، من خلال تمكين الأب من اصطحاب أطفاله خلال أيام العطل ومنحهم مزيداً من الوقت خلال العطل الربيعية والصيفية".

الطفل كأداة للعقاب

من ناحية ثانية، اعتبر المحامي محمد جمعة أن "مشروع التعديل يؤدي إلى التفكك الأسري، فالمادة الخامسة منه تنص على أنه في حال منعت الأُمُّ الأب من مشاهدة الطفل مرتين ستنتقل الحضانة إلى الأب لمدة 30 يوماً، وبعد انتهاء هذه المدة تعود الحضانة إلى الأم". ولفت جمعة إلى أن هذه المادة تتعامل مع الأطفال "كوسيلة عقاب"، فقد ينتقل الطفل من محافظة إلى أخرى بسبب هذا التعديل، إذ يُحتمل أن تكون الأم لا تسكن المحافظة نفسها التي يستقر فيها الأب، ويترتب على ذلك انتقال الطفل إلى مدرسة أخرى، فاقتراح تعديل القانون لا يراعي البيئة النفسية للطفل. وتابع جمعة قائلاً إن "فلسفة القوانين تسند إلى وسائل معينة تنفيذَ العقوبات، وهي الغرامات المالية والحجز والعقوبات الإدارية، ومن الممكن تطبيق هذه الإجراءات في حال منعت الأم طليقها من رؤية أبنائه، لا أن يكون الإنسان وسيلةً للعقاب".

الفقرة الأخطر

ونصت المادة "1" الفقرة السابعة من التعديل المقترح، على أنه "في حال تضرر الطفل عند والده كأن تعرض للضرب أو أُجبر على العمل أو ترك الدراسة فإن الأم لا تملك حق إعادة الطفل إلى حضانتها إلا بعد سنة". ويرى مراقبون أن "هذه أخطر مادة في القانون فكأننا نقول للطفل اصبر لمدة سنة، من الممكن أن يتعرض خلالها للضرب الذي قد يصيبه بعاهة مستديمة".

وفي السياق ذاته، ذكرت الناشطة، سرى الجبوري، أن "المنظمات المعنية بالأطفال رصدت آلاف حالات تعنيف لأطفال بسبب زوجة الأب". وسألت الجبوري "كيف يمكن إبقاء الطفل في حال تعنيفه، في المكان نفسه وحرمانه من والدته؟". وأضافت أن تعديل القانون يجعل المرأة تعاني الأمرَّين، فهي ستعاني الانفصال وعليها أن تتحمل غياب أطفالها عنها".
وتعجبت الجبوري من إحدى فقرات التعديل التي تنص على أنه في حال وفاة الأب والجد (والد الأب) وزواج الأم الأرملة، فإن الطفل سيودَع في إحدى دور الدولة، وقالت "كيف تكون دور الدولة أكثر حناناً من الأم؟ وكيف يودَع الطفل في دور الرعاية مع وجود الأم على قيد الحياة؟".

التمييز على أساس الجنس

وفي حين أن مشروع تعديل القانون سيجعل المرأة الأرملة تتردد في تجربة الزواج الثاني مخافة فقدان حضانة أولادها، يرى كثيرون أنه يمثل تمييزاً على أساس الجنس، فالرجل يتزوج بامرأة ثانية وثالثة مع الاحتفاظ بالأبناء، في حين تخشى الأم ذلك.
وتركن الأحزاب الإسلامية إلى المادة 41 من الدستور العراقي، التي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم". فهذه المادة تستبدل بقوانين الأحوال المدنية التي تنطبق على العراقيين جميعاً، قوانين تلائم الطوائف الدينية والإثنيات، وتمنح رجال الدين صلاحية تحديد القوانين وفق معتقداتهم وتأويلاتهم، وتخلق انعزالاً مجتمعياً يعاكس المواطَنة الجامعة.

المزيد من تحقيقات ومطولات