Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وقعت واقعة بريكست... الآن على البريطانيين أن يقدموا على بعض التغييرات

يكتب كريس بلاكهرست قائلاً: يكفي أن يقول مؤيد لبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي "لقد حذرتكم"، لكن الوضع المتمثل بالنقص في العمالة الذي نواجهه ليس مسألة ينبغي أخذها بخفة

الوظائف كثيرة... ولكن البريطانيين يعزفون عنها (غيتي)

احذروا مما تتمنونه فالأمور قد تجري على ما لا تشتهون. فبعد تصويت البلاد لصالح بريكست، أصبحت الآن تعاني نقصاً شديداً في العمالة الأوروبية في مجالات قطاف المحاصيل، وقيادة الشاحنات، وملء الرفوف في المخازن، وتقديم المأكولات والمشروبات، وتنظيف الأرضيات، ومسح الطاولات.

والأشخاص أنفسهم الذين كانوا يريدوننا أن نغادر الاتحاد الأوروبي يتململون الآن من الخدمة البطيئة في الحانات والمطاعم – أو من غياب الخدمة تماماً – مع اضطرار بعض الأماكن إلى إغلاق أبوابها لأنها لا تستطيع الحصول على الموظفين. وتُترك الفواكه والخضراوات لتفسد في أجزاء من البلاد كانت من بين الأكثر تأييداً لبريكست. فقد وجدت فجأة أن هؤلاء الأوروبيين الذين اعتمدت عليهم إلى حد كبير لم يعودوا متاحين [متوفرين]. ويعود بعض ما يجري إلى "كوفيد"، لكن فور انحسار الجائحة، ستبقى فجوات كثيرة مفتوحة [شواغر كبيرة من دون يد عاملة].

وهذا يكفي لجعل مؤيد لبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي يضحك ويقول: "لقد حذرتكم"، لكن هذا الوضع ليس مُزحة. ولن يقودنا النظر إلى الخلف في ما كان ليحصل إلى أي مكان [نتيجة، لا منفعة منه]. فما جرى قد جرى، وغادرنا الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن المملكة المتحدة يجب أن تجد وسيلة لملء الشواغر أو ستكون التداعيات الاقتصادية وخيمة.

وهذا سيتطلب إعادة تنظيم سوق العمل بالكامل. لقد تعودنا لعقود من الزمن على العاملين الأجانب الذين يقومون بوظائف لا نريد نحن البريطانيين أن نقوم بها بأنفسنا، إما لأنها وظائف عرضية أو لأننا اعتبرناها متواضعة أكثر مما ينبغي. وكنا نتعجب كيف أمكننا أن نمضي يوماً كاملاً، أو حتى أسبوعاً، من دون التعامل مع أحد مواطنينا: كان المساعدون في المتجر، وفريق العمل في الحانة، والنادلون، والعاملون في غسيل السيارات، وعاملو النظافة، والسباكون، مثلاً، جميعاً من الأجانب، وكثيراً ما كانوا من أوروبا الشرقية. والآن،  علينا أن نبادر وننفذ العمل بأنفسنا.

ولكي يحدث ذلك، نحتاج كمجتمع إلى أن نولي قيمة أكبر لهذه الوظائف، وأن نعطيها هيكلاً رسمياً، وأن ندفع لأصحابها رواتب مناسبة، وأن نعاملهم معاملة حسنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليس من قبيل المصادفة أن تكون القطاعات المفتقرة إلى موظفين أكثر من غيرها هي تلك التي كانت رواتبها تساوي تقليدياً الحد الأدنى للأجور، وأقل منه في بعض الحالات، وتشكو بجنون [أشد شكوى] كلما رفع الحد الأدنى الوطني.

وسيقول أصحاب المطاعم، في شكل مبرر قليلاً، إنه لا ينبغي للمرء أن يحكم على الراتب الذي يتلقاه شخص ما بناءً على المبالغ المنشورة [المصرح عنها] – فبفضل البقشيش، بوسعه أن يكسب أكثر. نعم، لكن المشكلة مع الإكراميات هي أنها كذلك فقط، هي غير متوقعة. ومن الممكن أن تتقلب خلال الأسبوع [وألا تستقر على حال] وخلال فترات مختلفة من العام، وأن تتحدد وفق عوامل خارجة عن سيطرة الموظف. والتيقن الوحيد الذي قد يتوفر للنادل هو ذلك البدل الأساسي للساعة، الذي قد يكون أقل من اللازم.

ولا يقتصر الأمر على الأجر القليل. فهذه قطاعات تشتهر بالمطالب الشاقة المفروضة على عامليها. وكثيراً ما يسير الاثنان جنباً إلى جنب: الأجور المنخفضة وساعات العمل الشاقة، الأمر الذي يشير إلى مدى ضآلة تقدير المالكين والرؤساء لموظفيهم. وصحيح أيضاً أن هؤلاء لا يملكون في كثير من الأحيان مساراً مهنياً [يترقون في سلم مراتبه]، وأن أي شخص يصبح نادلاً أو عامل نظافة لا يستطيع أن يرى السبيل إلى التقدم في سلم العمل.

وقد يقول البعض، أي أصحاب العمل الأكثر استنارة، وهذا في محله، إنهم يحترمون موظفيهم جميعاً، وإنهم يقدرون إلى حد كبير كلاً منهم ووظائفهم، لكن من المؤسف أن هذه المواقف لا تشمل القطاع بالكامل. وقبل أن يبدأ الرؤساء في فصل العاملين واتهامهم، ومناشدة الحكومة المساعدة، عليهم أن ينظروا بجدية إلى أنفسهم وإلى ما يطلبونه من أولئك الذين يعملون لديهم. ربما كان لزاماً عليهم أن يدفعوا أجوراً أعلى، وفي هذه الحالة ستكون أرباحهم أقل. أو ربما يشعرون بأنهم قادرون على إلقاء عبء التكاليف على كاهل المستهلك ويتعين علينا أن نتقبل الأسعار المتزايدة. ومن المرجح أن تتراكم الضغوط التضخمية نتيجة لذلك.

وعلى الحكومة أيضاً أن تتدخل. فليس من قبيل المصادفة كذلك أن تكون القطاعات الأشد تضرراً هي أيضاً تلك التي تكون فيها حماية العاملين وحقوقهم إما غير موجودة أو ضئيلة.

منذ أول إدارات توني بلير، كان التركيز العالي المستوى يتلخص في تشجيع أكبر عدد ممكن من الناس على الالتحاق بالجامعات. وكانت النتيجة العديد من الدورات التدريبية التي تقدم شهادات غير مناسبة في مؤسسات لا ينبغي أن تسمى جامعات. وكان كل شيء يدور حول إرسال خريجي المدارس إلى الجامعات. وضاعت الحقيقة القائلة إنه ليس كل شخص مناسباً للدراسة الجامعية، وكذلك الفهم الذي مفاده أن الأدوار ذات المهارات الأقل مهمة بالقدر نفسه.

وكان لهذا الاندفاع الطموح عواقب في أماكن أخرى. فسوق الإسكان لدينا مختل التوازن على حساب الطبقة المتوسطة. ومرة أخرى، تواكب ذلك الحقيقة القائلة إن 74 في المئة من الوظائف في قطاع الضيافة في لندن وجنوب شرقي لندن، حيث أسعار العقارات والإيجارات هي الأعلى، كان يشغلها حتى وقت قريب موظفون من خارج المملكة المتحدة، جاء أغلبهم من داخل الاتحاد الأوروبي.

لقد خفضنا القيمة الخاصة بوظائف كهذه. ففي بلدان أخرى، مثلاً، سنجد أن العاملين في الحانات والنادلين أفضل تصنيفاً منهم في المملكة المتحدة. ولا ينبغي للمدارس أو الوالدين أن يرفضوا فكرة سلوك الطلاب والأبناء هذه الطريق. وعلى القدر نفسه من الأهمية، يجب جعل هذه الطريق أكثر جاذبية واحتمالاً معقولاً، وهذا يتطلب مساكن إضافية معقولة التكاليف، فضلاً عن أجور وشروط أفضل.

لكن على نحو مماثل، على أطفالنا أن يكفوا عن الشعور بأنهم على قدر كبير من التميز. فمن بين الشكاوى المشتركة بين أصحاب العمل أنهم لا يستطيعون اجتذاب موظفين من بريطانيا، وأن البريطانيين ليسوا مهتمين ببساطة بالبدء من القاع [أسفل سلم العمل] ولا يملكون أي رغبة في العمل الجاد. وقد يكون بوسعهم أن يرفعوا الأجور، وأن يقدموا منافع إضافية مثل العطلات الأطول، لكن فرص العمل لا تزال عصية على الملء [شاغرة ويتعذر ملئها]. ويتحدثون عن مقدمي طلبات لا يرغبون سوى في العمل في وظائف "المديرين"، من دون امتلاك أي خبرة، ناهيك بتولي أي مسؤولية في السابق.

لقد وقعت واقعة بريكست، الآن، إذا كان لنا أن نتقدم، المطلوب هو تغيير عميق في السلوك والمواقف.

© The Independent