Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عائد "بريكست" الحقيقي يتمثل في خسارة 800 مليون جنيه كل أسبوع

الرقم مرشح للتصاعد بعد مرور خمسة أعوام على مغادرة الاتحاد الأوروبي

رفع شعار عن خسارة بريطانيا 350 مليون جنيه استرليني أسبوعياً لمصلحة الاتحاد الأوروبي، على حافلات مؤيدة لـ"بريكست" إبان التصويت عليه في 2016 (تشاينج.أورغ)

في حينه، اشتهر ذلك التصويت بأن الفوز فيه تحقق، ولو جزئياً على الأقل، بالاستناد إلى الشأن المالي. فقد ورد في الرسالة التي وُضعت على حافلات الحملة المؤيدة للتصويت لمصلحة "بريكست"، "نحن نرسل إلى الاتحاد الأوروبي 350 مليون جنيه استرليني (487 مليون دولار) في الأسبوع. دعونا نموّل هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" لدينا بدلاً من ذلك". ويشير هذا الرقم إلى تقدير عن إجمالي مساهمة المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وبصورة واقعية، تؤدي عوامل أخرى دوراً أكبر كثيراً في الاقتصاديات الخاصة بعضوية الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الأموال التي تعيدها بروكسل إلى بريطانيا والمنافع التجارية [المتأتية من تلك العضوية].

إذاً، بعد مرور خمسة أعوام على ذلك التصويت، ما الذي عناه "بريكست" حقاً بالنسبة إلى الاقتصاد؟

أخيراً، تركت بريطانيا السوق المشتركة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي، وفق شروط اتفاق الحد الأدنى للتجارة الحرة الذي أبرمه بوريس جونسون في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يلجم ذلك الاتفاق اقتصاد المملكة المتحدة على مدى الأعوام المقبلة في شكل كبير، بالمقارنة مع فرضية بقاء البلاد في الكتلة الأوروبية.

في المقابل، يرى خبراء الاقتصاد أن تكاليف "بريكست" بدأت تُستشعَر للمرة الأولى تقريباً منذ لحظة ظهور الانتصار المفاجئ في الاستفتاء على الانسحاب عشية 23 يونيو (حزيران) 2016، حينما كان ديفيد كاميرون لا يزال رئيساً للوزراء.

ففي تلك الليلة، شهد الاسترليني أكبر انخفاض يومي في قيمته، إذ باع تجار السوق المالية عملة المملكة المتحدة على نحو محموم، تحسّباً لطلاق اقتصادي حاد بين بريطانيا وبقية القارة.

وبين 23 و27 يونيو 2016، انخفض الجنيه بنسبة 11 في المئة مقابل الدولار الأميركي وثمانية في المئة مقابل اليورو. وعلى الفور، أدى هذا الانهيار إلى دفع أسعار البضائع المستوردة صعوداً.

بالتالي، يقدّر المحللون في "كلية لندن للاقتصاد" أن أسعار البيع بالتجزئة في المملكة المتحدة، ارتفعت بحوالى 2.9 نقطة مئوية في العامين التاليين للاستفتاء كنتيجة مباشرة لانخفاض قيمة العملة، وتُرجم ذلك الأمر إلى زيادة مقدارها 870 جنيهاً سنوياً في تكاليف المعيشة للأسرة البريطانية المتوسطة.

وتمثّل الأثر شبه الفوري الآخر المترتب على التصويت لمصلحة "بريكست" في الركود بالاستثمار التجاري، إذ ألغت شركات عدة خطط التوسع وسط ارتباك في شأن علاقات المملكة المتحدة التجارية مع القارة في المستقبل. وكذلك شكّل الجمود الذي وصل إليه البرلمان بعد الانتخابات العامة في 2017 حول الشكل الذي ينبغي أن يتخذه "بريكست"، في حال حدوثه، سبباً في ضمان بقاء الاستثمار التجاري ضعيفاً للغاية.

ولو استمر الاستثمار من جانب الشركات في الارتفاع بمعدل ما قبل الاستفتاء، لوصل إلى أعلى ما هو عليه بـ10 في المئة مع حلول نهاية 2019. ويبدو أن التصويت لمصلحة "بريكست" شكّل أيضاً سبباً في ردع الشركات في الخارج عن الاستثمار في المملكة المتحدة، أو عن توسيع عملياتها فيها. وقدّر المحللون في "مرصد السياسة التجارية" البريطانية في "جامعة سوسكس" عام 2018، أن التصويت لمصلحة "بريكست" خفّض عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي في المملكة المتحدة بما يتراوح بين 16 في المئة و20 في المئة. وتوضيحاً، يسهم الاستثمار التجاري في الاقتصاد بطريقتين. أولاً، إنه يعزز الإنفاق الكلي، ما يساعد في توجيه الدخل وفرص العمل اليوم. وثانياً، يعمل على تعزيز القدرة الإنتاجية البعيدة الأجل للاقتصاد، التي تنتج دخلاً أعلى ومزيداً من فرص العمل في آتي الأيام.

وتاريخياً، أثبت استثمار الشركات المتعددة الجنسيات، وذلك النوع كان ضعيفاً في شكل خاص منذ عام 2016، منفعته الكبيرة في ذلك الشأن الأخير.

واستطراداً، تعني تلك الأشياء كلها أن "بريكست"، بسحقه الاستثمار، لن يكتفي بأن يكون سبباً في عرقلة النمو الاقتصادي بالمقارنة مع ما كان ليحدث بخلاف ذلك منذ عام 2016، بل سيستمر أيضاً في عرقلة النمو طيلة أعوام عدّة في المستقبل.

وفي ذلك المنحى، سعى الكثير من خبراء الاقتصاد إلى قياس هذه الآثار السلبية كمّياً. فقبل تفشي الجائحة العام الماضي، تفحّصت مجموعة من الدراسات تأثير "بريكست" في الاقتصاد الكلّي عبر صنع نماذج رقمية ترصد ظاهرة "الشبيه المُلْتَبِس" doppelgänger. [يعني ذلك أن الشبيه يملك معظم مزايا "شبيهه"، لكن يبقى ثمة فارق، بل أحياناً يكون أحدهما وهماً].  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشملت دراسة كيف سجّل الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة نمواً في أعقاب التصويت لمصلحة "بريكست" بالمقارنة مع الاقتصادات الأخرى المشابهة له (فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة وغيرها) التي ارتبط أداء الأولى تاريخياً مع أدائها، بصورة وثيقة إلى حد معقول.

ولأن المملكة المتحدة شكلّت الدولة الرئيسة الوحيدة التي صوّتت على إخراج نفسها من علاقة اقتصادية وتنظيمية عميقة مع كتلة تجارية مجاورة شاسعة، يمكن إرجاع أي اختلاف في الأداء بين الأداء المتوقع [للاقتصاد] في بريطانيا والأداء الفعلي، إلى التصويت لمصلحة "بريكست".

وبالنتيجة، أظهر عدد من هذه الدراسات، باستخدام مجموعات مختلفة من الاقتصادات المتخذة أساساً في المقارنة [إشارة إلى الدول الآنفة الذكر]، وجود فجوة في الأداء الاقتصادي للمملكة المتحدة، بل إنها شرعت تتّسع بعد الاستفتاء نتيجة انخفاض الاستثمار التجاري وتأثير تراجع الاسترليني في إنفاق الأسر.

وكذلك أشارت هذه الدراسات إلى أن أضرار "بريكست" مع حلول نهاية 2019 بلغت ما تراوح بين واحد واثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعادل ذلك ما يترواح بين 20 مليار جنيه و40 مليار جنيه. وإذا وضعنا تلك النتائج وفق عبارات الجهة المؤيدة للمغادرة أثناء حملة الاستفتاء، فإنها تُظهر خسارة تتراوح ما بين 400 مليون جنيه و800 مليون جنيه استرليني في الأسبوع.

وفي إطار مماثل، أجرى خبراء الاقتصاد في "جامعة ووريك" ممارسة مماثلة لنمذجة "الشبيه المُلْتَبِس"، لكنهم تفحّصوا تأثير "بريكست" في المناطق والمقاطعات البريطانية.

ووجدوا قدراً كبيراً من الاختلاف، إذ بدا أن المناطق البريطانية التي قدّمت أصواتاً كبيرة نسبياً لمصلحة الخروج في 2016، فضلاً عن امتلاكها أعداداً كبيرة من العاملين ذوي المهارات المتدنية، تعاني أكثر من غيرها.

وعاثت الجائحة على مدى الأشهر الـ12 الماضية فساداً في ممارسات "الشبيه المُلْتَبِس" التي تستخدم البلدان المُشار إليها آنفاً [باعتبارها مُشابهة لاقتصاد المملكة المتحدة] أساساً في المقارنة، لأن أثر "كوفيد" جاء هائلاً ومتنوعاً في أنحاء العالم كلها.

وعلى الرغم من ذلك، يزعم ثييمو فيتزر، أحد الباحثين في "جامعة ووريك"، أن الصدمة الهائلة التي أحدثها 2020 لن تغيّر صورة الضرر الاقتصادي الأساسي الذي لحق بالمملكة المتحدة بسبب "بريكست".

وبحسب رأيه، "من الواضح أن كوفيد سيشوّش كثيراً من هذه الأمور، لكنني أعتقد بأن الاتجاه سيكون متشابهاً للغاية".

وماذا عن الأثر الفعلي المتأتي من ترك السوق الموحدة والاتحاد الجمركي منذ 31 ديسمبر 2020؟

لا نملك بعد البيانات اللازمة لتقدير تأثير ذلك في الاقتصاد الكلّي، لكن من المؤكد أن شركات المملكة المتحدة تعاني من مشكلات على الحدود، إذ هبطت صادرات البضائع البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي بمقدار قياسي في يناير (كانون الثاني). وانتعشت في فبراير (شباط)، لكنها لا تزال دون متوسط المستوى الذي كانت عليه في أعوام سابقة.

وأجرى "المركز الأوروبي للإصلاح"، وهو مؤسسة بحثية، عملية نمذجة رقمية في "الشبيه المُلْتَبِس"، تفحّصت الأنماط التجارية لبلدان أخرى منذ بداية هذا العام وقارنت بين بعضها بعضاً. وخلُصت النمذجة إلى أن "بريكست" شكّل سبباً في خفض صادرات المملكة المتحدة من البضائع بـ11 في المئة، أو 7.7 مليار جنيه، بالمقارنة مع المستوى الذي كانت لتحققه بخلاف ذلك.

في المقابل، كيف تتناسب هذه التقديرات القريبة الأجل بشأن تكاليف "بريكست" مع التوقعات البعيدة الأجل التي تذهب إلى أن ترك الاتحاد الأوروبي سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بالاقتصاد البريطاني؟

وفق تقديرات مجموعة من هذه الدراسات، فإن الانتقال من عضوية الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بسيط للتجارة الحرة، وفق ما فعلته بريطانيا، من شأنه أن يلحق ضرراً دائماً بالناتج المحلي الإجمالي في البلاد بنسبة تتراوح بين أربعة وستة في المئة في الأجل البعيد، بالمقارنة مع المستوى الذي كان ليتحقق بخلاف ذلك.

وتوضيحاً، ينجم ذلك عن ازدياد الحواجز التجارية مع أوروبا، الأمر الذي يلحق الضرر بصناعة المملكة المتحدة، ويحول دون نمو إنتاجنا الوطني.

ما هو حجم الضرر الاقتصادي الذي وقع بالفعل، وما هو حجم الضرر الذي سيقع لاحقاً؟

من المستحيل أن نجزم بهذا، لكن "مكتب مسؤولية الموازنة"، بوصفه الجهة المولجة رسمياً وضع توقعات في وزارة المالية، قدّر لدى صدور موازنة مارس (آذار) 2021، أن حوالى خُمسَي الضرر الإجمالي وقعا حتى الآن بسبب ركود الاستثمار.

وبناءً على ذلك، إذا افترضنا أن تكلفة "بريكست" البعيدة الأجل تبلغ أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (وفق توقع "مكتب مسؤولية الموازنة")، سيعني هذا ضمناً أن 2.4 في المئة من الضرر الواقع بالناتج المحلي الإجمالي، أو نحو 48 مليار جنيه، لم يُستشعَرْ بعد.

واستكمالاً، حينما نضع تلك المعطيات ضمن سياق سكان المملكة المتحدة الذين يبلغ عددهم 66 مليون نسمة، يظهر أن تكاليف "بريكست" بلغت حتى الآن نحو 480 جنيهاً للشخص في المتوسط ، فضلاً عن 720 جنيهاً إضافية من الضرر لا تزال متوقعة.

وبالمناسبة، يتضمن ذلك أيضاً تقديرات عن المنافع المترتبة على أي اتفاقات تجارية حرة جديدة لخفض الرسوم الجمركية في مرحلة ما بعد "بريكست" ربما تُبرَم بين المملكة المتحدة وبلدان كأميركا وكندا. وحتى الاتفاق التجاري الموقع أخيراً مع أستراليا، تقدّر الحكومة أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي بما لا يزيد على 0.02 في المئة على مدى 15 عاماً.

وكخلاصة، لماذا لا تُحدث تلك الاتفاقات التجارية فارقاً كبيرا؟ لأننا نُجري شطراً كبيراً من تجارتنا مع الاتحاد الأوروبي (نحو النصف) إلى حد يجعل أي زيادة في التجارة مع هذه البلدان الأخرى غير قادرة، حسابياً، على التعويض عن التجارة الضائعة المهمة المتوقعة [من استمرار التجارة] مع أوروبا.

في ذلك الصدد، يرى توماس سامبسون من "كلية لندن للاقتصاد" أن "خبراء الاقتصاد جميعهم تقريباً، يتوقعون ضربة إضافية لنمو الدخل مع زيادة تكاليف التجارة مع الاتحاد الأوروبي، إذ تشير النماذج الرقمية عن التجارة، إلى أن التكيّف الكامل مع بريكست ربما يستغرق عقداً من الزمن".

وبالنتيجة، لا شك في أن حجم الأثر الاقتصادي المترتب على "بريكست" لا يمكن توقعه بدقّة تامة. في المقابل، يقترح كل تحليل لا يشوبه غموض ويجريه التيار السائد [في أوساط خبراء الاقتصاد] أن هذا الأثر سيكون سلبياً وكبيراً. بالتالي، من شأن ذلك أن يؤثر في مستويات معيشتنا على هيئة توليد فرص أضعف في العمل ونمو أبطأ في الدخل، بالمقارنة مع إمكانية ما قد تكونه الأمور بخلاف ذلك.

إذاً، هل سيُعترَف بذلك؟ من المرجح أن يسعى الساسة، بحسب ما رأينا في الأشهر الأخيرة، إلى إلقاء اللوم على عوامل أخرى، من "كوفيد" إلى غياب المرونة من جانب الاتحاد الأوروبي في تطبيق تنظيمات الاستيراد.

واستكمالاً لذلك، ربما يصرّ بعض من صوّتوا لمصلحة "بريكست" على أنهم لم يعانوا شخصياً من أي ضرر اقتصادي إذا تمكّنوا من الاحتفاظ بوظائفهم أو ربما تقاعدوا.

في خلاصة مكثفة، يرى فيتزر أن "المشكلة هنا تتمثّل في أن المرء لا يعرف كيف كانت المملكة المتحدة لتبدو لو لم يحصل ذلك التصويت. إن بريكست عبارة عن موت بألف وخزة من إبرة (موت بطيء)، وليس زلزالاً. ولا يسمع المرء وخزة كل إبرة".

© The Independent