Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللبنانيون العائدون إلى وطنهم يحملون الأدوية بدلا من الهدايا

جراء الانهيار الاقتصادي الذي رجح البنك الدولي أن يكون من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم

حذرت نقابة مستوردي الأدوية في لبنان من "نفاد" مخزونها من "الأدوية الأساسية التي تعالج أمراضاً مزمنة ومستعصية" (رويترز)

منذ مطلع العام، يبحث اللبنانيون عبثاً عن أدويتهم في صيدليات نضبت محتوياتها تدريجياً. وينشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي يومياً أسماء أدوية يحتاجون إليها. وبات كثيرون يعتمدون على أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الخارج لتأمين أدويتهم بأسعار مرتفعة جداً مقارنة مع السعر المحلي المدعوم.

ومنذ أشهر، يجهد أحمد (58 عاماً)، الذي يعاني ارتفاعاً في الضغط ومرض السكري، ليجد علبة دواء واحدة على الأقل، حتى بات الأمر مستحيلاً.

وبعد أن اختفت أدويته من الأسواق، حدد له طبيبه أدوية بديلة منها، لكن حتى هذه "لم يعد ممن الممكن إيجادها".

أمام هذا الواقع، اضطر أحمد، الذي يعمل في موقف سيارات أحد مطاعم بيروت، إلى التوقف عن استهلاك الدواء لأسابيع، لكنه سرعان ما أصيب بنوبات ارتفاع حاد في الضغط.

وما كان منه إلا أن اتصل بأحد أقاربه في إسطنبول، وبصديق في الإمارات المتحدة، ليطلب منهما إرسال أدوية له مع معارف قادمين إلى لبنان.

ويقول، "نحن أمام خيار الموت لأننا لا نجد الأدوية، أو الموت لأنه لم يعد لدينا أموال بعد أن صرفناها كلها على أدوية نشتريها من الخارج".

ويضيف، "في الحالتين، يقتلوننا".

لا هدايا ولكن أدوية

أما ليديا فلم تحمل خلال رحلتها الأخيرة إلى بيروت آتية من مارسيليا، الهدايا، بل ملأت حقائب سفرها بأدوية تخطت تكلفتها الألف يورو لتوزعها على أفراد عائلتها وأصدقائها الذين لا يجدون في صيدليات لبنان أياً منها.

وتقول السيدة الستينية، التي وصلت إلى بيروت الأسبوع الماضي، لوكالة الصحافة الفرنسية، "حملت معي من كل شيء، أدوية مضادة للالتهابات وأدوية ضغط وكوليسترول وسكري وباركنسون وسرطان، فضلاً عن كثير من الأدوية المضادة للاكتئاب".

وصلت ليديا إلى منزلها في بلدة بعبدات شمال بيروت فجراً، وما هي إلا ساعتان حتى بدأ الزوار يتوافدون إليها كل منهم متشوق للحصول على أدويته.

وتضيف ليديا، "لم يكن بوسعي حتى أن أنام، لكني أتفهمهم فليس هناك أسوأ من نضوب الدواء"، موضحة أن بعض الأشخاص الذين أحضرت لهم الأدوية يعانون أمراضاً مزمنة، ولم يتمكنوا منذ أكثر من أسبوعين من تأمين العلاج.

وليست ليديا وحدها، إذ إن والديها أيضاً حملا معهما من فرنسا أدوية لـ12 شخصاً ملأت حقائبهما الأربع.

وقد أعادت الأزمة الحالية إلى ذهن ليديا سنوات الحرب الأهلية (1975 - 1990)، حين كان يأتي المغتربون محملين بحاجات أساسية فقدت من الأسواق.

وتقول ليديا، "صحيح أننا كنا نخاف من القذائف، لكننا لم نشهد يوماً نضوباً في الأدوية أو الوقود مثل اليوم"، مضيفة، "لم نشعر يوماً بهذا القدر من الاختناق، ما يحصل اليوم غير مسبوق وسوريالي".

الصيدليات والاستيراد ومصرف لبنان

واحتجاجاً على نضوب الأدوية، بدأ تجمع أصحاب الصيدليات، الجمعة، إضراباً عاماً مفتوحاً، كما حذرت نقابة مستوردي الأدوية من "نفاد" مخزونها من "مئات الأدوية الأساسية التي تعالج أمراضاً مزمنة ومستعصية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويأتي ذلك بعد أن شرعت السلطات منذ أشهر في ترشيد أو رفع الدعم تدريجياً عن استيراد سلع رئيسة بينها الأدوية. وتسبب تأخر فتح اعتمادات للاستيراد، بانقطاع عدد كبير في الأدوية، بينها حتى مسكنات الألم العادية وحليب الأطفال الرضع.

ويطالب مصرف لبنان منذ أشهر وزارة الصحة بوضع جدول أولويات بالأدوية التي يجب مواصلة دعمها.

وكان حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، قد أعلن أنه سيسدد "الاعتمادات والفواتير التي تتعلق بالأدوية، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية (...) ضمن مبلغ لا يتعدى 400 مليون دولار" يغطي "مستوردات أخرى بما فيها الطحين".

إلا أنه، بحسب نقابة مستوردي الأدوية، لن يتخطى الجزء المخصص للأدوية 50 مليون دولار شهرياً، وهو ما يعادل نصف الفاتورة الاعتيادية.

إجازة قصيرة

أمام هذه التعقيدات التي تزيد من معاناة اللبنانيين، استغل بول نجار وزوجته ترايسي إجازة قصيرة إلى قبرص لشراء الأدوية.

وقد عاد الزوجان، اللذان فقدا ابنتهما ألكسندرا في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، حاملين حقيبة مليئة بالأدوية لأقاربهما ولأشخاص تواصلوا معهما على وسائل التواصل الاجتماعي.

اشترى بول وترايسي قطرات للعين وحليباً مجففاً وأدوية مضادة للاكتئاب وأخرى لعلاج الضغط وأمراض القلب.

وتروي ترايسي، "الصيدلي (في قبرص) عرف سريعاً أننا من لبنان. وقال لنا إن صديقين مرّا عليه قبل يومين لشراء طن من الأدوية".

وجراء الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ صيف عام 2019، الذي رجح البنك الدولي أن يكون من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ عام 1850، ولم تبقَ أي فئة بمنأى عن تداعياته، بات أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وقد خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار.

ويحمل جزء كبير من اللبنانيين الطبقة السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، ويتهمون المسؤولين بالفساد والهدر وسرقة المال العام.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات