Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ساعة "الصفر الكهربائية" أظلمت لبنان والمستشفيات أكبر المتضررين

"القطاع المأزوم" كلف الدولة 45 مليار دولار يضاف إليها ثمن المحروقات الذي تجاوز 60 ملياراً

بيروت الغارقة في العتمة ويبدو مبنى مؤسسة كهرباء لبنان (أ ف ب)

العتمة التي لطالما كانت هاجساً مؤرقاً لكل المقيمين في لبنان، تحوّلت إلى واقع مرير، وبخطوات غير مسبوقة دخلت البلاد النفق نحو عتمة شاملة، إذ أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان خروج معملَي الزهراني ودير عمار لتوليد الطاقة تباعاً عن الخدمة، نتيجة نفاد مخزونهما من مادة الغاز أويل، علماً أن هذين المعملين ينتجان غالبية الطاقة الكهربائية في البلاد. وأدت هذه الأزمة إلى انخفاض شديد في ساعات التغذية الكهربائية في غالبية المناطق، حيث وصلت إلى "صفر تغذية" بعدما تجاوزت ساعات التقنين العشرين ساعة في معظم المناطق في الأسابيع الماضية. ويترافق ذلك مع شح في الوقود، ما يدفع أصحاب المولدات الخاصة إلى زيادة ساعات التقنين بدورهم، ليقبع آلاف اللبنانيين في عتمة شبه شاملة.

انهيار المنظومة الكهربائية في البلاد لم يتوقف عند معاناة المواطنين في منازلهم فحسب، إنما انسحب على القطاع الاستشفائي، فباتت حياة مئات المرضى في خطر نتيجة احتمال إطفاء آلات الأوكسجين في المستشفيات وإطفاء غرف العمليات، في ظل شح كبير في مخزون الوقود لدى معظم المستشفيات، التي باتت تلجأ إلى تقنين الاستهلاك إلى أدنى المستويات من خلال تخفيف استخدام المكيفات والإنارة.

صرخة الأبيض

هذه المأساة دفعت مدير عام مستشفى "رفيق الحريري الحكومي الجامعي" الدكتور فراس أبيض إلى نشر مقطع فيديو عبر حسابه على "تويتر" يظهر مولدات المستشفى وهي لا تعمل في ظل انقطاع التيار الكهربائي الأساسي.


وأرفق أبيض الفيديو بتعليق جاء فيه "كيف يستعد مستشفى لانقطاع التيار الكهربائي لمدة 26 ساعة أو أكثر؟ مَن المسؤول عن أي خسائر في الأرواح ستنتج من ذلك؟ لا يمكن للسلطات ادعاء الجهل بما يجري، فقد أرسلتُ رسائل إلى المعنيين، وتمّ إطلاق صرخة في الإعلام، فما الذي يمكن فعله أكثر؟ أليس من نهاية لهذا الظلام؟ خلص بقا تعبنا".

اللقاحات أيضاً

وبسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت وعدم قدرة المولدات على سد العجز الكهربائي، أعلنت اللجنة التنفيذية للقاح المضاد لفيروس كورونا إلغاء حملة تلقيح عامة كانت مقررةً في نهاية الأسبوع، وربطت اللجنة في بيان، قرارها بـ"أسباب تقنية تتعلق بانقطاع شبكة الإنترنت والتيار الكهربائي عن معظم مراكز التلقيح".
وبرر مدير عام هيئة "أوجيرو" (الشركة التي تدير قطاع الاتصالات في لبنان) عماد كريدية، سبب انقطاع الإنترنت عن مراكز التلقيح، قائلاً إن "انقطاع الخدمة هو النتيجة، أما السبب الوحيد فهو انقطاع الكهرباء عنها وافتقادها لمادة المازوت لتشغيل مولداتها إن وجِدت".

الفيول والصيانة

في السياق، قال عضو مجلس إدارة شركة "كهرباء لبنان" طارق عبدالله إن "لبنان دخل فعلياً مرحلة العتمة الشاملة ونحن نعيشها حالياً"، كاشفاً عن أن توقف معامل إنتاج الكهرباء مرتبط بسببين، الأول يتعلق بنقص الفيول الناتج من عدم قدرة مصرف لبنان على فتح اعتمادات الاستيراد بالوتيرة التي كانت سابقاً، والسبب الثاني يتعلق بالصيانة وكلفتها الباهظة بعد تغيّر سعر الصرف". وأوضح أنه "على سبيل المثال، فإن معملي دير عمار والزهراني اللذين خرجا أخيراً عن الشبكة، يحتاجان إلى 40 مليون دولار كي يستمرا بالعمل، بالتالي نحن دخلنا في العتمة الشاملة". وأضاف أن "الاستهلاك في فصل الصيف يرتفع بشكل ملحوظ ونحتاج إلى 3500 ميغاواط، في حين أنه لو توافر الفيول في ظل تجاهل الصيانة الضرورية، لن يتجاوز الإنتاج 1300 ميغاواط".

مشاريع فاشلة

وأشار عبدالله إلى أن "أزمة المحروقات والمازوت للمولدات الخاصة تزيد حدة العتمة الشاملة في لبنان"، لافتاً إلى أن "ارتفاع أسعار المازوت وصعوبة تفريغ ناقلات المحروقات وأزمة الدولار، أدت إلى زيادة التقنين في حين أن نسبة الجباية تتراجع بسبب عجز المواطنين عن تسديد فواتيرهم، الأمر الذي يفاقم أزمة أصحاب المولدات الخاصة". وأضاف أنه "لا يمكن الاعتماد على المولدات الأهلية لتغطية العجز في الكهرباء، لأن أصحاب المولدات غير جاهزين لتوفير كهرباء 24 ساعة باليوم، وحتى إن كان بعضهم مستعداً لذلك، فإن الدولة غير قادرة على توفير المازوت وأيضاً المواطنين غير قادرين على دفع فواتير اشتراك لمدة 24 ساعة، لأن المبالغ ستكون خيالية".
وشدد عضو مجلس إدارة "كهرباء لبنان" على أن "دخول لبنان مرحلة العتمة هو نتيجة طبيعية لسياسات وزراء الطاقة المتعاقبين خلال الأعوام الماضية، إذ سيطر عليها التيار الوطني الحر وبات يعتبرها ملكية خاصة له". وقال إن "الأعوام الماضية كانت حافلة بالمشاريع الفاشلة التي كلفت الخزينة مليارات الدولارات"، كاشفاً عن أن "قطاع الكهرباء كلّف الدولة 45 مليار يضاف إليها ثمن المحروقات الذي تجاوز 60 مليار دولار، واستنزف خزانة الدولة"، مطالباً بألا تقتصر المحاسبة على الفساد وحده "إذ إن القرارات الخاطئة توازي الفساد في هدر المال العام".

صفر تغذية

في المقابل، أعلنت مؤسسة "كهرباء لبنان"، "تعذّر تفريغ ناقلتين بحريتين محمّلتين بمادة الغاز أويل، بانتظار استكمال الإجراءات المصرفية لدى المصارف الأجنبية". وذكرت في بيان "توقفت خدمة معملين لتوليد الكهرباء، وهما الزهراني (جنوب) ودير عمار (شمال)، نتيجة نفاد خزينهما من مادة الغاز أويل". وأضافت أنه "إزاء استمرار هذا الوضع الخارج عن إرادة مؤسسة كهرباء لبنان، ستستمر المؤسسة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة بشكل متواصل، للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحد الأدنى في الاستقرار بالتغذية بالتيار الكهربائي لأطول فترة ممكنة، بما يتجانس مع خزين المحروقات المتبقي لديها".

بدورها أعلنت "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني" التابعة لوزارة الطاقة، توقف معامل توليد الطاقة الكهرومائية التابعة لها عن العمل جراء نقص الوقود. كما قالت شركة "كهرباء زحلة"، إنه "من أجل الحفاظ على استمرارية الكهرباء لأكثر من 300 ألف شخص في المدينة و16 بلدة مجاورة، وبعد صفر تغذية من مؤسسة كهرباء لبنان، لجأنا مكرهين إلى قطع التيار عن الإنارة العامة منذ أسبوع وعن أصحاب المصانع والمحطات الخاصة، حتى إشعار آخر"، داعيةً "جميع المشتركين إلى التخفيف من استهلاك الطاقة كي لا نضطر إلى اللجوء للتقنين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولاحقاً، أصدرت مؤسسة "كهرباء لبنان" بياناً جديداً أشارت فيه إلى أنه تمّت إفادتها ‏بأن المصارف الأجنبية المراسلة استكملت الإجراءات المصرفية العائدة ‏إلى القسم الأول من شحنة مادة الغاز أويل، بالتالي ستعود القدرة الإنتاجية لترتفع تدريجاً.

في المقايل، حمّل رئيس تجمّع أصحاب المولدات الخاصة عبده سعادة، وزارة الطاقة مسؤولية انهيار القطاع الكهربائي، معتبراً أنها "متغافلة عن الأزمة ولا تبدي أي تجاوب"، ولافتاً إلى أنه سبق وتقدم باقتراح للوزارة يقضي بتقاسم التغذية بين المولدات الخاصة والدولة بمعدل 12 ساعة لكل منهما على أن يُدعم المازوت على السعر الرسمي، 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، أما لوازم المولدات فتُدعم على أساس 3000 ليرة.
وأكد سعادة أنه "حالياً بسبب عدم وجود أي خطة لدى الوزارة، بات 80 في المئة من أصحاب المولدات عاجزين عن شراء المازوت بالأسعار الجديدة، علماً أن التسعيرة الجديدة ارتفعت ثلاثة أضعاف وباتت بين 500 و600 ألف ليرة لكل 5 أمبير بسبب انقطاع الكهرباء ما يزيد على 600 ساعة في الشهر"، كاشفاً عن أن "صاحب المولّد كان يدفع 50 مليوناً ثمن شراء محروقات في الشهر، في حين بات يدفع 100 مليون وفق الجدول الجديد للأسعار".

الخلاص الوحيد

أما نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، فاعتبر في مقالة له أن "وحده الفيول العراقي يُفترض أن يحقق بعضاً من الاستقرار الكهربائي، فهو يغطي ثلث حاجة المعامل، في حال التغذية الكاملة، بما يعني إمكانية إبعاد شبح العتمة الشاملة، لعام على الأقل"، لكنه تخوّف من عدم نجاح الاتفاقية مع العراق، لا سيما أن الصمت الرسمي في بغداد لا يزال سيد الموقف.

وأشار الفرزلي إلى أن مسودة الاتفاق مع العراق باتت جاهزة، وشُكّلت لجنة تضم ممثلاً عن وزارة الطاقة وممثلاً عن مصرف لبنان لوضع اللمسات الأخيرة، تمهيداً لتوقيعها من قبل وزارة الطاقة.

سويسرا المظلمة

وتعليقاً على الظلمة الحالكة التي غطت مساحة لبنان، كتبت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية مقالاً بعنوان، لبنان الحالم بلقب "سويسرا الشرق" صار أكثر شبَهاً بغزة. وجاء في المقال "من الحدود الشمالية، يمكن أن نرى بالعين المجردة الظلام الذي يهبط على لبنان، فبعد غياب الشمس، غرقت قرى الجنوب في ظلام شبه دامس. وفي المناطق التي يسيطر عليها الحزب، أضاءت الفوانيس نوراً قوياً. والدولة التي أمِلت ذات مرة في أن تكون "سويسرا الشرق الأوسط" تبدو الآن أكثر شبهاً بغزة، بحيث غدت الحمير لنقل البضاعة الأكثر طلباً في البلاد، بغياب الوقود لتحريك وسائل مواصلات أخرى".

المزيد من العالم العربي