Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصواريخ الباليستية... سلاح ردع الفقراء والأغنياء

ترسانات تنتقل من البر إلى البحر والجو لتضع السلم الدولي تحت رحمة زر كيماوي أو بيولوجي أو نووي  

من منظومة الصواريخ الروسية (رويترز)

هل بات مصير العالم مرتبطاً بالقواعد الصاروخية أكثر من أي جزء آخر في الترسانات العسكرية؟ ولماذا يتجه عديد من الدول حول العالم إلى التسلح بالصواريخ الباليستية عامة، والهايبرسونيك، أي الفرط صوتية منها بنوع خاص؟

أسئلة عديدة تجعلنا نتوقف عند السباق الصاروخي الناشئ، الذي أضحى يشكل علامة رئيسة في صراعات المستقبل، وذلك لفاعلية  الصواريخ مهما كانت كفاءة الدفاعات الجوية للخصم، لا سيما عندما تكون الهجومات بالطائرات غير ذات جدوى عملياتية أو عالية التكلفة.

على أن تطورات المشهد الدولي الخاص بالصواريخ خلال الأسابيع القليلة الماضية، تكاد تدفع المراقب ليقين بأن الانزلاق إلى استخدامها أمر وارد وبقوة، فقد تجاوز المشهد مرحلة الحرب الباردة، وبدا  وكأن الجميع في طريقهم إلى لحظة مواجهة ساخنة، قد تشعلها سخونة الرؤوس، أو خطأ غير مقصود، مع عدم المقدرة على ضبط النفس.

ولعل الكارثة الأكبر في عالم الصواريخ، موصولة باحتمالات  وصول نماذج متقدمة منها إلى أيادي غير العقلاء من أصحاب القرار من جهة، أو المنظمات الإرهابية الدولية من جهة أخرى.

ما الذي يستدعي فتح هذا الملف المخيف مرة جديدة هذه الأيام، وإلى أين يمضي سباق التسلح الصاروخي براً وبحراً وجواً، وهل ستعمد البشرية إلى صراع صاروخي في الفضاء الخارجي عما قريب؟

في ماهية الصواريخ الباليستية

من اسمها يمكن للمرء أن يشتق فكرة منها، إذ تعود في الأصل إلى الكلمة الإنجليزية Ballistic، التي تعني تحرك الصاروخ في الفضاء تحت تأثير الجاذبية فقط بعد خروجه من الغلاف الجوي بواسطة  محرك الدفع الخاص به.

ولعل الباحث المحقق والمدقق يدرك أن أول من طالت يداه هذا النموذج من الصواريخ بعيدة المدى، هم جماعة النازي خلال الحرب العالمية الثانية، ولو طال أمد الحرب بضعة أشهر لما سقطت دول المحور، فقد استخدمتها ألمانيا في ضرب المدن البريطانية والبلجيكية، فيما كانت مصانع النازي تسارع الوقت لإنتاج صاروخ باليستي يطال نيويورك.

انتهت الحرب العالمية، وقرر المنتصرون الأميركيون نقل عقل الصناعات الصاروخية الألمانية، العالم فون براون، إلى الولايات المتحدة، ومن هناك بدأت مسيرته مع الجيش، التي تواصلت من بعده لتمتلك واشنطن ترسانة صاروخية باليستية مخيفة.

على أن أمر حيازة تلك الصواريخ لم يتوقف عند الأميركيين وحسب،  فقد سارع الاتحاد السوفياتي بدوره في تطوير برنامجه من هذا النوع خلال فترة الحرب الباردة، ولعل السوفيات قد بزوا الأميركيين في هذا الإطار، عندما استطاعوا تطوير صواريخ تقود مركباتهم إلى  الفضاء الخارجي، قبل أن يقدر للأميركيين مواكبتهم لاحقاً.

ومن دون الإغراق في التفصيلات، فإن أي صاروخ باليستي يتركب من ثلاثة مكونات أساسية، وهي الدفع والتوجيه والحمولة، وهناك أنواع مختلفة لحمولات الصواريخ الباليستية، فقد تكون تقليدية أو نووية أو كيماوية أو بيولوجية، كما يمكن الدمج بين الحمولة الكيماوية والبيولوجية في أنظمة الصواريخ قصيرة المدى، ويبقى السؤال ما هي الأهمية الاستراتيجية للصواريخ، التي تجعل الدول الكبرى والصغرى تتكالب عليها على النحو الذي نرى؟

الردع المحمول جوا عبر القارات

أدركت القيادات العسكرية والسياسية من تجربة المواجهة التي جرت طوال عقود الحرب الباردة، أن حيازة أدوات الردع، وفي مقدمها  الصواريخ الباليستية، قد كان السبب الرئيس في عدم اندلاع الحرب وليس السبب في نشوبها.

مثلت الصواريخ وحوائطها ودروعها أداة للتوازن الاستراتيجي، ففي ستينيات القرن المنصرم، أدرك حلف الناتو أن أي تهور من جانبه، أو قصف لمواقع السوفيات سوف يعني بداية محو وسحق أوروبا الغربية بالصواريخ الباليستية متوسطة المدى، قبل أن تطير إلى الجانب الآخر من الأطلسي.

منذ ذلك الوقت اكتشف الجانبان، أن تكاليف الصواريخ العابرة للقارات، مهما تعاظمت، إلا أنها تظل أرخص كثيراً جداً مما يتوجب إنفاقه على الطائرات العملاقة والقاذفة مثل الـ"بي -52"، لهذا تم التوجه إلى إنتاج الصواريخ بأنساقها المتجددة والمرعبة، عقداً بعد الآخر، إلى أن وصل العالم إلى حالة الصواريخ الأسرع من الصوت.

أثبتت الصواريخ كذلك قدرتها على تجاوز قدرات الدفاع الجوي المعادية مهما كانت دقتها، ذلك أن مصانع الأسلحة حتى الساعة، لم تأت على نموذج صاروخي دفاعي له كفاءة مئة في المئة في صد صواريخ الأعداء، لهذا السبب تحديداً ذهبت الولايات المتحدة إلى  فكرة المظلة الصاروخية في الفضاء الخارجي.

والمعروف كذلك أن الصواريخ الباليستية يمكنها أن تعمل على  صعيدين، الأول يتمثل في تحميلها بالأسلحة التقليدية، والآخر حين توضع عليها رؤوس نووية أو بيولوجية وكيماوية، ومن هنا فإنها ثنائية الاستخدام، الأمر الذي يكفل لها فاعلية تدميرية هائلة في مواجهة الخصوم.

ويمكن للمرء أن يضيف عديداً من المزايا للأسلحة الصاروخية، فهي على سبيل المثال أسهل وأيسر في صيانتها من الطائرات الهجومية العملاقة، كما أن تكاليف الخدمات اللوجستية الخاصة بها، لا سيما التخزين أقل بمراحل.

وباختصار غير مخل، فإن أفضل تعبير يجده المرء ليصف تلك الأهمية، هو القول بأنها سلاح ردع  الفقراء، فالصواريخ الباليستية سواء متوسطة أو بعيدة المدى تفتح المجال للدول المتوسطة، وحتى الضعيفة على الصعيد الاقتصادي لامتلاك آلية ردع، ومن هذا القبيل فإن دولة تعاني من شظف العيش كما الحال في كوريا الشمالية، باتت تهدد المصالح الاستراتيجية الأميركية في عديد من المواقع والمواضع في قارة آسيا، بل ويمكن أن تطال بعض صواريخها الولايات المتحدة الأميركية نفسها، ومع تطور تكنولوجيات تلك الصواريخ، يكاد العالم برمته أن يصطبغ بصبغة صاروخية، وما أعلنت عنه الصين منذ أيام خير دليل على  ذلك... ماذا عن الأمر؟

الصين وحديث المئة منصة صاروخية

في أواخر مارس (آذار) الماضي، نشرت مجلة "ديفنس وان" الأميركية تقريراً عن قيام الصين بنشر أحدث صواريخها الباليستية  استعداداً لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة بنوع خاص.

تقرير المجلة الشهيرة التي تغطي شؤون الدفاع حول العالم، أشار إلى  أن القوة الصاروخية لجيش التحرير الشعبي، وهي القوة المسؤولة  عن الصواريخ التقليدية والنووية الصينية، قد أضافت عشرة ألوية، أي أكثر من ثلث قوتها الحالية، ونشرت مجموعة هائلة من الأسلحة  الجديدة المتطورة، وتشمل هذه الأنظمة الجديدة الصاروخ الباليستي متوسط المدى "دي أف 26"، وصواريخ "دي أف 31 إيه جي"، و"دي أف 41"، الباليستية العابرة للقارات، وصاروخ كروز "سي جي 100"، ومركبة إطلاق متطورة جداً.

التقرير الذي نشرته المجلة، قام على كتابته، بيتر سينجر، الخبير الاستراتيجي في "نيو أميركا"، مؤلف كتب عدة عن التكنولوجيا والأمن، يقطع بأن الصين حريصة على إضافة طائفة من الصواريخ الباليستية المتقدمة إلى ترسانتها، عطفاً على أنه كُشف أخيراً عن صاروخ من نوعية "دي أف 17"، وهو أول سلاح صيني تفوق سرعته سرعة الصوت علناً في عام 2019.

أما مجلة "ميلتاري واتش" المتخصصة في أخبار السلاح والعتاد العسكري في العالم، فقد نشرت في أوائل مايو (أيار) الماضي، تحليلاً يحمل معلومات عن قيام الصين بنشر أول غواصة لها من الفئة الاستراتيجية، وذلك في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، الأمر الذي يمثل تحسناً كبيراً في قطاع الغواصات الصينية البحرية، وبحسب المصادر العسكرية التي نقلت عنها المجلة، فقد دعمت بكين الغواصة الضخمة  بأنظمة حركية ومائية فائقة مخصصة لتعزيز قدرة نقل وحمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وبعضها يصل مداه ما بين 10 آلاف و12 ألف كيلومتر.

لم تدار أو توار بكين مواجهتها الاستراتيجية لواشنطن، لا سيما بعد أن أعلنت بشكل رسمي امتلاكها الصاروخ الصيني "JL-2" المخصص لضرب الأجزاء القريبة من سواحل أميركا، ومع تحميل هذا النوع من الصواريخ على الغواصات الاستراتيجية ستكون الصين قادرة على ضرب أي مكان في الداخل الأميركي.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تابعت شبكة الأخبار الأميركية الشهيرة، "سي أن أن"، العرض العسكري الذي نظمته الصين في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وقد ظهر في العرض الصاروخ "دي أف -41"، السابق الإشارة إليه، الذي يمكنه مهاجمة الولايات المتحدة نظرياً خلال 30 دقيقة.

تالياً كشفت أصوات صينية، مثل "وانغ شيانغسو"، العقيد السابق في جيش التحرير الشعبي، عن بناء الصينيين سوراً عظيماً آخر تحت الأرض، مؤلف من شبكة أنفاق لإخفاء وتحريك ترسانة من الصواريخ الباليستية.

ولفت "شيانغسو" الذي يعمل حالياً أستاذاً في جامعة بيهانغ في بكين،  إلى أن الطريقة التي جرى بها تخزين مقدرات بلاده العسكرية، أريد بها ضمان تفوق الصين وتحصين أمنها حتى في أسوأ السيناريوهات.

أما آخر الأخبار المتعلقة بترسانة الصين الصاروخية، فقد لفتت إليها الأنظار صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، وتفيد بأن السلطات الصينية بدأت ببناء 119 صومعة إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات شمال غربي البلاد.

نقلت الصحيفة عن مركز جيمس مارتين لدراسة قضايا عدم انتشار الأسلحة، بمعهد ميدلبيري، أن مركزاً للقيادة الصاروخية الصينية قد بُني جزئياً في المنطقة نفسها، وهو ما تظهره صور الأقمار الصناعية، وتضيف الصحيفة القريبة من البيت الأبيض، "إن إقامة  أكثر من 100 صومعة لإطلاق الصواريخ في حال إكمالها ستصبح تحولاً تاريخياً بالنسبة إلى الصين".

هل تعمد بكين إلى تعويض قلة عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها، والتي تتراوح بحسب عديد من التقديرات ما بين 250 و350 رأساً نووياً، بترسانة صاروخية، تبدأ من التقليدية مروراً بالبيوليوجية  والكيماوية، وصولاً إلى النووية؟

مهما يكن من شأن الجواب، فإنه يبدو للعوام أن خصم بكين الأول هي واشنطن، لكن يغفل البعض أن الصين لا يمكن أن تأمن قوة روسيا  الصاروخية، بنفس القدر الذي تشعر به أوروبا وأميركا من انزعاج، جراء تحركات صواريخ روسيا الباليستية التقليدية والنووية أخيراً... فهل من مزيد؟

"أفانغارد" و"كينغال"... صواريخ روسيا المرعبة

تعلمت روسيا – بوتين الدرس من السباق غير المتكافئ بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية طوال عقود الحرب الباردة، فقد استنزف حلف الأطلسي نظيره حلف وارسو في سباق تسلح، لم تكن تتوافر فيه حدود الندية، الأمر الذي جعل الاتحاد السوفياتي يبدو كعملاق، لكن قدميه من فخار لا من حديد صلب.

من عند هذا المفهوم بدأ بوتين المواجهة عبر ما تقل تكلفته وتزداد فعاليته، ومن هنا كانت الصواريخ الباليستية، والفرط صوتية، مدخل القيصر في السباق الاستراتيجي والصراع النووي والصاروخي القائم والمقبل.

في كلمته نهار 28 يونيو (حزيران) الفائت، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة له أمام خريجي الكليات العسكرية حصول القوات المسلحة الروسية أخيراً على أسلحة متميزة جديدة، منها منظومتا  صواريخ "أفانغارد" و"كينجال" فرط الصوتية، مشيراً إلى أن القوات المسلحة الروسية ستحصل قريباً على أسلحة فريدة أخرى  منها صاروخ "سارمات"، وصاروخ "تسيركون"، ومنظومة  صواريخ "أس -500" المضادة للأهداف الجوية.

هل من تفصيل أكثر عن تلك المنظومة الصاروخية الروسية التي تحمي روسيا من الأصدقاء قبل الأعداء؟

تبدو صيغة التساؤل مثيرة للتفكر، فالأصدقاء هنا من دون شك هم الصينيون، والمؤكد أن الذي يجمع بين بكين وموسكو، العدو الأميركي المشترك، لا المودات المتبادلة، وعند كثيرين من المحللين الاستراتيجيين، أنه لولا قدرة روسيا النووية والصاروخية، وترسانتها العسكرية الفتاكة، لكانت للصين أطماع واضحة في عموم آسيا، وهو الأمر الذي لا يغيب عن أعين القيصر وبصاصي الكرملين، وها هي لمحة مختصرة عن أنظمة روسيا الصاروخية الباليستية وفرط الصوتية:

ـ الصاروخ أفانغارد: كشفت عنه روسيا في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019، ومكون من صاروخ باليستي عابر للقارات، ومركبة انزلاقية ذات سرعات فرط صوتية، يبلغ وزنه حوالى 100 طن، وتبلغ حمولة إطلاقه 4.5 طن، كما تبلغ سرعته 20 ضعفاً من سرعة الصوت، أي 9 كيلومترات في الثانية الواحدة، وعليه فإنه قادر على قطع المسافة من موسكو إلى نيويورك في 13 دقيقة، ويمكن أن يحمل رؤوساً نووية، وتوجيهه بكل ثقة بما يضمن أمن روسيا لعقود طوال.

ـ كينجال، وتسيركون: يعد الصاروخ "كينجال" من أحدث الصواريخ  الباليستية الروسية، يُطلق جواً، وهو ذو سرعة كبيرة "فرط صوتية"، وكُشف عنه عام 2018، ومداه 2000 كيلومتر، وتطلقه طائرات "ميغ 31 كا".

أما "تسيركون" فهو صاروخ فائق السرعة يمكنه أن يطير بسرعة تزيد على عشرة آلاف كيلومتر في الساعة إلى مسافة تزيد على 500 كيلومتر، وهو مخصص لمكافحة بوارج العدو.

ـ الصاروخ الجهنمي سارامات: يمكن النظر إلى هذا الصاروخ بنوع خاص بمعزل عن بقية ترسانة روسيا الصاروخية، ويطلق عليه الصاروخ الجهنمي، حيث تبلغ سرعته 25 ألف كيلو متر في الساعة، أي 7 كيلومترات في الثانية الواحدة، ويصل مداه إلى 18 ألف كيلومتر، أما وزنه الأولي فيصل إلى 208.1 طن، بينما يستطيع حمل شحنة تصل إلى 10 أطنان، إضافة إلى ذلك فإن وزن الوقود يصل إلى 178 طناً، ويصل طوله إلى 35.5 متر، وقطره ثلاثة أمتار، ويتمتع برأس حربي قابل للانفصال، ويستطيع حمل 16 رأساً نووية، تمثل كمية تكفي لتدمير مساحة دولة مثل فرنسا، أو واحدة من أكبر الولايات الأميركية مثل تكساس.

هل تتوقف تجارب روسيا الصاروخية؟

بالقطع لا، فقد ذكرت صحيفة "ذا صن" البريطانية في 29 يونيو الفائت، أن روسيا أطلقت سلاحاً صاروخياً باليستياً غامضاً من قاعدة بليستيك الفضائية في شمال غربي البلاد، وأشارت تقارير إعلامية روسية إلى أن الصاروخ الذي أطلق عليه "كيدر"، تم تطويره من قبل معهد موسكو للتكنولوجيا الحرارية، وسيجري إنتاجه بنسختين الأولى هي النسخة المتنقلة على الطرقات، والنسخة الثانية التي تطلق من صوامع في الأرض... ما الذي تعنيه تجربة الصاروخ "كيدر"؟

المؤكد هو أن روسيا تقوم بعملية إحلال وتبديل، بهدف الحصول على ترسانة صاروخية نووية جديدة، أقل تكلفة وأكثر فعالية في مواجهة الأعداء، وفي هذا الإطار يمكن فهم ما كشفت عنه مجلة "ميليتاري واتش" الأسبوع الفائت، من أن هناك خطراً في سوريا يشكل تهديداً  لحلف الأطلسي وأوروبا عموماً، وذلك بعد نشر روسيا منظومة  صواريخ طويلة المدى في قاعدتها الجوية بحميميم، على الساحل السوري من نوعية "كينجال".

أين تقف الولايات المتحدة الأميركية من صراع وسباق الصواريخ الذي ضرب العالم أخيراً؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

درع أميركا الصاروخي... الداخل والخارج

تكاد إشكالية الولايات المتحدة مع الصواريخ أن تضحى مزدوجة، بمعنى أن عليها أن تتعاطى مع درعها الصاروخي على مستويين، الداخل الأميركي أولاً، والخارج ثانياً، حيث الأهداف الاستراتيجية  الأميركية المنتشرة في كافة أرجاء العالم.

في عددها قبل الأخير، كانت مجلة "ناشيونال أنترست" الأميركية تكشف أبعاد المأزق الأميركي، ذلك أن وزارة الدفاع "البنتاغون"، تركز بصورة كبيرة على امتلاك درع صاروخي يمكنه التصدي للصواريخ الباليستية التي يمكنها الوصول إلى الأراضي الأميركية، وهو ما يعني إهمال تهديدات أخرى ملحة مثل الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة التي يمكنها الوصول إلى القواعد الأميركية في الخارج.

تتبدى المفارقة المثيرة للدهشة في أنه بينما تخشى واشنطن من عدد صغير من صواريخ كوريا الشمالية الباليستية، التي يمكن أن تصل إلى  الساحل الغربي لأميركا، فإن جزيرة غوام غرب المحيط الهادي،  التي تعد أكبر حاملة طائرات أميركية ثابتة في المحيط، توجد فيها مطارات عسكرية وموانئ وقواعد إمداد للقوات الأميركية، يمكن استهدافها بوابل من الأسلحة الموجهة، التي تمتلك روسيا والصين ترسانات ضخمة منها.

ولعل شيئاً ما لا تعلن عنه واشنطن بوضوح في إطار حرب الصواريخ، شيئاً يمكن أن يقودنا إلى أن واشنطن ماضية قدماً في نشر ترسانتها الصاروخية في الفضاء وليس على الأرض.

في أوائل يناير (كانون الثاني) الماضي، صرح قائد القيادة  الاستراتيجية للولايات المتحدة تشارلز ريتشارد، بأن عملية إطالة حياة الصواريخ الاستراتيجية أصبحت غير فعالة من ناحية التكلفة، إضافة إلى استحالة القيام بهذه الخطوة نتيجة قدم الصواريخ، لدرجة أنه في بعض الحالات لم تعد الرسومات الفنية على الصواريخ موجودة.

هل يعني ذلك أن واشنطن سوف تتخلى عن ترسانتها الصاروخية التي تمثل درعها الواقي ضد روسيا وصواريخها الفرط صوتية، والصين وحائطها الصاروخي تحت الأرض، عطفاً على صواريخ كوريا الشمالية المثيرة للقلق؟

الشاهد أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، قد أثبتت قيمتها الحقيقة، فقد أكد الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي، أن مبادرة بلاده بوضع ترسانتها من صواريخ مينيتمان النووية العابرة للقارات في حالة تأهب في اليوم الذي اكتشفت فيه أن الاتحاد السوفياتي حشد صواريخه النووية في جزيرة كوبا، كانت بمثابة الورقة الرابحة التي وضعت حداً لأزمة الصواريخ الكوبية الشهيرة، دون التسبب في اندلاع  نزاع مسلح أو وقوع كارثة.

يعني ذلك أن واشنطن فقط ربما تغير طريقة توزيع صواريخها الباليستية، فعوضاً عن البر، سيكون البحر هو البديل، وهذا ما أكدته  مجلة "ميليتاري واتش"، إذ نبهت إلى أن واشنطن سوف تعتمد على ترسانة كبيرة من الغواصات القادرة على إطلاق صواريخ باليستية  عابرة للقارات.

على أن خبراء آخرين يتوقعون أن تحل قاذفة الشبح الأميركية الجديدة  "بي 21" إشكالية تقليص صواريخ البر، حيث ستحل محل القاذفات القديمة، ما يمكن أن يعوض عن نقص الصواريخ الاستراتيجية الباليستية.

غير أن ما لم يكشف عنه النقاب حتى الساعة في الداخل الأميركي، وما يزال محاطاً بالسرية المغرقة، مرتبط ببرنامج واشنطن  الصاروخي خارج الكرة الأرضية، بخاصة شبكة الليزر، التي تعد مساراً تقدمياً للحفاظ على الردع الأميركي عند أعلى نقطة ممكنة تقنياً، ومن خلال مراقبة مدارات الأرض، والإنذار المسبق لجهة أي تهديدات، وتالياً النفقات الأقل، والتطوير المستمر بعيداً عن الأعين.

وفي الخلاصة، يصعب على المرء التنبؤ بمستقبل هذا الصراع، ومآلاته، لا سيما وأن حائزي الصواريخ الباليستية أكثر من الذين أشرنا إليهم في السطور المتقدمة، وعليه فإن الآمال التي علقها البعض على عالم أكثر سلماً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واتفاقيات تقليص عدد الأسلحة النووية عند روسيا وأميركا، تبدو وكأنها  تبخرت، فسباق التسلح النووي الصاروخي الجديد يفيد بأن السلم والأمن الدوليين مهددان بشكل يتجاوز ما عرفته الإنسانية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بل الأكثر مدعاة للقلق هو انتشار تلك الأسلحة الصاروخية على مستويين، كمي وكيفي.

المزيد من تقارير