تواجه تونس وضعاً حرجاً يهدد المنظومة الصحية بكاملها، بينما تتسع الخريطة الوبائية لتشمل المناطق كلها، مع ارتفاع عدد الإصابات وتجاوز عدد الوفيات 15000 حالة منذ بداية الجائحة.
هذا الأمر جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي على الرغم من التباعد السياسي الذي حكم المرحلة الماضية.
وأفاد المدير العام للهياكل الصحية العمومية في وزارة الصحة نوفل السمراني، بأن الوزارة اضطرت إلى نقل عدد من المصابين بـ"كوفيد- 19" إلى مستشفيات خارج إقليم تونس الكبرى بسبب امتلاء الأسرة في مستشفيات كل من تونس ومنوبة وبن عروس وأريانة، مؤكداً أن المنظومة الصحية توشك على الانهيار أمام التدفق الكبير للمرضى.
وأوضح السمراني، الاثنين 5 تموز (يوليو) 2021، أن "منظومة الصحة العامة لا يمكن أن تصمد أمام ارتفاع حصيلة الإصابات اليومية المسجلة حالياً، واحتمال انهيارها وارد قريباً كنتيجة للتدفق الكبير لأعداد المصابين بالفيروس، بمعدل لا يقل عن 100 مصاب يومياً في حاجة إلى الإيواء في المستشفيات، وتتراوح مدة علاجهم من 10 أيام إلى أسبوعين".
وأكد أن المستشفيات العامة وصلت إلى أقصى قدرتها وطاقة استيعابها، بعد الترفيع في عدد الأسرة الخاصة بالإنعاش والأوكسجين، مشدداً على أن عدم كسر حلقات العدوى ينذر بانهيار المنظومة الصحية.
اجتماع طارئ
ودفع تدهور الوضع الصحي في البلاد، رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى عقد اجتماع طارئ، مساء الاثنين 5 يوليو في قصر قرطاج، حضره رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزي وقيادات عسكرية وأمنية ومدير معهد باستور.
واعتبر سعيد أن المسؤولية تقتضي اليوم اتخاذ إجراءات جديدة، لافتاً إلى أن التدابير السابقة غير ناجعة وأن الحجر الصحي الشامل في كامل الجمهورية غير ممكن في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
وأضاف أن "تونس في حالة حرب، وقد خسرت معركة، لكن لا بد من الانتصار في هذه الحرب بالإمكانيات الذاتية وبالإرادة".
وقرّر رئيس الجمهورية تكثيف العمل الدبلوماسي للتسريع في عملية جلب اللقاحات للوقاية من "كوفيد "19، وتقسيم البلاد إلى أقاليم بحيث يضم كل إقليم ولايتين (محافظتان) أو أكثر بحسب حالات العدوى لكل 100 ألف ساكن خلال 14 يوماً، وتأليف فرق عمل مكوّنة من القوات المسلحة العسكرية والأمنية والمؤسسات الصحية، تكون تحت قيادة موحدة بإشراف المدير العام للصحة العسكرية، لتكثيف عمليات التطعيم بحسب توصيات اللجنة العلمية للقاحات.
عزل المناطق الموبوءة
قرارات اعتبرها عضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا الدكتور محجوب العوني، مهمة ومحاولة للتحكم في انتشار الوباء، لافتاً إلى أن محاصرة البؤر المصابة هي إجراء معمول به منذ فترة بالاعتماد على مؤشرات ومقاييس علمية، لعزل الجهات والمعتمديات الموبوءة، من أجل ضبط الحالات المصابة وإجراء التقطيع الجيني للفيروس في تلك المنطقة، وتحديد نوعية السلالة ومدى خطورتها والتقصي بشأن مجالات انتشار الفيروس.
وإذ رأى أن المشكلة ليست في تقسيم البلاد إلى أقاليم فحسب، سأل عن الإضافة المرجوّة من هذا الإجراء، خصوصاً أن عمليات محاصرة الوباء تتم من خلال عزل المناطق الموبوءة والتحكم في انتشار الفيروس، ما يعني ضمناً تقسيم تراب الجمهورية إلى مناطق مصابة بدرجة عالية ومناطق أقل خطورة ومناطق سليمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشرح عضو اللجنة العلمية أن استراتيجية الحكومة تقوم على مسارين متوازيين للحدّ من انتشار الوباء، المسار الأول يعتمد على إجراءات وقائية، على مستوى الأفراد والمجموعات، وعلى مستوى القطاعات، في مختلف اختصاصاتها، من خلال وضع بروتوكول صحي يتماشي وخصوصية كل قطاع.
ولفت إلى أن الخلل يكمن في عدم متابعة تطبيق هذه البروتوكولات وحضّ المواطنين على التزام هذه الإجراءات.
وقال إن ما وصلت إليه تونس من وضع صحي كارثي، هو نتيجة لا مبالاة المواطنين بخطورة انتشار العدوى وعدم تقيّدهم بالتدابير المتخذة.
وأضاف أن المسار الثاني هو التعجيل باللقاحات، للحدّ من انتشار الفيروس واكتساب مناعة جماعية توقف تفشيه.
ونوّه العوني بقرار رئيس الجمهورية، تعزيز الإطار الطبي وشبه الطبي بالمتخرجين الجدد، مشيراً إلى الإرهاق الكبير الحاصل في صفوفهم، نتيجة الجهود الإضافية التي يبذلونها في مواجهة الوباء، ووسط ظروف عمل غير ملائمة ونقص في التجهيزات الطبية.
اللقاحات
في غضون ذلك، اتخذ المشيشي، الثلاثاء، جملة من الإجراءات لمواجهة جائحة كورونا، منها الترخيص لـ 840 عقد خدمات إضافي للمستشفيات الميدانية، والتوقيع على صفقة اقتناء ألف مكثّف أوكسيجين، وأخرى للحصول على 3.5 مليون جرعة من لقاح "جونسون أند جونسون" ذي الجرعة الواحدة، إضافة إلى تخصيص اعتماد عاجل وإضافي من موازنة الدولة بـ 300 مليون دينار (100 مليون دولار) لتمويل القطاع الصحي العمومي، من تجهيزات وأدوات طبية ومواد استهلاكية.
ويُعتبر لقاء سعيد والمشيشي وعدد من الوزراء في ظرف صحي صعب تمرّ به تونس، مؤشراً إيجابياً إلى توحيد جهود الدولة لمواجهة الوباء، إلا أنه خطوة تأخرت كثيراً في تقدير النائب السابق هشام الحاجي، الذي دعا إلى مزيد من التنسيق بين مؤسسات الدولة للتصدّي لكورونا.
وشدد على ضرورة تسخير كل موارد الدولة لتوفير اللقاحات للشعب التونسي، محمّلاً المسؤولية الكاملة للحكومة التي تأخرت في اقتناء ما سمّاه "جرعات الأمل" للمواطنين الذين باتوا يصارعون الوباء وحدهم.