أصدرت وزارة الخزانة البريطانية، الجمعة، الإطار العام لمراجعة شاملة للقواعد والقوانين واللوائح المنظمة لحي المال والأعمال في العاصمة البريطانية (سيتي أوف لندن) بهدف التخلي تماماً عن المعايير الأوروبية للقطاع المالي، فيما وصفه وزير الخزانة ريشي سوناك بأنه انطلاقة جديدة "للسيتي".
وعلى الرغم من أن صادرات الخدمات المالية البريطانية تدر على بريطانيا دخلاً سنوياً بنحو 77 مليار دولار (56 مليار جنيه إسترليني) فإنها ظلت خارج مفاوضات اتفاق "بريكست" العام الماضي. ومنذ خرجت بريطانيا رسمياً ونهائياً من الاتحاد الأوروبي في أول يناير (كانون الثاني) هذا العام، منحت المفوضية الأوروبية بريطانيا حلاً مؤقتاً يسمى "جواز سفر المعادلة" لقطاع الخدمات المالية بما يسمح ببعض المعاملات وليس كلها إلى حين التوصل لاتفاق نهائي بشأن الخدمات المالية.
لكن الواضح أن بريطانيا تخلت تقريباً عن اتفاق "المعادلة" المؤقت وبالتالي اعتبرت التوصل لاتفاق دائم مع أوروبا بشأن القطاع المالي في حكم الملغي. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية رأى البريطانيون أن الاتفاق المؤقت فشل في الحد من خسائر "السيتي" أو تفادي المشاكل التي أدت إلى هروب مؤسسات مالية دولية من الحي المالي إلى عواصم أوروبية.
انطلاقة جديدة
في كلمته السنوية أمام كبار رجال المال والأعمال في المناسبة السنوية المعروفة باسم "خطاب مانشن هاوس"، الخميس، قال ريشي سوناك، إن ما يسمى اتفاق المعادلة مع أوروبا "لم يحدث". وأضاف "الآن، نتحرك نحو المستقبل ونحن مستمرون في التعاون في مسائل القطاع المالي العالمية ولكن بإرادة سيادية مستقلة ولكل طرف أولوياته... الآن لدينا الحرية لنتصرف بشكل مختلف وأفضل، وننوي استغلال تلك الحرية".
فعلى مدى الأشهر الستة الماضية، بعد "بريكست"، انتقلت عمليات تداول مشتقات استثمارية بمعدل يقترب من 10 مليارات دولار (8 مليارات يورو) يومياً من "سيتي أوف لندن" إلى أمستردام وباريس. وذلك بسبب القواعد الأوروبية المتعلقة بتداول الأسهم والمشتقات في بلد إصدارها. ويقدر حجم سوق تلك المشتقات الأوروبية بنحو 20 تريليون دولار. كما انتقلت عمليات إدراج كثيرة من لندن إلى فرانكفورت ونيويورك، كما تراجعت حصة سوق لندن من التداولات العالمية في المشتقات مع انتقال المتداولين فيها إلى أسواق أخرى بعد "بريكست".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما خطة التطوير التي تقع في 76 صفحة بعنوان "فصل جديد للخدمات المالية" فتتضمن تفصيلات للتغييرات في القواعد والقوانين البريطانية، التي ظلت متسقة مع اللوائح الأوروبية، بهدف تعزيز العلاقات المالية مع الاقتصادات الصاعدة في العالم مثل الصين والهند والبرازيل، على الرغم من أن الحديث عن الصين يتعارض ظاهرياً مع الخط المتشدد لحزب المحافظين الحاكم تجاه بكين حالياً.
وفي هذا السياق، قال سوناك في كلمته، الخميس، إن هناك حلولاً وسطاً فيما يتعلق بالصين بين وجهتي نظر متطرفتين: قطع العلاقات، أو التركيز فقط على الفرص التجارية بغض النظر عن المبادئ. وأضاف وزير الخزانة "يفتقد الجدل حول الصين إلى هذا الخط الرفيع... فكلا الموقفين لا يعكس بشكل جيد حقيقة علاقاتنا مع بلد كبير ومعقد ذي تاريخ طويل. فالحقيقة أن الصين واحد من أهم الاقتصادات في العالم، وفي الوقت نفسه دولة ذات قيم مختلفة تماماً عن قيمنا. لذا نحتاج إلى علاقة متوازنة وعاقلة معها".
تفاصيل التغيير
تتضمن خطة تطوير القطاع المالي إجراءات واسعة النطاق تشمل تغييراً لكل اللوائح والقواعد التي تتسق مع حزمة القوانين الأوروبية (ميفيد)، وتشمل قواعد وشروط الإدراج في البورصة وتنظيم تداول الأسهم والسندات والسلع وكذلك قطاع التأمين. ومن أهم تلك القواعد التحرر من التقييد الذي تفرضه أوروبا على البنوك في تداول الأسهم والمشتقات لعملائها خارج البورصة.
كما أعلنت وزارة الخزانة عن خطط تلزم البنوك والمؤسسات المالية بتوفير منافذ صرف كافية لضمان قدرة السكان على الحصول على النقد، بخاصة هؤلاء الذين لم يلحقوا بقطار التعاملات الرقمية ويحتاجون إلى النقد من حساباتهم.
وبالنسبة إلى قطاع التأمين، تتضمن المراجعة البريطانية الأخذ بتوصيات القطاع الذي يعتبر القواعد الأوروبية في غاية الجمود. ويشمل التغيير التحرر من المتطلبات المفروضة على شركات التأمين لتغطية هامش المخاطر. وسبق أن ذكر اتحاد شركات التأمين في بريطانيا أن التحرر من القواعد الأوروبية الصارمة سيسمح للشركات باستخدام ما يصل إلى 130 مليار دولار (95 مليار جنيه إسترليني) من أصولها للاستثمار في مجالات لم تكن اللوائح الأوروبية تسمح بها.
وجاءت ردود الفعل من قيادات القطاع المصرفي البريطاني والمؤسسات المالية الكبرى في حي "السيتي" بما فيها شركات التأمين على خطة التغيير للقطاع المالي إيجابية. ورأى كثير من هؤلاء في مقابلات مع وسائل الإعلام البريطانية أن التطور بعد "بريكست" يوفر فرصاً هائلة للقطاع المالي البريطاني.