Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكم بسجن قاتل جورج فلويد يجب أن يكون القاعدة لا الاستثناء

مقتل فلويد وإصدار الحكم على قاتله ديريك شوفين هما جزء من الإشكالية المستمرة في الولايات المتحدة في ما يتعلق بالعرق وإنفاذ القانون

جدارية تصور جورج فلويد في حي بروكلين بمدينة نيويورك (غيتي)

الحكم بالسجن لمدة 22 سنةً ونصف السنة على الشرطي ديريك شوفين، بتهمة قتل المواطن الأميركي جورج فلويد، يُعد إحدى أطول العقوبات التي جرى فرضها على الإطلاق في الولايات المتحدة، ضد الاستخدام غير القانوني والمميت للقوة، من جانب عنصر في الشرطة.

لكن هذا المثال عن المساءلة يشكل في الوقت الراهن الاستثناء، في حين ينبغي أن يكون القاعدة، خصوصاً لجهة وفاة مواطنين سود بأعداد غير متناسبة على أيدي قوى الشرطة الأميركية التي غالباً ما تفلت من تحمل التبعات.

وكان شوفين العنصر السابق في شرطة مينيابوليس قد أسندت إليه في أبريل (نيسان) الفائت، تهم القتل غير العمد [غير المتعمد] من الدرجة الثانية، والقتل من الدرجة الثالثة، والقتل غير العمد من الدرجة الثانية، بعدما ضغط بركبته على رقبة ضحيته لمدة 9 دقائق و29 ثانية. وقد عبر له فلويد مراراً عن عدم قدرته على التنفس، متوسلاً إياه أن يخفف الضغط عنه، إلا أنه لقي حتفه في نهاية الأمر.

القاضي بيتر كيهيل الذي أصدر الحكم توجه في كلمته أمام المحكمة إلى أفراد أسرة الضحية فلويد قبل إعلان قراره يوم الجمعة قائلاً، "إنني أتفهم الألم الذي يختلج صدوركم وأشعر به". وأوضح لهم أن حكمه لم يكن مبنياً على "العواطف أو التعاطف". وأضاف كيهيل أن قراره في القضية لم يستند أيضاً إلى ما يطلبه الرأي العام.

وفي المقابل، أبلغ القاضي كيهيل، ديريك شوفين أن قراره استند إلى "استغلاله لمنصب يقوم على الثقة ويتسم بالسلطة، خصوصاً لجهة القسوة الفاضحة التي أظهرها حيال جورج فلويد"، كما هو مبين بالتفصيل في مذكرة الاتهام التي تضم 22 صفحة، سردت الوقائع المنطقية التي بنى القاضي قراره على أساسها.

تجدر الإشارة إلى أن العقوبة النموذجية لجريمة من هذا النوع، تصل في العادة، مع الأخذ في الاعتبار التاريخ الجنائي للعنصر السابق في الشرطة، إلى 12 سنة ونصف السنة، ما يعني أن القاضي أضاف فعلياً عليها 10 سنوات.

إلا أن الادعاء كان قد طالب لشوفين بالعقوبة القصوى القانونية التي تبلغ 40 عاماً. وفي تعليقٍ من شقيق جورج فيلونيز فلويد، قال للمحكمة، "لقد حُكم على أسرتنا وعلي أنا بعقوبة مدى الحياة، إذ لن يكون في مستطاعنا إعادة جورج إلينا على الإطلاق". ومن هذا المنطلق، أعرب بعض الناشطين عن خيبة أملهم من مدة السجن في الحكم الصادر على الجاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإضافة إلى العقوبة بالسجن، تعين تسجيل ديريك شوفين على أنه "مجرم متوحش"، بالتالي لن يُسمح له بحمل أسلحة نارية مدى الحياة. وفيما أمضى حتى الآن 199 يوماً في السجن، فإن هذا الرجل البالغ من العمر 45 سنة، قد يتمكن في حال إثبات حسن السلوك، من مغادرة السجن بعد نحو 15 عاماً على أساس إطلاق سراح مشروط، بحيث يكون قد أمضى ثلثي فترة عقوبته، بحسب ما علمته صحيفة "اندبندنت".

ويُعد هذا الحكم بالنسبة إلى كثيرين، محطةً يتعين الوقوف عندها والإقرار بها وليس الاحتفال بها. ففي الولايات المتحدة يُقتل نحو ألف مدني كل سنة على أيدي عناصر إنفاذ القانون، في وقت أن الأشخاص من أصول سوداء هم أكثر عرضةً بمرتين من ذوي الأصول البيضاء، للقتل على أيدي أفراد الشرطة.

وتشير الأبحاث كذلك إلى أن احتمال سقوط السود العزل برصاص الشرطة هو ضعف نسبة نظرائهم من البيض.

وفي الواقع إنه لأمر مؤثر، أن يتزامن إصدار الحكم على شوفين مع الذكرى التاسعة عشرة لميلاد تامير رايس، الفتى الأسود الذي كان في الثانية عشرة من عمره عندما قضى قتلاً بإطلاق النار عليه في أوهايو، من جانب تيموثي لومان الشرطي الأبيض، الذي لم يواجه أي اتهاماتٍ جنائية على الإطلاق.

أما العناصر في قوى إنفاذ القانون المسؤولون عن وفاة بريونا تايلور وفيلاندو كاستيل ودونتي رايت من بين كثيرين آخرين، فلم يُحاسبوا بالطريقة نفسها (التي عوقب بها شوفين). وهذا الواقع، يؤكد أيضاً النداء المدوي الذي أطلقه مدافعون عن المساواة، والذي يطالب بوضع سياسات من شأنها أن تحدث تحولاً في نظام العدالة الجنائية المعتمد في الولايات المتحدة، وأن تساعد في استعادة الثقة بين المجتمعات المهمشة في البلاد وقوى الشرطة.

وعلى تلك الخلفية، لا بد من الإشارة إلى أن السكان من العرق الأسود يتعرضون بشكل غير متناسب للتوقيف من جانب الشرطة ولاستخدام القوة ضدهم، مقارنةً مع آخرين ينتمون إلى أعراق أخرى، وقد أدت سياسات الانحياز المعتمدة في السجلات الإدارية للشرطة، إلى تكريس هذا التحيز العنصري في أداء قوى الشرطة مهامها.

وفي وقت رحب فيه كثيرون بنتيجة محاكمة ديريك شوفين، إلا أن مشكلة العنصرية المؤسسية داخل أجهزة الشرطة في الولايات المتحدة تبقى من دون حل، في حين أن حلقة الوحشية الممارسة على مستوى الدولة والمستمرة منذ قرون ضد السود ما زالت قائمة.

كما أن هذه النتيجة لا يمكن أن تكون بديلاً لسن تشريعات من شأنها أن تؤمن الحماية لجميع الذين يحتاجون إليها. فعلى سبيل المثال، إن مشروع "قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة"George Floyd Justice In Policing Act (يحظر سياسة الخنق وينهى عما تُسمى "الحصانة المؤهلة" لأفراد قوات إنفاذ القانون) الذي تم اقتراحه في عام 2020 والمعروض الآن على مجلس الشيوخ، يهدف إلى الحد من الاستخدام غير الضروري للقوة من جانب أفراد الشرطة. ويقترح من بين أمور أخرى، إنشاء سجل وطني لجمع البيانات المتعلقة بالشكاوى، ورصد تصرفات سوء السلوك من قِبل عناصر الشرطة.

وفي المقابل، يواجه شوفين الآن اتهامات فيدرالية، تأمل أسرة فلويد في أن تسفر عن تطبيق أقصى عقوبة بالسجن له، يمكن أن تصل إلى 40 عاماً أو إلى أن تكون مدى الحياة.

وكانت محكمة ولاية مينيسوتا قد أصدرت يوم الجمعة الفائت حكماً بالإعدام بتهمة القتل العمد، لكن الجريمة التي يرتكبها أحد عناصر إنفاذ القانون أثناء أدائهم لواجبهم تُعد جريمةً فيدرالية.

أما زملاء شوفين، العناصر السابقة في شرطة مينيابوليس وهم، تو ثاو، ووج، وألكسندر كونغ، وتوماس لين، فسيواجهون جميعهم اتهامات فيدرالية بانتهاك الحقوق المدنية في وفاة جورج فلويد. إضافةً إلى ذلك، سيواجه هؤلاء أيضاً تهماً بإبداء "لامبالاة متعمدة لاحتياجاته الطبية الخطيرة". ولم يحدد موعد بعد لمحاكمة شوفين.

السجلات السابقة لطالما أظهرت حرمان السود في الولايات المتحدة وأيضاً في المملكة المتحدة، من الخدمات التي يستحقونها، بحيث أن احتمالات وفاة هؤلاء في سجون الشرطة البريطانية تبلغ ضعفي حالات الوفاة عند البيض.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أدين بنجامين مونك أحد عناصر الشرطة من ويست ميرسيا، بقتل لاعب كرة القدم السابق داليان أتكينسون، وهو رجل أسود، بعد ركله وصعقه غير مرة. ويُعد مونك أول شرطي يدان بجريمة القتل أو القتل العمد، بعد حدوث وفاة في أحد المخافر أو في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة في إنجلترا وويلز، منذ حوالى 35 عاماً.

وقبل أيام من مقتل جورج فلويد في مايو (أيار) 2020، توفي سيميون فرانسيس، وهو رجل أسود يبلغ من العمر 35 سنة، في سجن شرطة "ديفون أند كورنوال".

وفي المقابل، قامت محكمة بتبرئة الرقيب غيرينت جونز الذي ينتمي إلى الوحدة نفسها، من تهمة جنائية، بعد تبادل رسالة إباحية بينه وبين عناصر آخرين في الشرطة عبر تطبيق "واتساب"، تناولت اعتقال جورج فلويد.

وفي الخلاصة، إن مقتل جورج فلويد وما تلاه من أحكام، ما هما إلا جزء من إشكاليات مستمرة تتعلق بالعرق وإنفاذ القانون، وهما غير مسبوقين في التاريخ الحديث. لكن تأثير هذا المنحى لم تضح معالمه بعد.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل