البشر ككائنات على كوكب الأرض هم آكلو لحوم وخضراوات، لكن هناك في العالم أنواعاً من النباتيين، الذين لا يأكلون سوى الخضراوات، وبعضهم لا يأكل أياً من منتجات الحيوان مثل البيض والحليب والألبان على أنواعها، والأسماك والحيوانات البحرية كلها. ولهؤلاء جمعيات حول العالم تدعو الجميع إلى مجاراتهم في التوقف عن أكل اللحوم، ولكل فريق حجته.
نضال النباتيين
بعض الناس يعتبر أن قتل الحيوانات وأكلها ليس عملاً إنسانياً، وآخرون يعتبرون أن الحيوانات عند أكلها تفرز هرمونات الخوف والقلق، وحين نأكلها تدخل هذه الهرمونات في أجسادنا، فتحوّل البشر إلى كائنات قلقة ومتوترة. وهناك مجموعات من النباتيين تعتبر أن كل ما نحتاج إليه من الفيتامينات موجود في كل أنواع الخضراوات، أما القول إن اللحم يؤمِّن البروتين للجسم فهي "خرافة كبيرة"، على حد قولهم، لأن البروتين موجود في العدس وكل أنواع البقول، وفي الحبوب التي تُقدم للحيوانات الداجنة التي تبلغ مليارات الأطنان سنوياً. وهؤلاء النباتيون لم يكتفوا بالدعوة إلى ما يقتنعون به، بل نظموا التظاهرات والتحركات في كثير من العواصم العالمية، بهدف حماية الحيوانات من الذبح والقتل لأكلها. وقد ساعدتهم في ذلك مجموعة كبيرة من الفنانين والممثلين، وكان على رأسهم بريجيت باردو الممثلة الفرنسية الشهيرة في فترة الخمسينيات والستينيات. وهؤلاء من المتعصبين لقضيتهم الذين يعتبرون أن "قتل الحيوانات لأكلها جريمة بشعة ويجب أن تتوقف".
نظام غذائي نباتي
ماذا لو تحوّل البشر جميعاً ودفعة واحدة إلى نباتيين؟ ما الذي سيحدث للنظام الغذائي على الكرة الأرضية؟ وكيف سيكون التعامل مع الحيوانات الداجنة التي ستتكاثر في أنحاء العالم؟ وكيف سُيوزع الغذاء النباتي على الجميع؟ وكيف أن هذا التحوّل في النمط الغذائي سيؤثر في صحة البشر؟
الساخرون من مثل هذه الدعوات يعتبرون أن فتح بوابات المزارع حول العالم لـ3.5 مليار حيوان داجن و19 مليار دجاجة، هو "عمل غريب"، لأن معظم هذه الحيوانات ستموت جوعاً أو تأكلها حيوانات مفترسة.
ويرى رجا لوكي الباحث في موقع "بي بي سي المستقبل"، أن إنتاج الغذاء من تربية الحيوانات الداجنة مسؤول عن ربع إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومعظمها من الأبقار التي تتجشأ غاز الميثان بسبب اجترارها الأعشاب، ويخرج أيضاً غاز الميثان من مخلفاتها بكمية كبيرة جداً. وفي رأيه، فإن التوقف عن تربية هذه الحيوانات في المزارع من شأنه أن يقلّل من أعدادها إلى درجة أنه يقلّص كمية غاز الميثان في الجو بدرجة 28 في المئة. لكن مخالفي هذا الرأي يعتبرون أن الحيوانات الداجنة من الأبقار والخنازير والدجاج لو تركت في البرية ستتكاثر بشكل طبيعي، ما سيُبقي نسبة الميثان على حالها أو ربما ترفعها. وفق الباحث لوكي، في الوقت الحالي يتم استخدام 68 في المئة من الأراضي الزراعية في العالم من أجل تربية الماشية ورعيها، وأن زراعة خُمس هذه المساحة بالمحاصيل من شأنها أن تنتج الكمية نفسها من الغذاء التي كانت تنتج لصالح الماشية، ولكن لصالح البشر هذه المرة. وسيترك هذا 26 مليون كيلومتر مربع فائضة، أي مساحة تبلغ 1.5 مرة مساحة روسيا، التي يمكن زراعتها بالأشجار وتحويلها إلى غابات لتحسين التنوّع البيولوجي على كوكب الأرض.
أما إذا تخلينا جميعاً عن أكل اللحوم فسيقل عدد الوفيات بنحو ثمانية ملايين شخص كل عام، نتيجة انخفاض مستويات أمراض القلب والسكتات الدماغية والسرطان، التي تسببها الهرمونات والفيتامينات الموجودة في طعام الحيوانات وكذلك الدهون الموجودة في اللحم. لكن معظم المحاصيل تحتوي على مستويات أقل من المغذيات الدقيقة للسعرات الحرارية مقارنة باللحوم، لكن الرد على مثل هذا الاقتراح يأتي من المدافعين عن أكل اللحوم بأن الفيتامينات "A" و"B12" و"D" وبعض الأحماض الدهنية الأساسية لا يمكن إيجادها بالكمية المناسبة في النباتات، ولتأمينها يجب تعديل المحاصيل لتجنب سوء التغذية.
رد ورد مقابل
ويتم قتل نحو 200 مليون حيوان داجن من أجل الغذاء كل يوم، وإذا ما احتسبنا الأسماك فسيرتفع العدد إلى نحو ثلاثة مليارات حيوان يومياً. وفي حال أصبحت البشرية نباتية، في رأي النباتيين الأكثر تشدداً، فستنتهي عمليات القسوة على الحيوانات سواء خلال تربيتها وعلفها وتسمينها أو بعد ذلك عند ذبحها وقتلها، وكذلك في صناعات البيض والألبان، إذ تعاني الحيوانات من الاكتظاظ والمعاملة غير الإنسانية وسوء النظافة والمرض ونقص الرعاية الطبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رأي آخر اعتبره بعضهم غريباً ولكنه واقعي، يتحدث عن ترك الحيوانات ترعى على غاربها، وبالتالي ستتكاثر بلا توقف وبلا رقابة وستنتشر وتسيطر على الكوكب. ففي الدول التي تترك الحيوانات ترعى في الأراضي الشاسعة مثل أوروغواي ونيوزيلندا وأستراليا والبرازيل والأرجنتين، فإن أعداد الماشية فيها أكبر من عدد البشر.
لكن الرد على مثل هذا القول يأتي من المدافعين عن الحيوانات، الذين يعتبرون أنها تتكاثر بهذا القدر لأنها تتربى للاستهلاك البشري، أما في الطبيعة فهي لا تتكاثر بالعدد ذاته.
"يبدو أننا نتحوّل إلى نباتيين"
البيانات الصادرة عن شركة "Dairy Farmers of America" في عام 2018، دلّت على خسارة قدرها 1.1 مليار دولار في عائدات صناعة الألبان بسبب التحوّل الكبير إلى النمط الغذائي النباتي. وستُعدل كمية إنتاجها وفقاً لذلك، وسوف ينخفض إنتاج الأغذية الحيوانية تدريجياً كما ينخفض الطلب عليها، ويمكن بعد ذلك أن تنخفض أعداد الحيوانات في مزارعها و"العودة إلى رقم أكثر صحة".
المعارضون للنظام الغذائي النباتي لهم حجتهم أيضاً، بأنه إذا تخلّى الجميع عن اللحوم لصالح الأطعمة النباتية، فلن يكون لدينا ما يكفي لإطعام سكان كوكبنا الذين يتزايد عددهم باستمرار. وهذا مصدر قلق منطقي نظراً إلى وجود أكثر من 7.5 مليار شخص على هذا الكوكب، وبحسب الأمم المتحدة من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 8.6 مليار بحلول عام 2030، و9.8 مليار بحلول عام 2050، و11.2 مليار بحلول عام 2100. وفي الوقت الحالي هناك شخص من كل تسعة أشخاص أي 795 مليون شخص يعانون من سوء التغذية المزمن، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. ولكن الرد على ذلك هو أننا ننتج أكثر مرة ونصف المرة من كمية الطعام اللازمة لإطعام الجميع على هذا الكوكب. وتذهب كميات ضخمة من هذا إلى إطعام الحيوانات في نظام الغذاء بدلاً من الأشخاص المحتاجين.
"توسع النباتيين"
لا يمكن إنكار أن عدد النباتيين يرتفع في العالم، وتتمكن حركة النباتيين التي يقودها جيل من الشباب من ضم عدد كبير من الناس إليها، وبالتالي فإن أعدادهم سترتفع مع الأجيال المقبلة طالما أنهم سينقلون هذه العادات إلى أولادهم وأصدقائهم، جيلاً بعد جيل. وكشف أحد الباحثين الإنجليز، توم ميلنر، أخيراً، أن عدد النباتيين في بريطانيا يتضاعف كل عام منذ عام 2011. وقال إنه إذا حافظت الحركة على زخمها فإن 15 في المئة من مواطني البلاد سيأكلون الطعام النباتي بحلول عام 2030. وأشار ميلنر إلى أن تراجع الطلب بهذه الشدة سيجعل من الصعب جداً استمرار أي نشاط تجاري قائم على المنتجات الحيوانية. وبالطبع فإن زخم هذه الحركة لا يتوقف على المملكة المتحدة، بل جاءت الإحصاءات في كل من أيسلندا وجنوب أفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة وألمانيا عن تزايد عدد الأشخاص الذين يتحولون إلى نباتيين، حتى إن المزارعين يتابعون هذا التغيير. وفي استفتاء في "مؤتمر أكسفورد للزراعة" صوّت 40 في المئة من الحاضرين بأن المستقبل سيعتمد على النباتات في النظام الغذائي للبشر.
لكن في تقرير لصحيفة "اندبندنت" تبين أن الأرقام تؤكد ما جاء في مؤتمر أوكسفورد، وذلك أن الأمر سيحتاج إلى 40 مليون طن من الغذاء للقضاء على أشد حالات الجوع في العالم حدة، وهذا ما يعادل 20 ضعف كمية الحبوب التي يتم إطعامها للحيوانات في المزارع، وغالبية هذه الحبوب من الشوفان والبرسيم والذرة.
وتبين أن إطعام الحيوانات هذه الحبوب غير فعّال من منظور السعرات الحرارية، إذ إننا نحتاج إلى نحو ستة أرطال من الحبوب لإنتاج رطل واحد من لحم الخنزير. وبحسب الدراسات، فإن المحاصيل النباتية تنتج بروتيناً يزيد بنسبة 1900 في المئة على استخدام الحيوانات من أجل الغذاء. وجاء في الدراسة "إن وضع بدائل نباتية لجميع العناصر التي تعتمد على الحيوانات في النظام الغذائي الأميركي سيضيف ما يكفي من الغذاء لإطعام 350 مليون شخص إضافي".
في القرن الـ21 ما زالت الآراء المضادة حول أكل اللحوم أو التحوّل إلى النظام الغذائي النباتي نهائياً، في أوْجِها. وكل فريق يملك حججه الخاصة لدعم أفكاره، وكلها مقنعة، ولكن في السنوات المقبلة حين يرتفع عدد سكان الأرض مليارات أخرى، ربما ستختلف هذه الآراء بشكل أكبر أو ربما ستهدأ هذه المناوشات بشكل طبيعي، إذ سيجد البشر تلقائياً طريقة التغذية الأكثر إفادة وواقعية. وبدأت مختبرات كثيرة حول العالم في إنتاج اللحم الصناعي أو إنبات الخضراوات بطرق مستحدثة، مثل الزراعة المائية التي تحتاج إلى مساحات قليلة جداً من الأرض. والزمن وحده كفيل بالكشف عما سيؤول إليه النظام الغذائي للبشر، وهذا غالباً ما يخضع للعرض والطلب سواء كان العرض لحماً أو خضراوات، أو كان الطلب من اللحم أو الخضراوات أيضاً. ولطالما كانت الأسواق الحرة تعمل على أساس هذه القاعدة.