Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ مساعدات الخليج يحفز احتجاج اللبنانيين على إهانات وهبة

البلد يحتاج إلى "مشروع مارشال" يستحيل إنجاحه من دون مشاركة الدول الخليجية

السفير السعودي في لبنان وليد بخاري مستقبلاً أحد الوفود التي حضرت إلى مقر السفارة لاستنكار تصريحات وهبة (حساب السفير السعودي على تويتر)

يقول دبلوماسي لبناني مخضرم من المحترفين الذين خدموا في عواصم كبرى إن الخطيئة التي ارتكبها وزير الخارجية المنكفئ شربل وهبة بحق المملكة العربية السعودية ودول الخليج توازي بخطورتها مصائب حلت بلبنان، نظراً إلى آثارها الكارثية على البلد ومدى إضرارها باللبنانيين أنفسهم.
ويرى الدبلوماسي المحترف أنه "يجوز تشبيه آثار ما صدر عن وهبة، لو لم يتم تدارك الأمر بتنحيه عن ممارسة مهماته في الخارجية كبادرة اعتذار من الحكم اللبناني إزاء ما تفوه به، بمصيبة جائحة كورونا، وبالانهيار الاقتصادي الذي حل باللبنانيين، أو بآثار انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 ، وغيرها من المصائب التي حلت باللبنانيين في السنوات الماضية".

ما نطق به وهبة يضمره الفريق الرئاسي

يعود هذا التشبيه إلى اقتناع الجزء الأكبر من اللبنانيين بأن هناك نهجاً سياسياً وثقافياً يقف وراء ما تفوه به وهبة من كلام ضد الدول الخليجية، وهو نهج وتفكير الفريق السياسي الحاكم وخياراته السياسية والعقائدية والطائفية، تم التعبير عنه بفجاجة نظراً إلى أن وهبة نفسه ليس من قماشة الذين يمارسون العمل الدبلوماسي كسفير سابق، بل معروف عنه من قبل زملائه في الخارجية اللبنانية رعونته وولاؤه الأعمى لمنطق "التيار الوطني الحر" الذي انحاز منذ أكثر من عقد من الزمن إلى المحور الإيراني. ولذلك رأى أكثر من سياسي ونائب لبناني أن ما نطق به وهبة، هو ما يضمره الفريق الحاكم الحالي برئاسة ميشال عون، الذي يكنّ العداء لدول الخليج بسبب خياراته الإقليمية وانحيازه للمشروع الإيراني في المنطقة منذ أن نجح "حزب الله" في فرضه رئيساً للجمهورية في عام 2016. هذا على الرغم من البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية وجاء فيهه أن وهبة يعبر عن رأيه الشخصي.

تشبيه فعلته بمصائب كورونا والانهيار المالي

لكن تشبيه فعلة وهبة بـ "المصيبة" يعود أيضاً إلى الأضرار المحتملة لتصعيد العداء تجاه دول الخليج، لا سيما على الصعيدين المالي والاقتصادي، في وقت يحتاج لبنان إلى مساعدة أي دولة صديقة أو شقيقة لمواجهة أكبر أزمة في تاريخه جراء انهيار اقتصاده وقطاعه المصرفي وتدهور أوضاع مواطنيه المعيشية يوماً بعد يوم، نتيجة عجز حكامه عن إيجاد الحلول لها بسبب الانقسام السياسي. ويصعب إنقاذ اقتصاد لبنان، الذي يحتاج إلى جهود جبارة، من دون ما يشبه "مشروع مارشال" لإعادة إعماره، يستحيل إنجاحه من دون مشاركة أساسية من دول الخليج العربي.
فضلاً عن ذلك، فإن الكلام المهين الذي تفوّه به وهبة أطلق مخاوف من أن يتسبب برد فعل خليجي حيال اللبنانيين العاملين في دول الخليج والذين تقول التقديرات إن عددهم يقارب الـ400 ألف شخص، ما قد يؤدي إلى قطع أرزاقهم، إلا أن السفير السعودي في بيروت وليد بخاري سارع إلى تبديد تلك المخاوف في تصريحاته، خصوصاً بعد حملة الاستنكار العارمة من كل الأطياف اللبنانية، ومن قبل الجاليات اللبنانية في العواصم الخليجية التي أصدرت فعالياتها بيانات استبقت إقالته، بالدعوة إلى تنحيته، وبعضها طالب بمقاضاته. وأبرز هذه الفعاليات "مجلس التنفيذيين اللبنانيين في المملكة العربية السعودية"، و"مجلس العمل والاستثمار اللبناني في السعودية".
التأزم في علاقات لبنان الخليجية بسبب انحياز سلطته إلى المحور الإيراني، بات يلعب دوراً أساسياً في ما يحيط بالأزمة السياسية الاقتصادية التي يمر بها ذلك البلد. فمنذ خريف عام 2019 واستقالة الحكومة التي كان يرأسها سعد الحريري، وقادة لبنان عاجزون عن إيجاد مخرج من المأزق الحكومي، وعن استعادة حرارة العلاقة مع دول الخليج العربي لتقديم الدعم المالي الذي يحتاجه البلد. وقبل استقالة الحريري كانت السلطات في البلدين هيأت لـ22 اتقاقية استثمارية لو جرى تفعيلها لكانت حرّكت الوضع الاقتصادي. كما أن الحدود السائبة للبنان التي أتاحت استمرار تهريب المخدرات بحمايةٍ من القوى النافذة، ويُتهَم "حزب الله" بتوفيرها للمهرّبين، أدت إلى خسارة المزارعين اللبنانيين تصدير إنتاجهم إلى المملكة بعد اكتشاف الشحنة الشهيرة من ملايين حبوب الكبتاغون إلى أراضيها.

تحويلات اللبنانيين من الخليج

وتشير أرقام صدرت عن البنك الدولي إلى أن تحويلات اللبنانيين من الخارج إجمالاً بلغت عام 2020، زهاء 7 مليارات دولار أميركي، إلا أن جلّها من دول الخليج. وهي انخفضت أواخر العام نفسه وفي العام الحالي جراء الأزمة الاقتصادية، وتتم إما عبر مصارف تسمح بسحب أهالي المغتربين للأموال "الطازجة" (فبعضها يفرض قيوداً)، أو عبر شركات التحويل المالي نقداً، أو عبر نقل بعض الأموال الورقية بالطائرات منذ أزمة السحوبات من المصارف، من قبل المغتربين الذين يزورون أهاليهم، وهي مبالغ يصعب تقديرها.
وتقول مؤسسات لبنانية وتجمّعات رجال الأعمال اللبنانية في السعودية مثلاً إن عدد القوة العاملة اللبنانية الفعلية الحائزة على إقامة عمل في السعودية وحدها يفوق المئة ألف، تُضاف إليهم عائلاتهم، ما يرفع العدد إلى ما بين 250 و 300 ألف لبناني مقيم، حيث أن العائلات تتنقل بين البلدين على مدار السنة.
لطالما اعتمد لبنان تاريخياً، تارةً على الدعم المالي الخليجي لتحقيق نمو اقتصاده أو لمعالجة أزمات يمر بها، فضلاً عن التوظيفات الخليجية التي أسهمت في ازدهار القطاعين المصرفي والعقاري خصوصاً. وشكّل الخليجيون منذ خمسينيات القرن الماضي رافداً أساسياً للقطاع السياحي الذي اشتهر به البلد الصغير القليل الموارد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أرقام المساهمة في إعادة الإعمار بعد حرب 2006

من المحطات البارزة التي اعتمد فيها لبنان على الدعم الخليجي، الشبيهة بالكارثة التي ألمّت به في 4 أغسطس (آب) 2020 (انفجار مرفأ بيروت)، كانت مسارعة دول الخليج إلى التبرع بمبالغ طائلة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية ضد "حزب الله" ولبنان في 6 يوليو (تموز) 2006، حيث قدمت السعودية 734 مليون دولار، والكويت 315 مليوناً، وقطر 300 مليون، وسلطنة عُمان 50 مليوناً، الإمارات العربية المتحدة 13 مليوناً، الصندوق العربي للتنمية 10.37 مليون، ومملكة البحرين 3 ملايين، أي ما يناهز المليار ونصف المليار دولار خُصِصت فقط لإعادة إعمار ما دمره القصف الإسرائيلي حتى في مناطق تواجد وسيطرة "حزب الله" في شكل رئيسي (الضاحية الجنوبية لبيروت، الجنوب والبقاع...)، على الرغم من أن المسؤولين في دول عدة اعتبروا افتعال "الحزب" الحرب مع إسرائيل مغامرة وخطأ لأنه اعتُبِر في حينها خدمة لإيران في ضغوطها على دول الغرب في المفاوضات حول ملفها النووي. هذا فضلاً عن الشاحنات التي وصلت إلى لبنان محملة بالمساعدات أثناء الحرب، عبر البر.

المساعدات عبر باريس 1 و2 و3  

سبق لدول الخليج أن قدمت مساعدات في إطار مؤتمر "باريس- 1" عام 2001، والمبالغ الكبرى كانت في مؤتمر "باريس- 2" عام 2002 وفق مشاريع اقترحتها حكومة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، حيث قدمت السعودية 700 مليون دولار، الصندوق العربي للتنمية 500 مليون دولار، كل من الإمارات والكويت 300 مليون دولار، كل من قطر والبحرين 200 مليون دولار، صندوق النقد العربي 100 مليون دولار، سلطنة عُمان 50 مليون دولار، من أصل 4.4 مليار دولار، إجمالي المبالغ التي قدمتها سائر الدول الغربية والعربية، والهيئات المانحة والصناديق العربية. ثم في عام 2007 إبان حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، شاركت دول الخليج في مؤتمر "باريس- 3" لدعم الاقتصاد اللبناني الذي واجه صعوبات نتيجة حرب يوليو (تموز) 2006، وقدمت ما يفوق المليارين و700 مليون دولار، من أصل 7.5 مليار دولار.

المساعدات الإنسانية بعد انفجار المرفأ وكورونا

وعلى الرغم من أن السنوات العشر الماضية شهدت تراجعاً في العلاقات بين لبنان ودول الخليج، يصعب إحصاء المساعدات الخليجية، التي قُدمت من خلال هبات إنسانية لجمعيات، ومن مؤسسات الإغاثة أو بقروض ميسرة بفائدة متدنية، لتمويل مشاريع إنمائية متفرقة في المناطق اللبنانية كافة عن طريق "البنك الإسلامي للتنمية"، "الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" و"الصندوق الكويتي للتنمية" وغيرها من الهيئات على مدى السنوات الماضية.

كما أن "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" أنفق عشرات ملايين الدولارات في السنوات الأخيرة على المساعدات الإنسانية، التي تكثفت بعد انفجار مرفأ بيروت، ثم خلال جائحة كورونا، وبعد التدهور الدراماتيكي في سعر صرف الليرة خلال الأشهر الماضية، حيث تولى المركز، والسفارتان الكويتية والإماراتية تقديم المساعدات في المناطق الفقيرة في لبنان.

وقف هبة الـ 3 مليارات

من جهة أخرى، يُذكر أنه سبق للرياض في عام 2015، أن أوقفت هبة مالية بـ 3 مليارات دولار أميركي قررها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز عام 2013، لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وسائر الأجهزة الأمنية بأسلحة فرنسية. وبررت الرياض ذلك "نظراً إلى المواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين". وحظرت هذه الدول سفر رعاياها إلى لبنان. والسبب في ذلك كان توالي المواقف المسايرة لإيران من قبل حليف "حزب الله" صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس "التيار الوطني الحر"، وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل في جامعة الدول العربية والمنتديات الدولية الأخرى.

المزيد من العالم العربي