Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجلس حقوق الإنسان في أرمينيا يوضح تفاصيل مقاضاة باكو أمام الجنائية الدولية

تحدث المسؤولون الأرمن لـ "اندبندنت عربية" عن الانتهاكات التي وقعت في إقليم ناغورنو قره باغ خلال الحرب الأخيرة... وأذربيجان تنفي

خلال مائدة مستديرة ضمت مصريين من مجالات عدة، تحدث تاتويان عن الانتهاكات في قرة باغ (مجلس حقوق الإنسان في أرمينيا) 

كشف مسؤولون أرمن عن إعداد ملف يتضمن شهادات ومقاطع فيديو موثقة وصور، وغيرها من الأدلة لرفعها أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد أذربيجان، التي تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد المواطنين الأرمن في إقليم ناغورنو قره باغ، خلال الحرب التي انتهت بسيطرة الجيش الأذري على قرى عدة من الإقليم الحدودي، العام الماضي، مما أسفر عن نزوح سكانها إلى أرمينيا.

وخلال زيارة "اندبندنت عربية" للعاصمة الأرمينية يريفان، مايو (أيار) الماضي، تحدث مسؤولون رفيعو المستوى من أرمينيا وناغورنو قره باغ (أرتساخ) والذين كشفوا عن تفاصيل الملف الذي يجري إعداده من قبل الحكومة الأرمينية، مؤكدين أن الإدانة الدولية وحدها بمقدورها وقف الجرائم ضد الشعب الأرمني، والتي قارنوها بالإبادة الجماعية للأرمن على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

خلال مائدة مستديرة ضمت مصريين من مجالات عدة، سياسية وحقوقية وصحافية، تحدث رئيس مجلس حقوق الإنسان في أرمينيا، أرمان تاتويان، عن الاتهامات الأرمينية لأذربيجان وما يقابلها من اتهامات مماثلة لأرمينيا. وقال تاتويان إن التاريخ يعيد نفسه، مشيراً إلى أن باكو تتبع حالياً سياسة الدولة التركية في ما يتعلق بالإبادة الجماعية، وأضاف أن أهالي "أرتساخ" يعيشون حالياً تحت تهديد التدمير الجسدي المباشر، إذ لا يتعلق الأمر فقط بالسيطرة على الأراضي والعنف والتهجير، لكن تدمير الناس بينما هم على قيد الحياة، إذ تطال عملية الإبادة القضاء على الثقافة والآثار التاريخية والثقافية الأرمينية، مشيراً إلى أمثلة قوية على تدنيس الكنائس ومحوها خلال وقت وجيز.

 

وأعرب تاتويان عن تقديره الكبير لاعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية للأرمن على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أسفرت عن مقتل حوالى 1.5 مليون أرمني، إذ سيسهم القرار في تشجيع الدول الأخرى لاتخاذ خطوة مماثلة، ومن ثم اجتثاث هذه الجرائم في المستقبل.

 وفي حين تعترف تركيا بمقتل كثير من المواطنين الأرمن بين عامي 1915 و1923، لكنها تشكك في ما إذا كانت متعمدة، وتقول إن الأعداد كانت أقل بكثير من مليون. ووفقاً للرواية التركية، فإن كثيرين من الأرمن قتلوا في اشتباكات مع العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، وتعتبر أنقرة أن التدخل الخارجي في هذه القضية تهديد لسيادتها.

الجنائية الدولية

واطلعت "اندبندنت عربية" على عدد من مقاطع الفيديو التي لم يتسن التأكد من صحتها إضافة إلى صور تظهر إصابات بين المدنيين ناتجة من استخدام الفوسفور الأبيض، ومقاطع فيديو لانفجار قنابل عنقودية، وهي أسلحة محرمة دولياً.

هذه المقاطع ستكون جزءاً من الملف الذي تقوم السلطات المعنية في قره باغ بالتعاون مع الحكومة الأرمينية بإعداده لتقديمه لمحكمة العدل الدولية ضد الحكومة الأذربيجانية، كما من المرجح بحسب المسؤولين الأرمن أن تتضمن الدعوى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتباره داعماً للممارسات الأذربيجانية وبخاصة إرسال وتمويل جماعات إرهابية من المرتزقة الذين شاركوا في الحرب لدعم الجيش الأذري.

 وبحسب تاتويان، فإن لجان تقصي الحقائق، بالتعاون مع فريق عمل لدى الأمم المتحدة، توصلت إلى أدلة على التنكيل بالجنود الأرمن ممن أُسروا وعذبوا من قبل أذربيجان، مشيراً إلى أنهم استطاعوا جمع أكثر من 300 فيديو يتضمن أعمال تعذيب، وأشار إلى أنه خلال الحرب، استعرضت السلطات الأذرية عبر حساب رسمي على "تلغرام" صورة لجثة عسكري أرمني مقطوعة الرأس، وفتحوا استطلاعاً لمتابعيهم الأتراك والأذريين، وسألوا، "ما هي المتعة التي تشعرون بها عندما ترون هذا المشهد لجثمان عسكري أرمني مقطوع الرأس؟" فكانت الأجوبة، "يطيب لي"، "نريد المزيد"، "هذا المشهد يمتعني"، كما نشروا مقاطع فيديو لعملية قطع رأس شخص على قيد الحياة يدعى جينادين بتروسيان، في إحدى القرى المجاورة لـ"ستيباناكرت"، عاصمة قره باغ.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن هوية جنود أذربيجانيين في فيديوهات تظهر عملية قطع رأس شخصين، ويتعلق الأمر بعجوزين أرمنيين، بيتروسيان (69 سنة) ويوري أرسيان (82 سنة)، أسرهما الجنود في القرى التي سيطر عليها الجيش الأذربيجاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

متحف وحديقة عسكرية

وفي 12 أبريل (نيسان) الماضي، افتتح رئيس أذربيجان إلهام علييف متحفاً لتخليد ذكرى الحرب الأخيرة التي شهدها إقليم ناغورنو قره باغ، شبه المستقل الذي يقطنه السكان الأرمن، حيث استعرض خوذات الجنود الأرمن الذين قتلوا في المعارك التي استمرت ستة أسابيع بين سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2020. كما تم عرض تماثيل شمعية لجنود أرمن بملامح مشوهة، وهي مشاهد عدها كثيرون تحريضاً على "الكراهية العرقية" ضد جيرانهم الأرمن.

وأوضح تاتويان أن القضية الخاصة بجرائم الحرب تتخذ ثلاث مراحل، فأولاً يتم رفع الملف أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ثم تتم إحالتها إلى محكمة العدل الدولية، وأخيراً المحكمة الجنائية الدولية التي تبت فيها، مشيراً إلى أن هناك قضية مهمة لدى المحكمة الأوروبية تتعلق بهذه الانتهاكات وغيرها، تتضمن المكون التركي. وأضاف، "نحن كمؤسسة مدافعة عن حقوق الإنسان نحاول توفير الدلائل ونقدمها للحكومة التي تتخذ الإجراءات المناسبة. ليس دورنا رفع قضية قضائية أمام المحاكم، لكننا شكلنا لجنة تقصي حقائق، وعن طريقها اكتشفنا انتهاكات كثيرة وقدمناها إلى الحكومة، التي بدورها بدأت في الإجراءات القضائية. كما أننا كمؤسسة في أرمينيا، عندما يتم رفع القضية الإدارية أمام المحكمة نمثل كجهة ثالثة، ونزود المحكمة بمعلومات ووقائع ثمينة جداً".

وتحدث عما وصفه بالأعمال العدائية من قبل أذربيجان، مشيراً إلى مكونات محددة في هذا الخصوص، على رأسها احتجاز أسرى وانتهاك حقوق الإنسان العالمية والقانون الدولي، وقال، "لقد شهدنا انتهاكات فظة على الحدود والقرى الحدودية، وأيضاً شهدنا حديقة عسكرية للتمثيل بالجثث، يمكننا أن نرى إهانة الجنود الأرمن، إذ يطيب التمثيل بالأرمن وعرض ذلك في مقاطع فيديو"، وأضاف أن الجانب الأذري يحتجز الأسرى ولا يقول العدد الحقيقي، وبذلك ينتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان الدولية، متوقعاً أن العدد يزيد على 300 شخص تتعذب أسرهم لتغيبهم من دون معرفة مصائرهم.

والشهر الماضي، دعا أكثر من 120 عضواً في البرلمان الأوروبي للإفراج عن أسرى الحرب من الأرمن المحتجزين لدى أذربيجان، وكتبوا في رسالة لقيادة الاتحاد الأوروبي، إن أرمينيا أطلقت سراح جميع أسرى الحرب الذين احتجزتهم وبقيت ملتزمة بالبيان الثلاثي الموقع في 10 نوفمبر الماضي برعاية روسيا، لكن أذربيجان، لا تزال تحتجز سجناء من الأرمن بمن فيهم مدنيون.

قرى "سيونيك"

وتستحوذ قضية مقاطعة "سيونيك" الأرمينية على مجال واسع من الصراع بين أرمينيا من جهة وأذربيجان وتركيا من جهة أخرى، إذ لدى باكو وأنقرة خطط لإنشاء خط سكك حديد يمر عبر المقاطعة الجنوبية من شأنه أن يربط البلدين، وفي هذا الصدد أشار تاتويان إلى وجود عسكري أذري على مقربة من القرى الحدودية من محافظة "سيونيك"، وفي طرقات التقاطع بين القرى، وهو أمر يتعارض مع القانون الدولي ولا أساس قانونياً له، لافتاً إلى أن وجودهم يهدد المدنيين بالحرب والإبادة، إذ يطلقون النيران في هذه المناطق وعلى مقربة من المدارس التي تبعد أقل من 500 متر من الحدود (مكان إطلاق النار) ما يشكل خطراً على حياة الأطفال.

ويشير الحقوقي الأرمني إلى أن الأمر يشكل نوعاً من ممارسة الضغط النفسي على المدنيين الذين يعيشون هناك، إذ تقوم القوات الأذرية أحياناً بغلق الطرق بين القرى والخروج بالأسلحة لتخويف السكان، كما تم الاستيلاء على بعض أراضي السكان الأرمن الذين يمتلكونها بموجب عقود مسجلة، فضلاً عن أعمال سرقة لحيوانات، وأخيراً تدخلت روسيا، عن طريق قوات حفظ السلام الخاصة بها، لفتح الطرقات.

ويطالب تاتويان بإنشاء نطاق أمن في مقاطعة "سيونيك" كوسيلة لحماية حقوق المواطنين الأرمن الذين يعيشون في القرى الحدودية بالمقاطعة، مشيراً إلى أنه بحساب وحصر قوة طلقات النيران فإنها تبلغ 10 كيلومترات تقريباً عن المناطق المأهولة، لذا فبتحديد نطاق الأمن يمكـن تحديد الحدود بين الجانب الأرمني والأذربيجاني ورسم الحدود، لأنه تاريخياً لم يحدث ذلك قبلاً، حيث تتداخل في هذه المنطقة القرى الأرمينية والأذرية، وقال تاتويان، إن سكان القرى غير قادرين على استخدام أراضيهم ومزارعهم لأسباب أمنية، ولا يمكنهم استخدام الحقول والمراعي، وهذا الوضع يحرمهم من مصدر دخلهم، أي انتهاك حقوق الملكية والنشاط الاقتصادي، وغير ذلك من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المهمة، إضافة إلى ذلك، يتعرض حق السكان المدنيين في الحياة والصحة والحرمة الجسدية والنفسية وغيرها من الحقوق المعترف بها دولياً، للخطر. كما أن هذا الوضع يهدد سلامة الأطفال.

الخطاب التحريضي

وركز رئيس مجلس حقوق الإنسان الأرمني خلال حديثه عن التصريحات الرسمية العدائية من قبل الرئيس الأذري والمسؤولين رفيعي المستوى، مشيراً إلى أن سياسة أذربيجان الحالية تعتمد على إهانة كرامة المواطنين من أرمينيا و"أرتساخ"، و"نشر الكراهية والعداء" ومن بينها ما يقوم به الأذريين من أعمال عنف أو تعليقات كراهية ضد الأرمن على وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسب وصف تاتويان، فإن باكو تمارس سياسة "فاشية" تعتمد على بث الكراهية.

وفي ما يتعلق بالدعم التركي، ضرب تاتويان مثالاً على حدث أقيم في ديسمبر الماضي، مشيراً إلى فعالية عسكرية في باكو شارك فيها الرئيس التركي، وأشاد بالحرب في قره باغ باعتبارها أنجزت ما يشبه الإبادة الجماعية للأرمن، معتبراً أنه يوم عظيم جداً لأولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في أرمينيا والذين كانوا يحاربون في ناغورنو قره باغ.

المرتزقة السوريون

وتظهر مقاطع الفيديو مقاتلين مرتزقة يتحدثون العربية يحاربون مع الجانب الأذري، بينهم شخص سوري من مدينة حماة، وكشف عن أن المجموعة التي يقاتل ضمنها والمكونة من 200 فرد، جميعهم سوريون، وتم وعدهم براتب شهري 2000 دولار، لكنهم لم يحصلوا على هذه المكافآت، والأربعاء، 12 مايو (أيار) الماضي، قضت محكمة في "سيونيك" بالسجن المؤبد بتهمة الإرهاب على اثنين من المقاتلين المرتزقة السوريين بعد اعترافهما بالتورط في القتال في قره باغ واستهداف مدنيين.

وقال تاتويان، إنهم أرسلوا كل المعلومات والمعطيات الخاصة بالمرتزقة والإرهابيين إلى فريق عمل الأمم المتحدة الذي أكد مشاركة مرتزقة في القتال، وفي حين لم يتم التأكد بعد عما إذا كان هناك مرتزقة في قره باغ، فإن المسؤول الحقوقي قال إن لجان تقصي الحقائق رصدت مقاطع فيديو يظهر فيها هؤلاء المرتزقة وهم يتذمرون ويرفضون البقاء لأن الحكومتين التركية والأذرية لم يفيا بوعدهما بشأن المبالغ المالية المتفق عليها معهم.

وفي وقت أكدت دول عدة، بينها روسيا وفرنسا، وصول أجانب للقتال في قره باغ، نفت تركيا مراراً مزاعم إرسالها سوريين لدعم أذربيجان في المعارك، وأوضح متحدث باسم وزارة الدفاع التركية، آنذاك، أن بلاده "لا تقوم بتجنيد مسلحين أو نقلهم إلى أي مكان في العالم".

استقلال "أرتساخ"

وفي مقابلة مع ممثل جمهورية "أرتساخ" (ناغورنو قره باغ) في أرمينيا، سيرغي غازاريان، تحدث عن الخلفية التاريخية للصراع حول الإقليم، والتي بدأت بقرار السوفيات منح الإقليم الأرمني لأذربيجان وما تبعه من عمليات تهجير لمئات آلاف السكان الأرمن، وصولاً إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي والتصويت على استقلال الإقليم، مضيفاً، "أرتساخ أعلنت استقلالها بناء على الدستور السوفياتي، وليس ضد المواثيق الدولية"، فوفقاً لقانون منظم لاستقلال الدول من المنظومة السوفياتية، كان للإقليم الحق في الحصول على الاستقلال بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي، مثلما استقلت أذربيجان.

 

ويعود الجدل بشأن تبعية إقليم ناغورنو قره باغ إلى وقت مبكر من القرن الـ20، ففي الرابع من يوليو (تموز) 1921، عقد المكتب القوقازي للحزب الشيوعي الروسي في العاصمة الجورجية تبيليسي اجتماعاً تم فيه اعتماد ناغورنو قره باغ جزءاً لا يتجزأ من أراضي جمهورية أرمينيا الاشتراكية. لكن بإملاء من موسكو ومشاركة مباشرة من ستالين في اليوم التالي، أعيد النظر في القرار واتخذ آخر جديداً تم بموجبه اعتبار ناغورنو قره باغ منطقة ذات حكم ذاتي تتبع جمهورية أذربيجان السوفياتية، وهو ما تعتبره أرمينيا اختراقاً واضحاً للمواثيق الدولية من قِبل مجموعة بلشفية بزعامة ستالين من دون أي صلاحيات قانونية، قررت نقل أراضي دولة لتصبح تابعة لأخرى حديثة الإنشاء أطلق عليها في عام 1918 اسم أذربيجان.

ومراراً وجه الشعب الأرميني في "أرتساخ" طلبات إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، ناشدهم فيها ضم ناغورنو قره باغ إلى جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية، وهو ما تعتبره أذربيجان تمرداً انفصالياً.

وفي عام 1966 اتخذت أمانة اللجنة المركزية قراراً يقضي بتفويض اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأرميني واللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني بمناقشة المشكلة بشكل مشترك، وفي عام 1977 عندما تم نقاش المشروع الجديد لدستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، عاد مجدداً طرح القضية، لكن المشكلة بقيت من دون حل حتى سقوط الاتحاد السوفياتي إذ صوت سكان الإقليم بشكل كاسح لصالح الاستقلال عن أذربيجان في ديسمبر عام 1991.

صمت المجتمع الدولي

وقال غازاريان، إنه طيلة 30 عاماً خاض الإقليم مفاوضات سلمية تحت مظلة "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والقائمة بدور الوسيط في النزاع حول إقليم قره باغ، لكن لم يتم التوصل لحل نهائي. وألقى باللوم على دول "مينسك" بغض الطرف عن ممارسات أذربيجان من اختراق الاتفاقات والانتهاكات الحدودية بإطلاق النار، ما أدى إلى مزيد من التصعيد على مدار سنوات، وأخيراً العدوان في سبتمبر 2020 الذي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وتهجير عشرات الآلاف الذين يقدر عددهم بـ"30 ألف شخص"، فضلاً عن تدمير الإرث الثقافي والتاريخي بشكل ممنهج.

ووجه ممثل قره باغ انتقادات واسعة للمجتمع الدولي لانتظاره طويلاً كي يدين ما وصفه بـ"العمليات الإرهابية" ضد المواطنين في الإقليم، قائلاً، "الشعب الأرمني تُرك وحيداً في هذه الحرب، استطاعوا (الأذريون) بمساعدة الإرهابيين والمرتزقة أن يصلوا إلى نجاحات معينة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي"، لافتاً إلى رفع الأعلام التركية على الأراضي التي سيطرت عليها أذربيجان.

الأسلحة الإسرائيلية

ورداً على استفسار "اندبندنت عربية" بشأن الأسلحة المستخدمة في الحرب، أوضح غازاريان أن الأسلحة الإسرائيلية المتطورة التي حصلت عليها أذربيجان لعبت دوراً مهماً في حسم الحرب لصالحها، وأشار إلى استخدامهم صواريخ "لورا" الإسرائيلية في قصف عاصمة الإقليم، فضلاً عن الطائرات المسيرة التركية، والأسلحة والصواريخ الباكستانية بعيدة المدى والمستشارين العسكريين.

وفي مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عرضت القناة الإسرائيلية الإخبارية 12، تسجيلاً مصوراً يظهر القوات الأذربيجانية تستخدم صاروخ "لورا" الإسرائيلي لقصف جسر في أرمينيا، ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الصاروخ يبلغ مداه 400 كيلومتر، وأذربيجان الدولة الأولى والوحيدة المؤكدة التي سلمت إليها إسرائيل هذه الصواريخ، من خلال صفقة أسلحة وقعت في عام 2018.

واتهم غازاريان المجتمع الدولي بازدواجية المعايير في ما يتعلق باستقلال ناغورنو قره باغ، إذ يرى أنه كان ينبغي الاعتراف بجمهورية "أرتساخ" منذ سنوات لأن استقلالها جاء وفقاً للقوانين الدولية، مشيراً إلى الاعتراف الدولي بكثير من الدول خلال العقود الثلاثة الماضية، وسأل "لماذا مسموح لبعض الشعوب بالاستقلال ويتم حرمان أخرى"، مضيفاً أنها قضية حق تقرير مصير الشعب بينما أذربيجان تحاول تقديمها على أنها وحدة الأراضي الأذرية.

وفي ما يتعلق بمقاطع فيديو قيل إنها لسكان أرمن يحرقون منازلهم في قره باغ قبل مغادرتها والنزوح من القرى، أقر غازاريان بوجود بعض الحالات بالفعل قائلاً، "إذا كنت ترى أن منزلك الذي قمت ببنائه أو ورثته عن أجدادك الذين يمتلكونه منذ عقود طويلة، ثم جاء شخص لينتزعه منك عنوة ويتمتع بممتلكاتك، ماذا ستفعل؟"، مشيراً إلى أدلة على استيطان إرهابيين بيوت الأرمن في الإقليم.

استفزازات أرمينية

وأرسلت "اندبندنت عربية" إلى وزارة الخارجية في أذربيجان لطلب التعليق على الاتهامات الواردة من جانب أرمينيا، لكنها لم تحصل على رد.

وفي القاهرة، نفى رئيس الجالية الأذربيجانية في مصر، سيمور نصيروف، ارتكاب بلاده جرائم حرب ضد الأرمن، قائلاً "إنه لا يوجد أي دليل على ذلك، وأضاف أنه بالعكس، فإن أرمينيا هي من ألقت الصواريخ الباليستية على مدينتي كنغة وبردعة في أذربيجان، مما أسفر عن مقتل مدنيين". وأشار إلى إنه خلال حرب التسعينيات، قامت أرمينيا باحتلال سبع مدن أذربيجانية مجاورة لإقليم ناغورنو قره باغ، وقام السكان الأرمن بتدنيس المساجد حين لجأوا إلى رعاية حيوانات داخل تلك المساجد، إضافة إلى تدمير التراث هناك. وأرسل نصيروف صوراً، لم يتم التأكد من صحتها، لمسجد قديم داخله حيوانات.

وبينما تتهم يريفان قادة باكو بإذكاء الكراهية ضد الأرمن عبر الخطاب أو المتحف الذي يستعرض خوذات الجنود، يقول نصيروف، "إن قادة أرمينيا هم من بدأوا الإدلاء بتصريحات استفزازية واستخدام لهجة تصعيدية". ويضيف أنهم أقاموا في مدينة شوشي مهرجاناً موسيقياً، العام الماضي، تحدث فيه رئيس الوزراء الأرميني بلهجة استفزازية ضد باكو، وبدلاً من التفاوض معنا هدد باحتلال عاصمة أذربيجان.

وفي ما يتعلق بالمتحف، أوضح نصيروف أن "استعراضنا لخوذات الجنود يتفق مع إجراءات دول العالم بالعناية بمتاحف مقتنيات الحرب. رددنا إليهم جميع جثث القتلى، وتعاملنا مع الأسرى بإنسانية". وتساءل مستنكراً، "لماذا يستفزهم المتحف؟ هل ما يجوز للآخرين حرام علينا؟ لم نفعل مثل غيرنا ولم نعرض جماجم القتلى لأن هذا يخالف الإنسانية". وأوضح أن الحرب الأخيرة كانت تهدف لاسترداد الأراضي الأذربيجانية المعترف بها دولياً، مضيفاً أن "وجود تراث أرمني فيها يكاد لا يذكر".

وأشار إلى أن هناك عدداً كبيراً من الأذربيجانيين يرفعون قضية لدى المحكمة الأوروبية بصفة فردية، لأن بيوتهم تضررت أو سلبت منهم في التسعينيات. وألقى رئيس الجالية الآذرية في القاهرة باللوم على الجاليات الأرمنية في الخارج قائلاً، "إن هذه القوى لا تريد التقدم لا لأرمينيا ولا لأذربيجان، ومن مصلحتهم زعزعة الاستقرار في المنطقة".

وأضاف أن "هناك ضحايا من الجانبين والسلام هو الحل". لافتاً إلى أن التعاون سيسفر عن منفعة للجميع، وأشار إلى خط أنابيب أذربيجان الضخم الذي يمر ببحر قزوين عبر تركيا لإيصال النفط والغاز إلى أوروبا، موضحاً أنه بسبب التوترات بين باكو ويريفان، واضطرت الأولى لتمديد 150 كيلومتراً زيادة على طريق جورجيا، بدلاً من أن يمر عبر أرمينيا، ثم ينزل إلى تركيا، وهو ما سيكلفهم ملايين الدولارات سنوياً.

اتهامات متبادلة

وفي مارس (آذار) الماضي، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" نتائج تحقيق موسع، اتهمت بموجبه قوات أذربيجان باستخدام العنف واحتجاز مدنيين في ظروف غير إنسانية ومهينة وتعرضيهم للتعذيب، ودعت المنظمة الحقوقية الدولية سلطات باكو إلى التحقيق في "الادعاءات الموثوقة" المتعلقة بالاحتجاز غير القانوني لهؤلاء المدنيين، وارتكاب عملية إعدام خارج نطاق القضاء ومحاسبة الجناة، كما دعتها للإفراج عن جميع المدنيين الذين ما زالوا رهن الاحتجاز لديها.

لكن باكو نفت هذه الاتهامات وقالت، إن جميع السجناء الأرمن عادوا إلى أرمينيا، في وقت قال وزير الخارجية الأذربيجاني، جيهون بيراموف، إن "باكو لا تعتبر القوات الأرمينية المحتجزة في قره باغ بعد وقف إطلاق النار أسرى حرب"، وفي وقت سابق، اتهم الوزير الأذري، القوات الأرمينية بارتكاب "انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وخلال الحرب، تبادل الجانب الأرمني والأذري اتهامات بارتكاب جرائم وقصف مناطق للمدنيين، ودعا تقرير لمنظمة العفو الدولية الجانبين لإجراء تحقيق عاجل في ما اقترف من جرائم.

ففي 26 أكتوبر 2020، قالت وزارة خارجية أذربيجان، إن أرمينيا ارتكبت "انتهاكاً صارخاً" لوقف إطلاق النار الذي كان قد تم بوساطة أميركية، بعد وقت قصير من دخوله حيز التنفيذ، واتهمت القوات الأرمينية بقصف قرى في منطقتي "ترتر" و"لاشين"، وهو ما ردت عليه يريفان بالنفي متهمة باكو بشن هجوم على قرى أرمينية.

وفي الثاني من نوفمبر 2020، حذرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، ميشيل باشليت، من أن الضربات المدفعية على المدنيين في صراع ناغورنو قره باغ قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وجددت دعوتها إلى أذربيجان وأرمينيا لوقف الهجمات على البلدات والمدارس والمستشفيات في الإقليم الحدودي.

والشهر الماضي، اتهمت وزارة الخارجية الأذربيجانية حكومة أرمينيا بالامتناع عن تقديم معلومات حول أماكن زرع الألغام المختلفة في الأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان، مشيرة إلى أن الأمر يعتبر انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي.

المزيد من دوليات