Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استمرار التظاهرات في أرمينيا يدفع أذربيجان إلى مواقف أكثر "تشددا"

بوتين وأردوغان "يباركان" بقاء باشينيان شرط "عثوره" على الحلول الوسط مع العسكريين

عادت أرمينيا إلى لجّة الاضطرابات والخلافات والاتهامات المتبادلة. وعادت التظاهرات تجوب شوارعها بين مؤيد لرئيس الحكومة نيكول باشينيان ولقراره حول إقالة رئيس أركان القوات الأرمينية أونيك جاسبريان، وآخر يرفع شعارات رحيل باشينيان الذي تتهمه المعارضة في أرمينيا بالخيانة والتخاذل، بينما تحمله مسؤولية "الهزيمة المهينة" في الحرب مع أذربيجان، والتي نجحت موسكو في وساطتها حول التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

ملامح التسوية

وشأن ما بادر إليه الرئيس فلاديمير بوتين بوساطته التي أسفرت عن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وتحديد الملامح الرئيسة للتسوية المؤقتة، والدفع بقواته لحفظ السلام في المنطقة، عاد الرئيس الروسي لعقد اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي مساء الجمعة 26 فبراير (شباط) لبحث تطورات الأزمة الأخيرة، وتحديد الخطوات اللازمة لاحتواء الوضع الراهن، والتوصل إلى ما من شأنه وضع حد للصراع القائم بين الأطراف المتصارعة في أرمينيا. وقد جاء ذلك بعد أن "استنجد" به رئيس الحكومة الأرمينية عقب اندلاع الأزمة الداخلية، وتدفق جماهير المعارضة إلى شوارع العاصمة التي ترفع شعارات المطالبة برحيله، رداً على قراره بإقالة رئيس الأركان وعدد من كبار جنرالات وضباط القوات المسلحة الأرمينية. وكانت مصادر الجهاز الصحافي للكرملين سارعت إلى تصحيح ما أعلنه باشينيان حول ما دار في مكالمته الهاتفية، التي أجراها مع بوتين مساء الخميس الماضي، مؤكدة عدم صحة "مزاعمه"، ما يشير إلى دعم الرئيس الروسي "السلطات الشرعية في أرمينيا". وقال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين إن الرئيس أعرب عن تأييده "للحفاظ على النظام والهدوء في أرمينيا وتسوية الأوضاع هناك في إطار القانون". لكن باشينيان رأى أن "البيان الصادر عن الكرملين خلا من أية عبارات أو إشارات تقول بتأييد أو دعم بوتين للسلطات الشرعية في أرمينيا". وفي هذا الصدد قال بيسكوف "إذا نظرتم بعناية في النص الذي نشرناه، فيمكنكم رؤية عبارة هناك تقول إن الرئيس الروسي يؤيد حل المشكلة في إطار القانون. هذا مهم للغاية. قدمنا صياغة شاملة إلى حد كبير، تحتوي على ما فيه الكفاية من المعلومات". ولعل هذه التصريحات تحمل بين ثناياها، ما يكفي من دلالات بالغة، تقول إن الكرملين يظل على المسافة التي تكفل له اتخاذ ما يرى من سياسات لتصحيح الأوضاع التي أسفرت عنها "الثورة الملونة في عام 2018"، والتي جاءت تحت رعاية غربية بنيكول باشينيان زعيماً جديداً لأرمينيا، في الوقت نفسه الذي يحتفظ لنفسه فيه بقوة الوساطة التي يظل ممسكاً بكل أطرافها.

احتدام الجدل

وفيما أعلنت روسيا عن وقوفها إلى جانب الحوار وضبط النفس بين الأطراف المتصارعة في أرمينيا، خرج المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية ليدلي بتصريحاته التي دحض وفند فيها اتهامات باشينيان، التي كانت في صدارة أسباب الأزمة التي اندلعت في 24 فبراير الحالي، وتعلقت بمنظومات "اسكندر" الصاروخية. وقال المتحدث العسكري الروسي إن الجيش الأرميني لم يستخدم أياً من هذه المنظومات، التي زعم باشينيان بأنها لم تثبت فعاليتها، ولم ينفجر أكثر من عشرة في المئة من صواريخها التي جرى إطلاقها إبان المعارك القتالية الماضية، في محاولة لإلقاء مسؤولية الهزيمة في الحرب ضد القوات الأذربيجانية، على الرئيس السابق سيرج سرغسيان المسؤول عن شرائها من روسيا، والقوات المسلحة الأرمينية التي لم تستطع الصمود أمام زحف القوات المسلحة الأذربيجانية. وذلك أيضاً يقول ضمناً إن القوات الروسية المسلحة تظل على مقربة للحيلولة دون أي "شطط" قد ينال من مواقعها في أرمينيا، وما تملكه هناك من "قاعدة عسكرية" هي الأكبر في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوالت مشاهد المواجهة التي تكبر كـ"كرة ثلج" بعد إعلان باشينيان عن قراره بإقالة رئيس أركان أونيك غاسباريان وعدد من كبار جنرالات هيئة الأركان، في وقت يظل رئيس الجمهورية يتحفظ على التصديق على هذا القرار، ويواصل لقاءاته مع رؤساء الكتل البرلمانية من أجل التوصل إلى الحلول الوسط التي تحفظ لكل من الطرفين "ماء الوجه"، وتحول دون زعزعة الاستقرار في أرمينيا. وبينما يحتدم الجدل في أرمينيا بين الأطراف المتصارعة، ويبدو عجزها واضحاً عن التوصل إلى الحلول المنشودة لتجاوز ما يتناثر على طريق التسوية واختزال مساحات الخلاف من عثرات، أعلنت موسكو عن اجتماع مجلس الأمن القومي الذي خصصه بوتين لبحث تطورات الموقف الخاص بالتسوية في قره باغ، ونشاط وحدات حفظ السلام الروسية هناك. وعلى الرغم من إعلان الجهاز الصحافي للكرملين أن موسكو لا ترى أن الأحداث الحاصلة في يريفان يمكن أن تهدد الاتفاقات التي عقدها زعيما أذربيجان وأرمينيا تحت رعاية الرئيس الروسي، فإن هناك ما يشير إلى أن هذه الاتفاقيات تظل تؤرق مضاجع الكثيرين من أطراف الأزمة على الصعيد الداخلي في أرمينيا.

مصير البيان الثلاثي!

ومن هنا يمكن تفسير ما جاء في المؤتمر الصحافي الذي سارع رئيس أذربيجان إلهام علييف إلى عقده في باكو، بمشاركة عدد من ممثلي أهم الصحف ووكالات الأنباء العالمية. وفي هذا المؤتمر أكد علييف أن ما يدور في يريفان شأن داخلي لأرمينيا، التي قال إنها تواجه أوضاعاً صعبة تهدد أركان استقرارها، فيما أعرب عن أمله في ألا تؤثر هذه الأحداث على تنفيذ البيان الثلاثي الذي وقعه مع رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان تحت رعاية روسية حول قره باغ في التاسع من نوفمبر الماضي. لكن الأهم يظل فيما قاله حول "نتائج الحرب تظل كما كانت ولن تتغير"، في إشارة بالغة الدلالة إلى تمسكه بما أحرزه من انتصارات، وما نجم عن ذلك من توقيع الاتفاق الثلاثي الذي ينص على "استعادة أذربيجان لكل الأراضي الأذربيجانية التي كانت أرمينيا احتلتها منذ ما يزيد عن 30 عاماً.

وأضاف علييف أن خيارات يريفان تظل محدودة، وأن عليها الاستكانة للأمر الواقع، بعد أن خلقت بلاده واقعاً جديداً، مؤكداً أن الخيار الذي يظل الأكثر قبولاً بالنسبة لأرمينيا لن يخرج عن الوفاء ببنود البيان الثلاثي الصادر في العاشر من نوفمبر". ولم يكتف علييف بهذه التهديدات غير المباشرة، ليعود إلى ما هو أكثر وضوحاً بقوله: "إن هناك شرطاً أساسياً آخر لتحقيق السلام طويل الأمد وهو الفهم الواضح في أرمينيا، وفي الأوساط السياسية الأرمينية، لأن أي نوايا انتقامية ستعاقبها أذربيجان بشدة". ومضى ليؤكد على نحو أكثر حدة: "لا مراء في ذلك، لن نتردد دقيقة واحدة إذا رأينا الخطر يداهمنا مرة أخرى. وإذا رأينا احتمالاً لأي خطر كبير، فإننا سنتحرك على الفور".

العودة إلى الحرب؟

وفيما يعتبر مراقبون كثر أن هذا الخطاب الأذربيجاني يمكن أن يكون موجهاً بالدرجة الأولى إلى العسكريين وأنصارهم في أرمينيا، ممن يطالبون بتنحية باشينيان بوصفه المسؤول عن وقف إطلاق النار والجنوح نحو "التسوية السلمية"، التي يعتبرها كثيرون في أرمينيا وفي أذربيجان وخارجهما أقرب إلى "الاستسلام والاعتراف بالهزيمة"، فإن هناك من يقول أيضاً إن الخطاب يبدو تحذيراً لكل من يتوقع أن تكون التسوية المرتقبة بين الأطراف المتصارعة في أرمينيا ممكنة من خلال العودة إلى الحرب وفرض سابق للسيطرة الأرمينية على قره باغ أو أي جزء من الأراضي الأذربيجانية، التي تلتزم أرمينيا بالانسحاب منها بموجب اتفاقات العاشر من نوفمبر الماضي. ومن هذا المنظور يمكن تناول إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول معارضة بلاده لأية تحركات من جانب القوات المسلحة الأرمينية بهدف الإطاحة برئيس الحكومة باشينيان. لكن ذلك لا يمكن أن يعني تأييد أردوغان لبقاء باشينيان، بقدر ما يعني رفض بلاده لأية إشكال للانقلابات التي سبق وذاق ويلاتها في يوليو (تموز) عام 2016. ومن هنا كان ما أعلنه صراحة حول "أنه إذا كانت هناك حاجة للتغيير في أرمينيا فليكن ذلك من خلال الإرادة الشعبية". وأضاف أردوغان "باشينيان وصل إلى المرحلة أصبح الشعب فيها يستطيع الإطاحة به، لكن بعيداً عن الانقلاب الذي يبدو موقفنا منه واضحاً. إننا نعارض مثل هذه الخطوة". وتلك دعوة صريحة إلى ضرورة التوافق الشعبي، سبق وأعلن الرئيس بوتين عن ضرورتها من أجل تجاوز الأزمة الراهنة. وحتى ذلك الحين تتوجه الأنظار لما يمكن أن تتوصل إليه الأطراف الداخلية كافة من توافقات، يمكن أن تسمح باستكمال النصاب القانوني لاجتماع البرلمان بحثاً عن الحل المنشود، في حين تتعالى أصداء ما أعلن عنه علييف من تهديدات، والتي يظل الرئيس التركي يقف وراءها من خلال "حجاب!".

المزيد من تقارير