Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سينما الرعب المصرية تتعثر في فيلم "قبل الأربعين"

رؤية محدودة ومشاهد مصطنعة تهدف إلى تخويف المشاهدين

الممثلة بسمة في دور "سما" في فيلم الرعب المصري (الخدمة الإعلامية للفيلم)

بعد أن حقق "الفيل الأزرق" بجزأيه 2014-2019، نجاحاً تجارياً كبيراً، والتفاتة من النقاد المتخصصين، بلغ بالبعض إلى حد اعتباره ميلاداً سينمائياً جديداً، إن لم يكن ميلاداً حقيقياً لنوع الرعب في السينما المصرية، خلافاً للواقع بالتأكيد، تشجع صناع آخرون، لاقتباس سلسلة الكتيبات التي تحاكي أدب الرعب، "ما وراء الطبيعة"، من الكاتب الشهير أحمد خالد توفيق، في سلسلة حلقات حملت الاسم نفسه، وعرضت على شبكة "نتفليكس" أواخر العام الماضي من إخراج عمرو سلامة وماجد الأنصاري. وقد مثلت بذلك أول إنتاج مصري على الشبكة الأميركية المعروفة بتقديم محتويات تجارية جذابة، بغض النظر عن الجودة. حققت "ما وراء الطبيعة" نجاحاً بالتأكيد، هي التي حذت حذو "الفيل الأزرق"، في اعتماد الخضات والحيل التكنيكية، كمصدر أساسي لخلق التأثير، بغض النظر عن مدى منطقية القصة، أو قدرتها على الإقناع، وعن قيمة بقية عناصر العمل.

عبر كلا العملين، إذا اعتبرنا جزأي "الفيل الأزرق" عملاً واحداً، عن رؤية محدودة لنوع الرعب. تنطلق من أن الشر قوى مطلقة، لا سبيل لإيقافها ولا بد من إبراز قدراته المهولة، لا لشيء سوى لتخويف المشاهد. بطل هذا النوع يتعرض للحصار، في دائرة صغيرة خانقة، تنتهي إلى القضاء عليه، لكن في معظم الأحيان ليس كلياً، لأسباب تجارية محضة، تتعلق بإمكانية إنتاج أجزاء أخرى من العمل نفسه. أدت هذه الأعمال، بانتشارها الكبير، وموجة الانبهار التي أحدثتها بفضل تشبهها بالسينما الأميركية، إلى أن تسود مجدداً، فكرة سطحية عن سينما الرعب. فكرة تهدد باستمرارية النوع، المتعثر مصرياً منذ ميلاده، على عكس بقية الأنواع السينمائية الأخرى كنوع الأكشن مثلاً. وفقاً لهذه المدرسة، ما دام هناك إنتاج سخي، سيكون هناك فيلم رعب، ولو مرغماً، لكن ماذا سيحدث إذا لم يتوفر للفيلم المراد له أن يكون رعباً، الإنتاج السخي؟

تخبط سينمائي

يمكن اعتبار فيلم "قبل الأربعين" المعروض حالياً في الصالات المصرية، نموذجاً مثالياً، على التخبط الواضح في رؤية الرعب كنوع، وعلى انكشاف هذا التخبط في حالة انخفاض التكلفة الإنتاجية. الفيلم من تأليف (وإنتاج) شادي صبرة، وسيناريو أحمد عثمان، وإخراج معتز حسام. تدور الأحداث في بيت عائلة، يبدو مهجوراً، على الرغم من أن سكانه هم أفراد تلك العائلة. هذا البيت يمثل، في بعض أجزاء الفيلم، مركزاً للرعب، وفي أجزاء أخرى، تمثل الأم مصدراً آخر. وقدر كبير من المشاهد التي تتعمد الإخافة في الفيلم تدور في "بدروم" هذا البيت، الذي يعادل بالتأكيد القبو في الأفلام الأميركية.

يروي "قبل الأربعين" قصة مراهق، هو "فريد" (يلعب دوره معتز هشام)، يضطر أن يواجه الحياة منفرداً، حين فقد جميع أفراد أسرته، دفعة واحدة. انتحرت الأم "ملك" (تلعب دورها داليا مصطفى)، التي لا نراها في الفيلم سوى وهي تمارس أعمال الشعوذة، بأن شنقت نفسها في هذا القبو، بعد أن قتلت زوجها وابنتها. يبدأ الفيلم بالصرخة التي تصدر عن فريد وهو يرى والدته مدلاة من السقف. وهي أول علامة على النوع السينمائي في الفيلم، لكنها أيضاً ربما تكون علامة على الحد الذي بوسع الفيلم الذهاب إليه.

طوال الفيلم تبدو الأم في حالة وسطى بين "الملبوسة" والغائبة في عوالم السحر، تقرأ التعاويذ أو الطلاسم، وينقل لنا المخرج معتز حسام هذه الأجواء، من دون حوار تقريباً، عبر التصوير البطيء، وبتأثير لوني معين، محاولاً تثبيت حالة "قوطية"، تشبه القصص المصورة، أو الكليبات. تتعاون الموسيقى لمحمد مدحت، مع الأداء الحركي المتخشب لداليا مصطفى في ترجمة مأزق الأم، العالقة في عوالم بعيدة جداً عن ابنها المراهق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد المشهد الافتتاحي يستعرض الفيلم اجتماع أفراد عائلة فريد الكبيرة، المكونة من عميه وزوجتيهما، لتلقي العزاء في الأخ الراحل. يظل العم الأكبر"رياض" (يلعب دوره أحمد حلاوة)، صامتاً، لا يتشجع على اتخاذ قرار، في شأن فريد، في الوقت الذي تشكو فيه زوجته (تلعب دورها هالة فاخر) من سلفتها الراحلة، وسوء تصرفات الأسرة كلها، وتصر على نبذ الولد. تظهر زوجة العم الأصغر "سما" (تلعب دورها بسمة)، تعاطفاً مع فريد، على الرغم مما عانته، حسب سردية الفيلم، من إجهاض متكرر بسبب أعمال والدته غير البريئة، بينما يخطط زوجها "أكرم" (يلعب دوره إيهاب فهمي)، لانتزاع الوصاية على فريد، ومن ثم استعادة السيطرة على ثروة العائلة.

من هنا يندلع صراع، لمحاولة استعادة ثروة العائلة، التي ربما تكون أصل هذه الكراهية، أقول ربما لأن الفيلم لا يعطينا أي إجابات نهائية. ومن هنا أيضاً يتشتت السيناريو، بين ملاحقة "فريد"، المطارد من أمه، لمدة أربعين يوماً، وبين الصراعات الإنسانية بين بقية الأبطال، والتي تصل في النهاية إلى حتمية الشر، الذي يمكن اعتباره المخلص أيضاً من كل هذه التحديات الدرامية، التي وضعها كاتب السيناريو.

أسطرة الشر

القصة، التي كان يمكن أن تكون مسلية على طريقة الحكايات المخيفة التي يحكيها المذيع أحمد يونس عبر الراديو لمستمعيه، تتحمل ما لا تطيق، فالهدف الأسمى هو أن ينتصر الشرير على الجميع، كما يحدث دائماً، يا للغرابة، في أعمال الرعب المصرية الحديثة. وحتى يكون هناك نوع من العمق، الذي يبرر هذا الليّ الغريب لعنق الأحداث، يظهر صوت رجولي، ثرثار، واثق من نفسه، يقول حكماً، تنتهي مجدداً إلى أسطرة الشر... "اليوم سأذلل لك العقبات"، و"سوف أدمر لك أعداءك"، أو "طريقك مرسوم منذ آلاف السنين".

لقد هبط فريد إلى غرفة النوم، وأمسك كاميرا كانت موضوعة هناك بلا سبب، وخطر على باله أن يصور، فظهرت الأم في الصور كشبح! في الأثناء تحاول زوجة عمه الطبيبة النفسية سما، أو بسمة، مساعدته، فهي الوحيدة التي تتفهم ألمه، وإصابته بـ"كرب ما بعد الصدمة"، كما تردد مرتين في مشهدين متتاليين، لأنها مرت بالموقف نفسه عند وفاة والدتها، لكن بدلاً من أن يمد "فريد" يده لها، يناصبها العداء، وينتقم منها، يبدو فجأة متنمراً حين يقول لها: "إنتي مش هتحسي اللي أنا فيه غير لما تصحي في يوم تلاقي كل اللي حواليكي ماتوا"، على الرغم من أنها لم تسئ إليه أبداً. هذا هو الشر المطلق الصافي، الذي يجب على ما يبدو أن يثير إعجاب المشاهدين!

ثمة مشاهد تذكرنا بفيلم مصري مهم هو "الرقص مع الشيطان" (1993) من بطولة نور الشريف، وإخراج علاء محجوب؛ مشاهد صعود الكاميرا السريع على درج البيت. ومشاهد أخرى تظهر دُمى يراد أن تكون مخيفة، وحارساً وحارسة يجلسان أمام المقبرة منذ آلاف السنين، ومشاهد أخرى لظهور "فريد" المفاجئ في المستشفى الذي تعمل فيه سما، إضافة إلى مشاهد انقطاع التيار الكهربائي، والكوابيس. هذه معظم الحيل التي يستخدمها صناع الفيلم لإثارة الرعب.

للذكور فقط

من المثير للاهتمام، كيف يظهر البطل في كل من "الفيل الأزرق" وفي "ما وراء الطبيعة"، كسيراً، غارقاً في كآباته، فهو لا يكون سوى لينهزم. وهي صورة تناقض بالطبع صورة البطل الذكر في أفلام الكوميديا والأكشن المصرية الحديثة، المعجب بنفسه، المتباهي الذي يقضي على أعدائه. ربما يسبب الظلام - المعنوي والحقيقي - في أفلام الرعب، اعتراف هذا البطل، بحقيقة شعوره تجاه ذاته. يصبح هذا الشخص الضعيف هو القربان المستحق لقوى الشر. من جانب آخر تصرح هذه الأعمال بازدراء جنس النساء، وتستبعدهن، فعن طريقهن تأتي جميع الشرور.

لا يخالف "قبل الأربعين" هذا الخط. نعرف من الأحداث اللاحقة في الفيلم، أن خطيئة الأم هي طمعها في ملكة روحية معينة، كانت تورث في العائلة "للصبيان فقط". ولأنها اعترضت، وحاولت اقتسام التركة معهم، فقد حلت عليها اللعنة وصادقت الشيطان، وانخرطت في أعمال السحر. الغريب أن هذا السحر لم يحقق لها ما تريد، ربما لأنها امرأة منبوذة حتى من قوى الشر، لكن ها هو "فريد" قد جاء، ليصنع بطولته الخاصة، بطولته السلبية بكل تأكيد، ليحقق انتصاره الذي ليس سوى هزيمة جديدة!

اقرأ المزيد

المزيد من سينما