Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشاعر السوري فايز خضور حمل رؤية ذاتية إلى العالم

ساهم في ترسيخ قصيدة التفعيلة منذ الستينيات ومارس فعل الاحتجاج ضد القمع والخوف

الشاعر السوري فايز خضور في بيته (اندبندنت عربية)

رحل الشاعر السوري فايز خضور (1942-2021)، أمس الأحد، بعد صراعه الطويل مع مرض عضال، مختتماً سيرة شعرية لافتة، كان ابن مدينة السليمة قد بدأها مبكراً عام 1961 بقصيدته "الظل وحارس المقبرة". تميز الشاعر السوري عن أبناء جيله، سواء في الأسلوب الفني، أم في المزاج الذي كان سائداً في ستينيات القرن الماضي، مبتعداً عن الرومانسية الثورية، ومفتتحاً القصيدة الذهنية ذات المنشأ الأسطوري السوري، وهذا بحكم انتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. وكان خضور قد ترأس تحرير معظم صفحات جرائد الحزب ومجلاته الثقافية بين دمشق وبيروت، قبل أن يتفرغ منذ عام 1972 في اتحاد الكتاب العرب، متسلماً مهمات أمانة تحرير مجلة "الأسبوع الأدبي"، مستفيداً من دراسته الأدب العربي في جامعة دمشق، وقراءاته الكثيفة للمثيولوجيا السورية، ومطلعاً على نتاجات أبرز شعراء الأربعينيات والخمسينيات في سوريا، وعلى رأسهم أنور العطار، وأمجد طرابلسي، ونديم محمد، وعمر أبو ريشة، وبدوي الجبل، وبديع حقي، ووصفي القرنفلي.

جاء فايز خضور مع أقرانه من شعراء الستينيات ممن لم يتخلوا عن الوزن الشعري، ولم ينخرطوا تماماً في موجة قصيدة النثر التي كتبها محمد الماغوط، بل بقي محافظاً على نظام قصيدة التفعيلة، حاله في ذلك حال كل من علي الجندي وممدوح عدوان، وعبدالكريم الناعم، وعلي كنعان، وسواهم ممن تحدوا التقاليد الأدبية السائدة، وتميزت كتاباتهم بالغضب والنقمة والسخط، لا سيما بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967، وما تلاها من صعود لما يمكن وصفه آنذاك بالطليعة الشعرية، أو ما أطلق عليه الشاعر شوقي بغدادي في "أنطولوجيا الشعر السوري" بـ"هجمة الستينيات".

مغامرة فنية

لمع نجم خضور في تلك المرحلة، منيهاً حقبة طويلة من التحفظ الذي كان يلازم شعراء الخمسينيات في سوريا، ومتجهاً نحو مغامرة فنية جديدة في إنجاز ذائقة شعرية مختلفة، وحساسية مغايرة سيطر فيها الشكل الفني لشعر التفعيلة سيطرة شبه تامة، بعيداً عن قوالب الشعر العمودي، لكن التميز الأساسي لصاحب "صهيل الرياح الخرساء" (1970) هو ذلك الغموض البهي الذي وسم قصائده، وتلك المهارة اللغوية المفعمة بالهموم الوجودية للإنسان، والتي لم تخل من المرويات الأسطورية، والمناجاة الداخلية، بعيداً عن قصائد الهموم الاجتماعية واللوعة الوطنية التي ذهب إليها العديد من زملاء دربه.

امتاز صاحب "آداد" (1982) بالتحول الحاسم إلى قصائد الشعر الحر، مع تلوينات جريئة بالخروج على قواعد هذا الشعر، كالجمع بين أكثر من تفعيلة في النص الواحد، واستخدام المونولوغ الداخلي، بدلاً من أسلوب الخطابة بشكل عام، والجنوح في العديد من النصوص التي كتبها إلى ذلك الغموض الشفاف، بدلاً من المباشرة الفنية، وذلك من دون أن يتخلى الشاعر الراحل عن الإيقاع الخليلي العروضي تماماً، غير منقطع عن الإرث الشعري العربي، وبأسلوبية احتفلت بالتخييل والترميز، مستخدماً الإسقاطات التاريخية، والإشارات والقصص الأسطورية السورية لنسج مناخات غرائبية، من دون التكلف في التركيب اللغوي، أو افتعال صور ومجازات مستهلكة.

قدم صاحب "أمطار في حريق المدينة" (1973) رؤية شاملة لواقعه، دامجاً فيها الذاتي بالموضوعي، حتى ليصعب تصنيف نصوصه في خانات تقليدية، أو التقاط أصداء أصوات شعراء آخرين في ما كتبه طيلة أكثر من نصف قرن من المكابدة لإبداع كونه الشعري الخاص به. ابتعد خضور عن إطار شعراء الوطنيات والقوميات، منجذباً نحو أبعاد فكرية خاصة، لعل قوامها التشاؤم والغضب، لكنها لم تستغنِ عن رقتها وغنائيتها وعذوبة صياغاتها، مع أنها بالغت في جلد الذات وتعريتها في مواجهة القمع والخوف والموت، خالصة إلى ما يشبه الرقي الأخلاقي إزاء ما يحدث، ومناكفة لا مواربة فيها للتقليدي، دون أن تدخل في البكائيات الدرامية، أو التقريعات بالغة العنف.

المشترك الإنساني

ابتعد صاحب "كتاب الانتظار" (1974) عن اجترار قيم الأصالة والبداوة في أشعاره، مراهناً على المشترك الإنساني، سواء أكان هذا في الصور والرموز، أو في المواقف الفكرية للقصيدة التي اعتبرها خضور ديباجته الشخصية، وصرخته الفريدة في نوع من الدفق الشعري العاطفي، مع الأخذ بالاعتبار بطموحات فكرية فلسفية، والتركيب المكثف للجملة، والمفردات المفاجئة. هكذا بدا صاحب "ثمار الجليد" (1984) شاعرا مجدداً من طراز خاص، ومعشقاً لغوياً ماهراً في تخليق شعرية مناهضة لتيارين كانا على طرفي نقيض هما: تيار شعراء قصيدة النثر، وتيار شعراء العمود، إذ ظل خضور مخلصاً لقصيدة التفعيلة، القصيدة التي لم يتح لها الزمن الكافي للدفاع عن أحقيتها ومشروعيتها الفنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عاش فايز خضور سنواته الأخيرة منعزلاً في بيته في محلة دمر في دمشق، منقطعاً عن الأحداث الثقافية والسياسية، بعد أن كان في الثمانينيات نجم الأمسيات الشعرية بلا منازع، ومناقشاً ومجادلاً في أدق التفاصيل. وقد اعتاد تحويل الكتابة في حياته إلى نمط حياة يومي مع أصدقائه الشعراء والمسرحيين من مثل الشاعر أحمد الحافظ والمسرحي ماهر العطار اللذين قاما عام 1987 بإخراج مسرحية له بعنوان "لا قبر للشهداء" النص المأخوذ عن مجموعته "عندما يهاجر السنونو" (1973) وقدم العرض وقتها على مسرح الرشيد في مدينة الرقة.

أماكن دمشقية كثيرة افتقدها الشاعر خضور مع اندلاع الأحداث السورية، لعل أقربها إلى قلبه مقهى "القنديل"، ومقهى "الشرفة"، وفندق "بردى" المكان الذي عاش فيه لسنوات، وكتب في غرفه وردهاته أبرز مجموعاته الشعرية. كانت مسيرته حافلة بالشعر والمواقف، وقد أرخ لها صاحب "سلماس" (1986) بمداد لا ينضب، مصدراً أكثر من ستة عشرة ديواناً، وقد صدرت أخيراً أعماله الكاملة في جزأين عن دار دلمون الجديدة، إضافة إلى كتاب مراجعات نقدية من تأليفه، وضم فيه أبرز آراء الشاعر ومراجعاته الكثيفة للتاريخ والأسطورة، إضافة إلى النقد الأدبي، الذي لطالما كان خضور بارعاً في خوض سجالاته، ضمن مرافعاته العديدة عن التيار الشعري الذي أسسه ونافح عنه أكثر من خمسين عاماً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة