Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البحث في الاستخدام المبكر للنار قد يكشف لغز التطور البشري

اكتشاف جديد يشير إلى استخدام البشر الأوائل للنار قبل 900 ألف سنة على الأقل. وبفضل هذا الاكتشاف، يعتقد الخبراء أن قدرة الإنسان على طهي الطعام هي التي أفضت إلى تغيرات كبيرة غير قابلة للتفسير في أمعائه وأسنانه وشكل وجهه وزادت حجم دماغه

الموقع بحد ذاته أقدم نموذج للكهوف التي استخدمها البشر الأوائل في العالم (مشروع ووندرويرك للبحث)

اتخذ علماء الآثار خطوة حاسمة باتجاه حل أحد أعظم ألغاز التطور البشري.

فمنذ أكثر من عقدين من الزمن، افترض عالم بريطاني أن تغيراً كبيراً طرأ على الجسم البشري، قبل 1.8 مليون سنة تقريباً، نتيجة اكتشاف البشرية إمكانية استخدام النار لطهي الطعام وجعله أكثر قابلية للهضم.

والمشكلة آنذاك أنه لم يكن هناك دليل علمي، من الناحية الآثارية، على أن البشر كانوا يعون كيفية استخدام النار، فبالأحرى الاستعانة بها لطبخ الطعام قبل 250 ألف سنة.

لكن الأبحاث العلمية التي أجراها أخيراً علماء آثار من كندا وإسرائيل تُثبت أن البشر الأوائل استخدموا النار فعلاً قبل نحو 900 ألف سنة.

ومع تحديد التاريخ الجديد من أحد كهوف ما قبل التاريخ في جنوب أفريقيا ومع إعادة الاستخدام المتعمد للنار إلى زمن طويل مضى، بات المجال مفتوحاً أمام العلماء للتدقيق بموقعين كينيين أكثر قدماً (يعودان إلى 1.5 أو 1.6 مليون سنة) والتأكد من احتوائهما على مواقد بشرية، لا مجرد آثار حرائق طبيعية ناجمة عن صواعق.

والأرجح أن يُحدث التاريخ الجديد الذي حدده العلماء الكنديون والإسرائيليون عند نحو 900 ألف سنة قبل الميلاد – في كهف عند الحافة الجنوبية من صحراء كالاهاري – ثورةً في طريقة فهم العديد من مؤرخي عصور ما قبل التاريخ للاستخدام المبكر للنار ودوره المحتمل في تطور البشرية وسلوكياتها الغذائية.

وبرأي البروفسور ريتشارد رانغهام من "جامعة هارفرد" Harvard University، أحد أبرز خبراء العالم في أهمية النار في التطور البشري، التاريخ المبكر الجديد لجنوب أفريقيا "مهم للغاية".

"وإرجاع الاستخدام المبكر والمثبت للنار في الزمن إلى الوراء قد يُعيد تقييم مواقد ونيران مخيمات بشرية محتملة أخرى في أفريقيا".

"ولا شك أن الاكتشاف الجنوب أفريقي هو خطوة مهمة باتجاه التأكيد على أن استغلال البشر للنار من أجل الدفاع عن أنفسهم وطهي طعامهم لعب دوراً بالغ الأهمية في تحريك دفة التطور البشري".

"وأعتقد أن البشر الأوائل اكتشفوا كيفية استخدام النار للمرة الأولى قبل 1.8 مليون سنة تقريباً. وبفضلها، اكتسبوا القدرة على طهي الطعام، ما نتج منه في ذلك الوقت تقريباً زيادة في حجم الدماغ وتغيرات غير قابلة للتفسير في الأمعاء والأسنان وشكل الوجه".

وعلى الرغم من أنه لم يُكتشف إلى الآن سوى جزء بسيط من مواقد النيران الأولى داخل الكهف الجنوب أفريقي، ثمة أدلة ومؤشرات على إمكانية وجود عشرات المواقد الأخرى في أنحاء الكهف – بل يُحتمل أن يكون بعضها أكثر قدماً، بحيث يرقى إلى حقبة التطور البشري السريع قبل 1.8 مليون سنة.

وفي هذا الصدد، يقول المدير المشارك لمشروع التحقيق في الكهف، البروفيسور مايكل شازان من "جامعة تورونتو" University of Toronto إنه "من المقرر إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث وعمليات الحفر– لكن الأعمال ستكون أكثر تعقيداً من الناحية العلمية ومن الممكن أن تستغرق بالتالي سنوات عدة".

وإن كان الأشخاص الذين أموا الكهف قبل 900 ألف عام قد أدركوا كيفية الحصول على النار واستخدموها – فالأرجح أنهم ما كانوا على دراية بعد بكيفية إضرامها.

لكن في عصور ما قبل التاريخ كما في عصرنا الحالي، كانت النار في شبه الصحراء الأفريقية (وفي أجزاء أخرى من العالم) تنشأ على نحوٍ طبيعي ومتواتر بفعل ضربات البرق والصواعق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويُمكن لنيران الأعشاب المتقدة بلطف جراء البرق، أن تدوم أياماً عدة - ويُمكن لدخانها أن يظهر من بعد أميال. وفي فتراتٍ معينة من العام (في نهاية المواسم الجافة مثلاً) – وعلى فترات متقطعة في بعض الأماكن – يُمكن لهذا النوع من النيران أو الحرائق أن يتكرر بكثرة.

إذن، كان حصول البشر الأوائل على النار أمراً سهلاً إلى حد ما. وبفضله، أدركت البشرية أهمية النار – في الطهي والحماية من الحيوانات المفترسة والتدفئة والإنارة والمخالطة الاجتماعية.

وبالنسبة إلى البروفيسور رانغهام، مؤلف الكتاب الرئيسي عن الموضوع وعنوانه "إضرام النار" Catching Fire، الاستخدامات الاجتماعية والاقتصادية للنار هي التي سرعت وتيرة التطور البشري قبل 1.8 مليون سنة؛ وهذه الروح التقدمية هي التي أدت إلى ظهور فصيلة بشرية مبكرة تُعرف بالإنسان المنتصب أو الـ"هومو إريكتوس" – قل الفصيلة التي تحدرت منها معظم الفصائل البشرية اللاحقة، بما فيها فصيلة الإنسان العاقل أو الـ"هومو سبيينز". والأرجح أن فصيلة الإنسان المنتصب هي أولى الفصائل البشرية التي استخدمت النار في الكهف.

وقد يكون عثور علماء الآثار على دليل دامغ على حدوث نار مبكرة داخل أحد كهوف ما قبل التاريخ مهماً بشكل خاص.

والأكيد أن الدليل المستمد من كهف (ونديرويرك ومعناه المعجزة) بالقرب من بلدة كورومان الصغيرة في جنوب أفريقيا هو خير إثبات على أن البشر قبل 900 ألف سنة لم يستخدموه بالضرورة كمسكن دائم.

لذا من المعقول أنهم كانوا يستخدمونه تحديداً أو جزئياً كمكان للحفاظ على النار مشتعلة.

فالتقاط النار من الحرائق الكبيرة أمر سهل، لكن الإبقاء عليها مشتعلة ينطوي على تحديات أكبر – وربما كانت الكهوف المقاومة للعوامل الجوية ضرورية لتحقيق هذه العملية.

ولعل إحدى أفضل الطرق للحفاظ على النار هي بجمع فضلات الحيوانات التي احترقت جراء اندلاع حريق كبير في البراري.  والأرجح أن البشر الأوائل كانوا يعودون بالروث بطيء الحرق أو الفحم الطبيعي إلى الكهوف حتى تكون لهم مصدر نيرانٍ تظل متقدة لساعات.

وتكشف عمليات الحفر التي أُجريت في كهف ونديرويرك (بإشراف الدكتورة ليورا كولسكا هورويتز من "جامعة القدس العبرية" Hebrew University of Jerusalem والبروفيسور شازان من تورونتو) الأسرار المندثرة لأفريقيا القديمة – معززةً أواصر الربط بين الأفارقة المعاصرين وتراثهم الأثري الاستثنائي.

وفي الوقت الحاضر، لا يُستخدم الكهف الذي يرقى إلى 900 ألف سنة والذي كانت تُضيئه النار القديمة، لإجراء التحقيقات الأثرية فحسب، بل لأعمال التوعية بالتراث العام كذلك والتي يتولاها السكان المحليون إلى جانب فرقة مسرحية جنوب أفريقية فريدة من نوعها.

وفيما تُساعد دراسة آثار الكهف في تسليط ضوءٍ جديد على مسار التطور البشري، تُسخر الفرقة المسرحية ("واكينغ تول" Walking Tall من "جامعة ويتواترسراند" في جوهانسبورغ) الكهف واجهةً لمسرحياتها التعليمية التي تُخبر الأفارقة المحليين عن الدور المتميز الذي لعبته القارة الأفريقية في نشأة البشرية.

والموقع بحد ذاته هو أقدم نموذج للكهوف التي استخدمها الإنسان الأول في العالم. وفوق ذلك، هو المكان الذي يحتضن إلى الآن أطول سجل دائم للنشاط البشري في العالم. فالبشرية – منذ فصائل ما قبل التاريخ التي انقرضت منذ مدة بعيدة وحتى البشر الحديثين – استمرت تستخدم الكهف بصورة متقطعة لحوالى مليوني سنة (بالفعل لغاية عشرينيات القرن العشرين).

وبحسب الدكتورة هورويتز، فإن الدليل الزمني المستنبط من هذا الموقع "هو خطوة مهمة باتجاه فهم إيقاع التطور البشري في أنحاء القارة الأفريقية".

ويمتد كهف ونديرويرك على مسافة 140 متراً تقريباً من جانب إحدى التلال. انكب علماء الآثار على دراسته بشكل متقطع منذ أربعينيات القرن الماضي. ومنذ عقد تقريباً، نشر محققون أثريون دليلاً على استخدام النار فيه منذ مليون سنة – لكن النقاد شككوا في التاريخ واقترحوا أن الفترة الحقيقية لا تتعدى نصف ما قيل. وفي وقت لاحق، استكمل المحققون أبحاثهم ووجدوا دليلاً إضافياً على إدعاءاتهم السابقة. وفي الأسبوع الحالي، نشر المحققون النتائج التي توصلوا إليها والتي تُثبت بأن النار استُخدمت في ونديرويرك قبل نحو 900 ألف سنة، مع توقعاتهم بأن تكشف الأبحاث المستقبلية عن مواقد أخرى أكثر قدماً.

وفي هذا الأسبوع أيضاً، تم الإعلان عن التاريخ الجديد لأول استخدام للنار في تاريخ البشرية وتفاصيل أخرى عن كهف ونديرويرك في دورية "كواتيرناري ساينس ريفيوز"Quaternary Science Reviews ، بتمويل من "المجلس الكندي للأبحاث الإنسانية والعلوم الاجتماعية" و"صندوق العلوم الباليونتولوجية" ومقره جوهانسبرغ.

© The Independent

المزيد من علوم