Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عالم إيراني عاد لينقذ بيئة بلاده ثم استشعر بالخطر وهرب

خشي أن ينتظره ضباط استخبارات في مطار طهران للقبض عليه ولم يكن ذلك مجرد تكهن

العالم الإيراني كاوه مدني (رويترز)

كانت مسيرة العالم الإيراني كاوه مدني العملية في أوجها عندما استقر في مقعده في أوائل 2018 في طائرة متجهة من بانكوك إلى طهران، كان المهندس المدني على الرغم من نشأته في العاصمة الإيرانية، سافر من بلاده وهو في الـ 22 من عمره لاستكمال دراسته في الخارج، وحاز شهرة واسعة لأبحاثه في آثار تغيّر المناخ على إمدادات المياه.

قبل ذلك بستة أشهر، أغرت الحكومة الإيرانية مدني، وهو في الـ 36 من عمره، عارضة عليه أن يترك عمله في لندن كأستاذ جامعي ليستلم منصب نائب وزير البيئة.

ليس تكهناً

وفي ذلك اليوم، كان أنهى جولة في أربع دول مثّل خلالها طهران في اجتماعات حول الموارد المائية وقضايا بيئية أخرى، وعقب إقلاع الطائرة، أوصل هاتفه بشبكة الـ "واي فاي"، وتصفّح حسابه على تطبيق "تويتر".

كانت حسابات عدة على "تويتر" نشرت صوراً له في حفل وهو يراقص نساء في تصرف يعتبر خرقاً جسيماً للياقة من جانب غلاة المحافظين في الحكومة الإيرانية التي يهيمن عليها رجال الدين، وكلما انتقل من صفحة إلى أخرى، ازداد انزعاجه.

قرأ تغريدة باللغة الإيرانية جاء فيها، "كاوه مدني، نائب رئيس إدارة البيئة يعاقر الخمر ويرقص في مبنى تابع لحكومة إيران في ماليزيا. هو يسخر من الشعب الإيراني".

ثارت الشكوك في نفس مدني أن المتشددين يقفون وراء المنشور على "تويتر" وخشي أن ينتظره ضباط استخبارات في مطار طهران للقبض عليه، ولم يكن ذلك مجرد تكهن لا أساس له، فقد كان خلاف يعتمل بين غلاة المحافظين والحكومة المعتدلة نسبياً التي يرأسها الرئيس حسن روحاني ووجد مدني نفسه طرفاً فيه.

كان ضباط قد ألقوا القبض عليه عندما هبطت طائرته في طهران وأخضعوه للاستجواب أياماً عدة للاشتباه في كونه جاسوساً للغرب، وهي سبّة شائعة تلتصق بدعاة الانفتاح على المجتمع الدولي.

وفي الأشهر القليلة التالية، خضع للاستجواب مرات عدة، بل واحتجزته السلطات في بعض الأحيان.

أما هذه المرة، فشعر بأن الأمر مختلف، هذه المرة، هاجموه علانية، هذه المرة خشي ألا يُطلق سراحه، وقال مدني، "بالطريقة التي تعمل بها الاستخبارات الإيرانية، هم لا يديرون المخاطر. بل يزيلون المخاطر".

إلا أن الحظ حالف مدني في ذلك اليوم، ففاتته رحلته المباشرة إلى طهران بسبب اجتماع لم يكن في الحسبان، وتم حجز تذكرة له على طائرة للعودة عن طريق إسطنبول، وعندما هبط في تركيا، لم يصعد إلى الطائرة المتجهة إلى طهران، بل اختفى عن الأنظار.

تحديات العلماء

وتكشف مسيرة كاوه مدني في الحياة العملية، على الرغم مما اصطبغت به من مؤامرات محفوفة بالخطر، عن التحديات الخاصة التي يواجهها العلماء ودعاة الحفاظ على البيئة في العالم النامي على المستويين السياسي والعملي.

أصبح علم المناخ مسيّساً في الدول الغنية أيضاً بطبيعة الحال بما فيها الولايات المتحدة وأستراليا، وفي إيران، أصبح التغيّر المناخي قضية سياسية لكن بطريقة مختلفة.

فالمسؤولون الإيرانيون لا يرفضون فكرة التغيّر المناخي، بل يحمّلون مسؤولية النقص المزمن في الموارد المائية والتصحّر للدول الصناعية الغربية التي تسببت في نصيب الأسد من الانبعاثات الكربونية.

ويسلّم مدني بأن هذه مشكلة حقيقية، غير أنه يعتقد أيضاً أنها مجرد ستار. وهو يقول إن أبحاثه توصلت إلى أن الحكومة أساءت إدارة المياه على مدار عقود، وسمحت للمطورين العقاريين والمزارعين بالإفراط في استخدامها وتحويلها بعيداً من مصادرها إلى المدن.

وثمة فارق آخر بين إيران ودول مثل أميركا وأستراليا أن هذه الدول لا تزجّ بالعلماء وصناع السياسات في السجن.

وتمثّل ندرة التمويل للأبحاث الأساسية بكل أشكالها مشكلة أكثر جوهرية للعلماء في العالم النامي، ويتضح هذا من ترتيب قائمة خاصة جمعت فيها "رويترز" أبرز 1000 عالم في مجال المناخ على مستوى العالم.

فعلى الرغم من أن العالم النامي يمثل حوالى 70 في المئة من سكان العالم، فإن العلماء الذين يعملون في تلك الدول يجسّدون واحداً على 20 فقط في القائمة.

رحلة مدني

وللفوز بالفرص المتاحة لإجراء الأبحاث، يسافر كثيرون من شباب الباحثين إلى دول أكثر ثراء، وهذا ما فعله مدني، إذ سافر إلى السويد ثم إلى كاليفورنيا للدراسات العليا، وبعضهم لا يرجع أبداً إلى بلاده.

قال سليم الحق، الباحث في مجال التكيّف المناخي الآتي من بنغلاديش، الذي درس ابنه على يد مدني في "إمبيريال كوليدج" لندن، "الفرصة ضئيلة جداً جداً في الحصول على تمويل، ولذلك أمضينا تقريباً كل وقتنا في التدريس والقليل جداً من وقتنا في إجراء الأبحاث، لأن إمكانية الحصول على تمويل لذلك محدودة للغاية".

كان لمشكلات مدني السياسية انعكاس آخر، فلجأ إلى تورونتو، الأمر الذي عطّل أبحاثه، وعلى الرغم من أنه ما زال ينشر أبحاثاً من حين لآخر، قلّ إنتاجه وخرج من القائمة.

وبذلت "رويترز" محاولات كثيرة للتواصل مع الحكومة الإيرانية خلال إعداد هذا التقرير، فاتصل مراسلوها بالمسؤولين في البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وحاولوا التواصل مع مسؤولين في طهران هاتفياً وعبر البريد الإلكتروني من دبي، ولم يردّ أي مسؤول من قبل الحكومة الإيرانية.

وأكد عدد من أصدقاء مدني وزملائه في الولايات المتحدة وإيران روايته للأحداث، كما اطّلعت "رويترز" على التغريدات المنشورة في الفترة التي سبقت اختباءه مباشرة وترجمتها، وتأكدت من أنه كان هدفاً لحملة ترهيب، إضافة إلى الاطلاع على تقارير إخبارية معاصرة للفترات التي تم احتجازه فيها.

"المياه قضية كبرى"

ولد مدني (39 سنة) في طهران، ونشأ مع والديه اللذين لقّناه أهمية إدارة المياه والحفاظ عليها، كان الاثنان يعملان في إدارة حكومية تدير الموارد المائية في إيران التي توجد في أراضيها مساحات جرداء أو تغطيها الأعشاب وجبال ثلجية وسهول حارة رطبة وغابات مطيرة حافلة بالحياة النباتية.

صاحب شغف الوالدين مدني حتى الجامعة، فجعل منه محور دراسته في وقت كان الطلبة الآخرون ما زالوا يتحسسون طريقهم.

قال علي ميرشي الذي زامل مدني في دراسة الهندسة المدنية في جامعة تبريز، وأصبح يدرّس الآن في جامعة ولاية أوكلاهوما، "كان يشرح للناس على الدوام أن المياه قضية كبرى. وقد أصبحت بالفعل قضية كبرى" في إيران، وأضاف، "ستصبح قضية كبرى في مختلف أنحاء العالم".

بعد حصول مدني على شهادته الجامعية في الهندسة المدنية عام 2003، غادر إيران لمواصلة دراسته في السويد، ومنها سافر إلى أميركا حيث حصل على شهادة الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا، (دافيس)، والتحق في ما بعد بـ "إمبيريال كوليدج"، لندن، لتدريس إدارة المياه ونظرية الألعاب، وهي طريقة في التحليل الرياضي للمشكلات بناء على الخيارات المتاحة لدى كل مشارك في اللعبة.

وفي أبحاث عدة، أخذ مدني تلك المبادئ وطبّقها على مشكلات استخدام المياه، ويتمثّل أحد الأمثلة البسيطة في مُزارع يحتاج إلى مياه الري ومطور عقاري يحتاج إليها لبناء مساكن جديدة، لكل منهما حاجاته من المياه والموارد تكفي إذا أخذ الاثنان خطوات معتدلة لتقليل استخدام المياه، لكن إذا ارتاب كل منهما في الآخر، فسيسحبان من المياه ما يفوق حاجاتهما، الأمر الذي يفضي إلى استنزاف المتاح للجميع.

ويقول مدني إن هذه المشكلة من نوع المشكلات التي تكون الحكومات أقدر فيها على حلّها حلاً عادلاً بضمان التزام الجميع المطلوب، وهذا هو نوع المهمات التي يشعر أن بإمكانه من خلالها أن يحدث أكبر تغيير بتضييق الهوّة بين العلم والمجتمعات وسياسة الحكومة والتغيّر المناخي.

لم ينتقد الحكومة علانية

وقال إن نظرية الألعاب لا تصلح لكل المشكلات، لكنها أسلوب يساعده في التوصل إلى الحلول، وأردف، "هي رياضيات التعاون والتصارع. فبإمكانك استخدامها إما لتصوّر النتائج المرجحة لمواقف الصراع أو للمواقف التي تحتاج إلى صنع القرارات أو للتشاور وطلب النصيحة والخروج باستراتيجيات من أجل الحصول على النتيجة التي تريدها".

ومجال تخصصه الأساسي هو إدارة موارد المياه العذبة، التي لا يمكن من دونها أن توجد غالبية أشكال الحياة على الأرض، غير أنه بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض مع التغيّر المناخي، فإن بعض مناطق الأرض تشهد أمطاراً أقل وإيران من هذه المناطق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وموارد المياه من المواضيع الشائكة في إيران في ضوء دور الحكومة في إدارتها، غير أن مدني لم ينتقد الحكومة علانية.

ففي عام 2016 وقبل عودته، كتب هو وميرشي زميله القديم في السكن في جامعة تبريز بحثاً استكمالاً لبحث نشره مدني في 2014، اتهما فيه إدارة البيئة ووكالات حكومية أخرى بما وصفاه بعبارة "الإفلاس المائي"، فقد قال الاثنان إن سوء الإدارة تسبب في جفاف بحيرات وأنهار ومستنقعات، وأدى إلى تصحر وزيادة العواصف الترابية، ويذكر مدني أن الحكومة تخفي هذا الفشل وراء ذريعة التغيّر المناخي الذي أدى بالفعل إلى ارتفاع درجات الحرارة صيفاً وتضاؤل كميات المطر.

وكان البحث المنشور في 2016 تحدّياً مباشراً للحكومة، غير أنه قال إن بعض المسؤولين الميّالين للإصلاح في إدارة البيئة كانوا لا يزالون يريدون عودته على الرغم من اعتراضات المتشددين.

وفي سبتمبر (أيلول) 2017، ترك مسيرته الأكاديمية بما تحمله من وعود خلف ظهره وعاد إلى وطنه ليقبل منصب نائب رئيس الإدارة، وتضمنت مسؤولياته العلاقات الدولية والتواصل الاجتماعي والابتكار.

عودة محل خلاف

كان مدني واحداً من أبرز العائدين من المواطنين الإيرانيين في المهجر للعمل في الحكومة، كان ذلك إنجازاً كبيراً، فها هو أحد أفراد جيل ما بعد الثورة من المتعلمين في الغرب الذين ينشرون مقاطع على "يوتيوب"، عاد إلى الوطن لمساعدة بلاده.

اختير لتمثيل إيران في مفاوضات مختلفة تتعلق بالمناخ وحصل على جواز سفر دبلوماسي، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، مثّل إيران في اجتماعات تطبيق قرارات التغيّر المناخي التي عقدت في بون بألمانيا.

وفي الشهر التالي، سافر إلى باريس لحضور الاحتفال بذكرى اتفاقية باريس للتغيّر المناخي لعام 2015، ومثّل عدد كبير من رؤساء الوزراء ورؤساء الدول بلادهم في المناسبتين، بينما مثّل مدني إيران.

وفي الداخل، قال زميل لمدني متخصص في المياه إنه سرعان ما ظهر أثره، فقد استخدم وسائل التواصل الاجتماعي في جذب اهتمام العناصر الفاعلة والساسة بل وبعض رجال الدين للقضايا البيئية، وكان من أبرزها التشجيع على عدم استخدام العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.

وأضاف خبير المياه أن مدني تصدى لمسؤولين في مشاريع لنقل المياه من منطقة في البلاد إلى منطقة أخرى، وهو ما يعتبر مدني أنه يضرّ بالبيئة في المناطق التي يتم سحب المياه منها.

وقال الخبير الذي اشترط إخفاء هويته، "كان صريحاً جداً عندما كان يلقي كلمات في المؤتمرات. انتقد الناس والمسؤولين. وحاول تغيير سلوكهم".

في ذلك الوقت، كان الزميل يأمل في أن تؤذن عودة مدني باستعداد إيران للتعامل مع بعض المشكلات المزمنة على الصعيد المائي، وأوضح أن مدني ومعاونيه كانت لديهم خطط لإنشاء مركز لمراقبة موارد المياه والتنبؤ بالجفاف.

تحويل مسار هجرة العقول

لكن المشكلات كانت تختمر تحت السطح، قال مدني، "لم يكن النظام قد تعامل مع حالة مثلي. وكانت هناك قصص كثيرة عن تحويل مسار هجرة العقول وإعادة جيل الشباب لدرجة أنهم واجهوا صعوبات في التخلص مني أو الوثوق بي ثقة كاملة"، وذكر مدني أنه عندما وصل إلى إيران للمرة الأولى، احتجزه ضباط الاستخبارات في الحرس الثوري واستجوبوه ساعات عدة عن الفترة التي قضاها في الخارج واتهموه بالتآمر مع دول أخرى منها إسرائيل، وأضاف أنهم صادروا جهاز الكمبيوتر الخاص به وهاتفه.

ولدى مدني شكوك أنهم اخترقوا حسابه على خدمة "جي ميل" للبريد الإلكتروني، وقاموا بتنزيل رسائله الإلكترونية على مدار 14 عاماً واستخدموها في ما بعد في اليوم الذي سافر فيه إلى إسطنبول.

ولم تستطِع "رويترز" أن تتوصل إلى من اخترق صور مدني ونشر التنديدات بها على "تويتر"، وقال مدني إنه يعلم أن ضباط الاستخبارات هم الذين يقفون وراءها لأنه لم يتمكّن من الدخول على رسائل البريد الإلكتروني، واضطر أن يطلب من مستجوبيه كلمة السر الجديدة الخاصة به.

وتعرّض مرة أخرى للاعتقال، وتم استجوابه مرات عدة في الأشهر التي قضاها بين عودته إلى إيران في سبتمبر 2017 لكنهم كانوا يخلون سبيله كل مرة.

وفي المرة الأخيرة التي ألقي فيها القبض عليه في فبراير (شباط) 2018، احتجزت السلطات أيضاً ثمانية من الإيرانيين العاملين في مجال البيئة لحماية النمور الآسيوية، وتوفي أحد الثمانية وهو رهن الاحتجاز.

"يوم أسود"

وقالت السلطات الإيرانية إن كاووس سيد إمامي، الإيراني الحاصل على الجنسية الكندية، الذي كان أحد المؤسسين للجمعية الإيرانية لحماية الحياة البرّية انتحر، وتشك عائلته في صحة ذلك، وصدرت بعد ذلك على بقية أفراد المجموعة أحكام بالسجن بتهمة التآمر مع دولة أجنبية أو التجسس.

وعلى متن الطائرة المتجهة إلى إسطنبول في وقت لاحق من ذلك العام، قرر مدني أن من يوفرون له الحماية والدعم خسروا المعركة الداخلية، فقد سُحق زملاؤه في إيران، وأُلغيت خططهم لإقامة مركز للموارد المائية بعد رحيل مدني.

وقال الخبير المائي، "اليوم الذي رحل فيه عن إيران كان يوماً أسود بالنسبة لي".

كانت سوزان مالوني، الباحثة في الشأن الإيراني التي تعمل الآن في معهد "بروكينغز" في وزارة الخارجية الأميركية عندما عمل مدني في الحكومة الإيرانية، وتابعت جهوده وما واجهه من صعوبات من خلال الحسابات الإخبارية ومصادر أخرى، قالت مالوني إن المغتربين الإيرانيين مثل مدني وإمامي وغيرهما عادوا لخدمة بلادهم ليجدوا أنفسهم مسجونين.

وأردفت، "أعتقد أن كاوه مدني كان محظوظاً للغاية لأنه خرج من إيران من دون نتيجة أسوأ، وأنا متأكدة من أنها كانت تجربة مروّعة للغاية".

واعتبر سليم الحق العالم البنغلاديشي، الذي يحتل المرتبة 208 في قائمة "رويترز"، أن مصير مدني لم يكن مفاجئاً، بالنظر إلى القيود المفروضة على انتقاد الحكومة.

تحديات في العالم النامي

ويتسبب التغيّر المناخي في مشكلات حادة لمن يعيشون في العالم النامي سواء من حيث نقص المياه أو فشل زراعة المحاصيل، ويتعيّن على الحكومات بصفة فردية التركيز على الحلول العملية والمباشرة بحفر آبار جديدة أعمق والحد من عمليات الري أو إعادة استخدام مياه الصرف في توفير المياه النقية.

يجادل مدني أن معظم هذه البلدان لا تستطيع، على الرغم من كل شيء، أن تفعل الكثير لتقليل الانبعاثات على أي حال، وباستثناء الدول النامية الأكثر ثراء، فإن معظم الدول النامية يمثّل مصدراً ضئيلاً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لذلك حتى لو تخلّصت من كل أنواع الوقود الأحفوري، فلن يحقق ذلك نتيجة تُذكر للمساعدة في التعامل مع عواقب التغيّر المناخي.

وفي إيران، يقول مدني إن مكافحة آثار تغيّر المناخ والمشكلات البيئية الأخرى تتعقد بسبب علاقة بلاده المتقلبة مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، نتيجة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها والأمم المتحدة في أوقات مختلفة لمعاقبتها على شن هجمات على الملاحة في الخليج، ودعم الإرهاب الدولي وسعيها لامتلاك أسلحة نووية، وفي نوفمبر، نشر مدني بحثاً عن مدى الأضرار التي تحدثها العقوبات في البيئة الإيرانية بشكل خاص.

على سبيل المثال، كان تصدير المنتجات النفطية المكررة إلى إيران غير قانوني منذ عقود، لذلك، طوّرت البلاد مصافي النفط الخام الخاصة بها. والنتيجة هي وقود قذر وملوث للبيئة يعمل على تشغيل محطات طاقة كهربائية قذرة وملوثة للبيئة.

وبالمثل، فإن تصدير السيارات إلى إيران غير قانوني أيضاً، لذلك، طوّرت طهران صناعة السيارات الخاصة بها، والنتيجة هي سيارات تفتقر لكفاءة الأداء.

وقالت مالوني، الباحثة في الشأن الإيراني، إن العقوبات تسمح للحكومة الإيرانية بتحميل الغرب تلقائياً المسؤولية عن مشكلاتها، عندما تلعب العوامل الداخلية مثل الفساد أو سوء الإدارة دوراً فيها، وأضافت، "أعتقد أن إيجاد طرف خارجي لإلقاء اللوم عليه من أعراض نهج طهران تجاه كل مشكلاتها الداخلية".

أغنياء وفقراء

مثل مدني، درس سليم الحق وقام بالتدريس في الخارج، وهو يرأس اليوم المركز الدولي لتغيّر المناخ والتنمية في الجامعة المستقلة في دكا، عاصمة بنغلاديش، ويقول إن هناك فرقاً واضحاً بين أبحاث تغيّر المناخ في أوروبا وأميركا الشمالية والأبحاث الجارية في البلدان النامية، مثل بنغلاديش.

فالعلماء في الغرب بارعون في العمل على الحلول التكنولوجية لتغيّر المناخ، مثل تكنولوجيا الطاقة الشمسية أو أنظمة تنقية غاز ثاني أكسيد الكربون.

وأوضح أن العلماء في الدول الفقيرة مثل بنغلاديش نادراً ما يُتاح لهم المال أو الخبرة الكافية للقيام بهذا النوع من الأبحاث، إلى جانب ذلك، من شبه المؤكد أن بعضاً من أسوأ آثار تغيّر المناخ، بما في ذلك فترات الجفاف الأطول، وموجات الحر الخطيرة، وارتفاع مستويات مياه البحار، والأعاصير المدارية الأكثر خطورة، ستكون لها تداعيات أقوى على العالم النامي.

كاليفورنيا، على سبيل المثال، تحصل على ما يقرب من خُمس طاقتها من السدود الكهرومائية، لكن هذه السدود تفقد بفعل التبخر كميات هائلة من المياه يمكن استخدامها في الزراعة والشرب، وفي المقابل، يتم استعمال أو تلوث كمية أقل من المياه عند استخراج الغاز الطبيعي والفحم من الأرض وتوظيفها في محطات توليد الطاقة، مقارنة بما يهدره التبخر.

خيارات منخفضة أو معدومة الكربون

لا يدعو مدني إلى حرق الفحم بالطبع، ووجهة نظره هي أن بعض الخيارات منخفضة أو معدومة الكربون، مثل السدود، يمكن أن تكون لها عواقب غير مقصودة على التغيّر المناخي والبيئة والنظم البيئية، وبالنسبة إلى بعض البلدان، فإن التهديد الذي يشكّله السد الكهرومائي على إمدادات المياه قد يعني أن الغاز الطبيعي أو محطة الطاقة النووية أكثر منطقية.

ويقول مدني إن الوضع أسوأ في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث عملت الحكومات منذ عشرات السنين على بناء السدود كمصدر رخيص ونظيف للكهرباء.

ويضيف، "الطاقة الكهرومائية ليست فكرة جيدة، لكن معظم السياسيين يحبونها، أنت تقنع بها الآخرين على أنها متجددة وعلى أنها نظيفة، وهي تأتي مع الكثير من الخرسانة، وهي حقاً في صالح الاقتصاد المحلي، على المدى القصير".

أما على المدى الطويل، فتُفقد كميات هائلة من الماء بسبب التبخر، ويزداد الطلب على المياه حول السد دائماً تقريباً، وفي المناطق التي تشهد هطول أمطار أقل بسبب تغيّر المناخ، يؤدي ذلك أيضاً إلى تعطّش المزارعين في المصب، أحياناً على بعد آلاف الأميال في بلدان مختلفة، للمياه اللازمة للري.

وختم مدني، "إحذروا العواقب غير المقصودة".

المزيد من تحقيقات ومطولات