Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأسد يراهن على تشريع التجديد له بالانفتاح العربي عليه

ضغوط موسكو لتعديل الدستور فشلت والنظام يستثمر بوعد الابتعاد عن إيران والتفاوض مع إسرائيل

يواكب التجديد للأسد أزمة اقتصادية خانقة (أ ف ب)

بعد شهر يفترض أن تجري انتخابات رئاسية في سوريا، وهي الثانية منذ اندلاع انتفاضة الشعب السوري السلمية ضد نظام الأسد في 15 مارس (آذار) 2011، والتي تحولت إلى حرب أهلية إقليمية ودولية توزع فيها النفوذ على الأراضي السورية بين إيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية ومعها دول التحالف الدولي التي لجميعها قوات على الأرض تتقاسم جغرافية بلاد الشام. هذا فضلاً عن دور إسرائيل العسكري المتزايد باضطراد منذ سنوات، في قصف مواقع الوجود الإيراني ومستودعات الأسلحة والصواريخ التي تزود طهران "حزب الله" والميليشيات التابعة لها بها والموزعة على المناطق كلها التي دُحرت قوات المعارضة منها.

مرشحون مغمورون

في 18 أبريل (نيسان) الحالي أعلن رئيس مجلس الشعب، حموده صباغ، أن انتخابات الرئاسة، لفترة رئاسية جديدة تستمر 7 أعوام وفق الدستور الذي عدله النظام عام 2012، ستُجرى في 26 مايو (أيار) المقبل. وفُتح باب الترشح اعتباراً من الإثنين 19 أبريل على أن يقفل بعد 11 يوماً. ومن المقرر أن يُدلي السوريون المقيمون في الخارج بأصواتهم في السفارات في 20 مايو.

وتُقدَّم طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية إلى المحكمة الدستورية العليا ثم تعرض على مجلس الشعب. وقدم الأسد طلب ترشحه، الأربعاء 21 أبريل. وإيحاء بوجود منافسة ديمقراطية في الانتخابات سبق الأسد إلى الترشح قبل يومين، 3 أشخاص. ولإضفاء شرعية على هذه الانتخابات، أعلن صباغ أنه تلقى رسالة ترشح سيدة للمرة الأولى طلبت خطياً عرض رغبتها على أعضاء مجلس الشعب لتأييد طلب ترشحها من قبلهم خطياً هي فاتن علي نهار. وسبقها إلى تقديم طلبين للترشح من قبل كل من عبد الله سلوم عبد الله، ومحمد فراس، ياسين رجوح. والأسماء التي أعلن مجلس الشعب السوري عن ترشحها للرئاسة تعود لأشخاص غير معروفين على الساحة السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية في سوريا. وهو ما حصل في انتخابات 2014، التي انتهت بفوز الأسد بنسبة 92 في المئة من الأصوات. لكن المعارضة السورية وصفتها بأنها غير ديمقراطية وغير شرعية، ورُفضت نتيجتها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ولم يقبل نظام الأسد منذ بدء الاحتجاجات الشعبية الواسعة في الشارع بأي تنازلات من أجل اتخاذ خطوات إصلاحية لمصلحة صيغة حكم أكثر ديمقراطية، بل مارس القمع الدموي ضد المتظاهرين وقتل العديد منهم منذ الأسابيع الأولى وردد معاونوه عبارة شهيرة قائلين "إما بقاء الأسد أو إحراق سوريا وتدميرها". وهو تشبث أكثر بالسلطة، إثر تلقيه الدعم الإيراني العسكري والمادي، ثم الروسي الحاسم لجهة إنقاذ النظام بعد محاصرة قوات المعارضة دمشق، في سبتمبر (أيلول) 2015، حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه. واستند قرار المجلس إلى اتفاق جنيف بين الدول الكبرى في يونيو (حزيران) 2012 الذي نص على حكومة انتقالية في السلطة ثم على حكم انتقالي في نص القرار الذي صدر لاحقاً. واتفاق جنيف لحل الأزمة السورية وُصف بأنه تفاهم وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف. كما وُصف بأنه "خطة أنان" نسبة إلى المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا الراحل كوفي أنان.

اتهام النظام باستخدام الكيماوي عشية الانتخابات

وينتظر أن يتكرر رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات مع الاستحقاق الآتي لأسباب عديدة، آخرها إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قبل أيام أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية في مدينة سراقب في 4 فبراير (شباط) عام 2018. وأوضحت المنظمة في تقرير أن مروحية تابعة للنظام السوري قصفت شرق سراقب بأسطوانة غاز كيماوي واحدة على الأقل.

وقبل ساعات، في 21 أبريل، صوتت الدول الأعضاء في المنظمة بغالبية الثلثين لمصلحة مذكرة تدعمها دول عدة منها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، تنص على تعليق "حقوق وامتيازات" دمشق داخل المنظمة، ومن ضمنها حقها في التصويت. وتتوقع دوائر دولية أن يعقب تجريد النظام السوري من حق التصويت في المنظمة عقوبات أخرى، في شكل يصعب على الدول التي تنوي الانفتاح على الأسد التعامل معه، إضافة إلى صعوبات سابقة استناداً إلى قانون "قيصر" الأميركي الصادر عام 2019، الذي يخضع الأفراد والشركات والمصارف التي تتعامل مع مؤسسات النظام ورجالاته ومصارفه وجيشه لعقوبات صارمة.

المعارضة: إنها مسرحية

واستنكرت المعارضة السورية الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا، وقال نصر الحريري، رئيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، الذي يشكل العمود الفقري لمنصة الرياض والهيئة العليا للمفاوضات، عبر "تويتر"، إن "إعلان نظام الأسد عن موعد مسرحية انتخابات ستكون بإشراف الأجهزة الأمنية كما العادة يؤكد بؤس هذا النظام واستمراره في الانفصال عن واقع الشعب السوري الذي ثار عليه ولفظه منذ عشر سنين، ماتت شرعية النظام مع سفك أول قطرة دم، ولو اجتمع كل مجرمي الدنيا فلن يستطيعوا إعادة الحياة لجثته". واتهم الحريري الأسد بأنه "مجرم حرب"، معتبراً أن السوريين ينتظرهم خلال حكمه "مزيد من القتل والتدمير والتشريد والتهجير والتسول والفقر والبطالة والجوع والمرض والاحتلال والانتظار على طوابير الأفران والمشافي ومحطات الوقود ومراكز الحوالات".

وقال رئيس المكتب السياسي في "الجيش الوطني السوري" الموالي لتركيا، مصطفى سيجري، "نحن في المعارضة وقوى الثورة السورية غير معنيين بهذا الإعلان، ونعتبر برلمان الأسد فاقداً للشرعية، ودعوته باطلة ولن تعدو كونها مسرحية هزلية جديدة ومحاولة بائسة لإعادة إنتاج الأسد ونظامه الإرهابي".

استمرار العمليات العسكرية على أنواعها

وفي وقت يراهن نظام الأسد على أن يدفع التجديد له في الانتخابات الشكلية التي ستجري دولاً عدة إلى الانفتاح عليه بحكم الأمر الواقع، ينتظر ألا تغير وقائع استمرار الصراع في البلاد من تواصل العمليات العسكرية. ففي 19 أبريل أعلن الجانب الروسي عن قصف بالطيران لمواقع تابعة للمتطرفين شمال تدمر أدى إلى مقتل 200 منهم. وليل 20 أبريل قصفت إسرائيل مستودعات للواء 151، قيل إنها لصواريخ باليستية تخزنها إيران لمصلحة الجيش السوري و"حزب الله" في منطقة العطيفة القريبة من منطقة القلمون التي يتردد أن فيها أنفاق خاصة بالصواريخ.

وفي التوقعات حول استمرار العمليات القتالية على المسرح السوري ما يشير إلى أن النظام نفسه ليهيء عبر قنوات اتصال لم تنقطع مع تركيا لمعارك في شمال شرقي سوريا، بين القوات الكردية والعشائر العربية في تلك المنطقة. فعلى الرغم من الخلاف مع أنقرة يلتقي الجانبان على مواجهة النفوذ الكردي في مناطق الشمال السوري.

ويذكر بعض المتابعين عن كثب لتفاصيل الوضع السوري هذه الوقائع الميدانية وغيرها للإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية لن تغير من بقاء الأراضي السورية ساحة للقتال بين القوى الإقليمية والميليشيات على الأرض في المرحلة المقبلة.

الأزمة الاقتصادية

ويواكب التجديد للأسد أزمة اقتصادية خانقة إذ يشير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة صدر في فبراير الماضي إلى أن 12.4 مليون سوري أي قرابة 60 في المئة من الشعب السوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويتفاقم الوضع المعيشي مع التدهور السريع في الوضع الاقتصادي في لبنان الذي كان النظام يعتمد على التهريب منه إلى سوريا للمواد الغذائية والمحروقات المدعومة بسعر صرف متدن للدولار الأميركي من أجل استيرادها، لكنها ستنضب الشهر المقبل.

موسكو ضغطت ثم تراجعت

وتتوقع حتى المجموعات السورية المحايدة بين النظام والمعارضة على تنوعها، ألا تضيف الانتخابات أي جديد يغير في واقع الحال لأنها ستجري في شكل مخالف لقرار مجلس الأمن الرقم 2254 الذي ينص على وجوب أن تتم بإشراف ورقابة الأمم المتحدة وضمان اشتراك السوريين النازحين والمهجرين في دول الجوار وغيرها والذين يفوق عددهم الستة ملايين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن موسكو سعت إلى أن تتم الانتخابات الرئاسية وفق دستور جديد سعى الموفد الدولي غير بيدرسون إلى التوصل إليه برعايته 5 جولات من التفاوض في جنيف للجنة المنبثقة عن لجنة صياغة الدستور الجديد التي كانت نشأت بدعم بقرار من صيغة أستانا التنسيقية بين روسيا وإيران وتركيا حول سوريا قبل نحو سنة، من دون نتيجة بسبب مراوغة الوفد الموالي للنظام. وكانت القيادة الروسية أبدت انزعاجها من إجراء النظام الانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قبل التوصل إلى تقدم في صياغة الدستور الجديد ثم عادت فنصحت الأسد بتأجيل الانتخابات الرئاسية حتى يونيو (حزيران) المقبل ريثما تتهيأ الأجواء لإنجاز ما في صياغة الدستور، في شكل يضفي شرعية معينة على هذه الانتخابات، ووجه الإعلام الروسي انتقادات للنظام بسبب إعاقته أي تقدم في المحادثات ومارس المسؤولون الروس ضغوطاً على النظام في هذا الاتجاه من دون جدوى. فموسكو تدرك أن فوز الأسد من دون أن يقترن مع تغيير في مجريات الصراع، سيحول دون إسباغ الشرعية على انتخابه بحيث يكون منطلقاً للتقدم في الحل السياسي يكرس نفوذها في سوريا ويدفع المجتمع الدولي إلى تقاسم أعباء معالجة الأزمة الاقتصادية وإعادة الإعمار.

إلا أن تصاعد الصراع الأميركي الروسي في ميادين شتى، من أوكرانيا، إلى نشر حلفاء أميركا الصواريخ في أوروبا الشرقية... وصولاً إلى فرض عقوبات على مسؤولين روس، دفع موسكو إلى قبول الأمر الواقع والعودة إلى التشدد في سوريا.

وعود للعرب

وسعت الدبلوماسية الروسية إلى إقناع بعض الدول العربية بالانفتاح على نظام الأسد بعد الانتخابات. ويراهن الأسد في على انفتاح دول عربية عليه مقابل وعود لها بالابتعاد عن إيران إذا ما قدمت له المساعدات المالية في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، بعد التجديد له في الرئاسة، وعلى تكريس شرعية إعادة انتخابه بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية لتشجيعه على الوفاء بهذه الوعود. كما أنه يراهن على أن تلعب إسرائيل دوراً في تليين الموقف الأميركي حياله في سياق ما يحكى عن وساطة روسية بينه وبين الدولة العبرية، لإطلاق محادثات سلام معها، طالما أن بعض الدول العربية بدأت عملية التطبيع. والصلة الروسية في هذا السياق أدت إلى بعض خطوات حسن النيات من خلال إعادة رفات أحد الجنود الإسرائليين والبحث عن جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سوريا. لكن الاعتقاد السائد أن النظام يترك مجالاً للتكهنات من أجل ربح الوقت.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير