Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائقي "عام لإنقاذ العالم" عن غريتا ثونبيرغ

شريط "بي بي سي" متوقع لكنه مذهل ويتوزع على 3 حلقات تلاحق الرحلة العالمية لمشروع الطالبة السويدية الأيقونية عن عالم بلا كربون

صنعت "بي بي سي" فيلما وثائقيا عن مشروع "عالم بلا كربون" الذي تناضل غريتا ثونبيرغ كي تحققه (يوتيوب)

قبل ثلاثة أعوام، حين لم تكن حتى قد بلغت عمراً يسمح لها بممارسة الانتخاب، أخذت غريتا ثونبيرغ إجازة مدرسية ليوم واحد وتظاهرت بمفردها أمام مبنى البرلمان السويدي. وآنذاك، رفعت لافتة ما زالت إلى اليوم تحملها معها في تحركاتها وأسفارها الكثيرة. وحملت اللافتة شعار "إضراب (مدرسي) من أجل المناخ" Skolstrejk For Klimatet. إنها جملة واضحة بلغتها السويدية، وتكاد لا تحتاج إلى ترجمة. وهكذا، بتلك البساطة، استطاعت غريتا، منذ صحوتها السياسية المبكرة في سن المراهقة، تجييش الملايين واستقطابهم. والأرجح أنها أسهمت في إنقاذ الحياة على كوكب الأرض. وقد حظيت في هذا السياق بتقدير مميز من ناحية الشهرة لم ترغب به أبداً، إذ بات الناس يعرفونها بمجرد ذكر اسمها الأول. وفي هذا العام بلغت غريتا سن 18، بيد أنها لم تمارس بعد حق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية (السويدية). وذاك يبدو متماشياً مع مسارها، نظراً لازدرائها السياسيين، وكونها، إذا كنتم تذكرون، أربكتهم بسؤالها الغاضب "كيف تجرؤون؟".

إذن، ما الجديد الذي طرأ اليوم في إطار حملتها، بعد أن أضحت شخصية شهيرة، ربما تنطبق عليها بحق صفة "الأيقونة"؟ الحقيقة، ينبغي الاعتراف، ثمة مستجدات كثيرة طرأت، تعبر عن نجاحها. في الوقت عينه، هناك مستجدات تمثل دليلاً على محدودية ما يمكن أن تحققه، هي والحركة التي أسهمت في قيامها وتطورها. إذ بناء على ما لا تنفك نقله إلينا بنفسها، فإننا نستمع إلى ما يقوله العلم، إلا أن الأفعال في هذا الإطار تبقى قليلة.

من هنا يمكن القول إن وثائقي قناة "بي بي سي" عن غريتا، المكون من ثلاثة أجزاء، يأتي بعد حملتها الدولية على مدى الأعوام القليلة الماضية للتخلص من انبعاثات الكربون. وكذلك يبدو عملياً أشبه بفعل عبادة. إذ يمثل صيغة بصرية متلفزة توازي مشهدية كاتدرائيات القرون الوسطى، ويكون نصباً لديانتنا البيئية الجديدة، وقد بني بحرفية أخاذة وطموح متسام، وكرس إلى شفيعته، القديسة غريتا. لذا يمكن القول أيضاً، إن الفيلم جاء متوقعاً، بيد أنه يبقى فيلماً باهراً. إذ يقدم لنا مثلاً، مشاهد مذهلة ومحزنة من منطقة جبال "روكي" الكندية، حيث تؤدي أزمة المناخ إلى محو مساحات كبيرة من غابات الصنوبر المهيبة. كذلك نعاين في سياقه بلدة "بارادايس" التي يحمل اسمها (ترجمته، الجنة) معنى مجازياً، في كاليفورنيا/ وهي محاصرة بحرائق الغابات، فيموت بفعل ذلك 86 شخصاً وتدمر حيوات كثيرة جراء ذلك. وفي الفيلم نفسه، نتتبع غريتا ووالدها عبر المحيط الأطلسي على متن زورق، أثناء سفرها كي تلقي خطاباً جديداً في قمة أخرى من قمم المناخ ومؤتمراته. وفي طريق تلك الرحلة، تطالعنا مشاهد جمالية عدة عن حيوانات (معرضة لخطر الانقراض)، كالنمور وضفادع الأشجار. ويحدثنا خبراء محترفون، فيطلعونا على أمور مهمة متعلقة بالبيئة، باتت اليوم مألوفة بالنسبة لنا، وبتنا مقتنعين بها تماماً، على الأقل من فرط ما سمعنا عنها. ويعود الفضل بذلك في جزء يسير منه، إلى غريتا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وضمن ذلك الإطار، ففي فيلم كهذا، جرت العادة قبل أعوام قليلة خلت، أن يمنح المنكرون لمسألة المناخ "حق الرد" على العلم. أما الآن فإن توازناً خطأً (في الآراء ووجهات النظر) على هذا النحو، بات من الماضي. إذ انتهى السجال انتهى، وتكرست العقيدة المستقيمة التي تحملها غريتا.

وفي سياق متصل، غالباً ما يقول منتقدو غريتا لها إنك ستكبرين يوماً ما، غير أن الفيلم يذكرنا بأن هذه الشابة باتت سلفاً واثقة من نفسها، وتتخطى ثقتها بنفسها عمرها. وأنا أذكر، كمثل على هذا، قصة "ثياب الإمبراطور الجديدة" التي رويت لي في صغري، باعتبارها تحذيراً لطيفاً من تكبر البشر وغرورهم. في المقابل، تسهم الطريقة التي توردها غريتا فيها [تلك القصة] في إعادة توجيهها كلياً إلى موضوع جريمة الإنسان بحق كوكبه الأرض. وتأتي صيغة غريتا من القصة هدارة بزخات مطر أسيدي، "إن الطفل هو الوحيد الذي يجرؤ على مساءلة الكذب العام المستشري".

ووفق كلماتها، تدرك غريتا تماماً "أن الناس يظنونني مجرد مراهقة غاضبة، تصرخ في وجه قادة العالم. إنها الصورة التي كونوها في أذهان الناس عني. بيد أنني لست كذلك". لكننا لن نعرف أبداً (في سياق الفيلم) إلا بما لا يتخطى بعض الإلماحات، من هي غريتا بالفعل. وحين ترجع، أخيراً، إلى ستوكهولم من إحدى جولاتها، تحتضن والدتها، ميلينا، ابنتها الصغيرة بطريقة ملؤها الحب. وثمة عدد من اللحظات الدافئة الأخرى في الفيلم، خصوصاً عندما يعمل والدها، سفانتي، الذي يرافقها دوماً، بتحميل الحقائب وإنزالها من القطار، وحين يقود سيارة "تيسلا". إلا أنه لا يظهر كثيراً أيضاً. إذ تعلن غريتا ببرود وفي حضوره "لا أريده في التظاهرات". وفي المقابل، تقر غريتا بالضغوطات التي جلبتها لعائلتها، فتشير بابتسامة إلى سفانتي في نهاية يوم مرهق آخر، "لا بد أنك تتمنى لو أني اخترت رقص الباليه، أو أي شيء من هذا القبيل". فيجيب مبتسماً "أجل، أجل، أجل" ويرفق ذلك بعبسة صغيرة. وأنا في هذا الإطار، بصفتي مجرد مريد في مقام القديسة غريتا، أعتقد أن كل شيء تقوله صادق، وأنها واحدة من أعظم قادة زمننا. بيد أنها أشبه بسجين أيضاً، لأنها كرست نفسها لقضية لا يمكن في الواقع أن تنتصر. قديسة أم لا، على المرء أن يشعر بعدم الارتياح قليلاً تجاه ما يمكن أن يفعلوه بها.     

© The Independent

المزيد من منوعات