Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقديس علم الاتحاد يهدد بمزيد من الانقسام البريطاني

الرايات قد تولد الانقسام والكراهية لكن كثيرين منا لديهم جوانب هوياتية متعددة، ويعتبرونها منسجمة مع انتمائنا الوطني

العلم رمز وطني جامع لكن المبالغة في رفعه قد تؤدي إلى انقسامات قومية في بلد متعدد الهويات (أ ب)

عندما ينتهي الصيف، سينسى كثيرون إعلان الحكومة عن وجوب رفع علم الاتحاد على المباني الرسمية كل يوم، بدلاً من 20 يوماً في السنة. لكن من غير المرجح أن ينسوا رؤية وزراء الحكومة أثناء إدلائهم ببياناتهم الرسمية وخلفهم العلم الوطني. ويُفترض أن ترفع السياسة الجديدة من الحس الوطني وتبعد أولئك الذين يفتقرون إليه أو يفتقرون إلى حماسة كافية تجاهه. ولقد نجحت هذه السياسة في إقناع كير ستارمر زعيم حزب العمال بإلقاء خطابه الأخير وخلفه العلم.

أظن أنني لن أحصل على درجات عالية في اختبار الحماسة. لطالما اعتبرت نفسي وطنياً في ما يتعلق بالانتماء إلى المملكة المتحدة، لكن من دون أن أكون قومياً، إذ لم يستلزم الولاء للمملكة المتحدة أبداً الكراهية تجاه أي موطن آخر. لقد شعرت بالانتماء أيضاً تجاه أعلام ورموز أخرى كـالوردة البيضاء، رمز يوركشاير حيث نشأت، والعلم الاسكتلندي عندما سكنتُ هناك، وعلم كينيا بألوانه الأسود والأحمر والأخضر حينما عملت في حكومتها، ونجوم علم الاتحاد الأوروبي بخلفيته الزرقاء في مناسبات أوروبية.

وكذلك يملك كثيرون منا جوانب هوياتية متعددة، ويعتبرون ارتباطنا بهذه الرموز جزءًا صحياً تماماً من حسّنا الوطني. واعتقدت أن جمالية المسيرات الضخمة المناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تكمن في شعور الناس بالارتياح أثناء تلويحهم بالأعلام البريطانية والأوروبية. لقد عبّروا آنذاك عن رسالة قوية مفادها بأنهم ليسوا "عالميين بلا جذور"، بل لديهم شعور بهوية مشتركة بين البلد الذي ولدوا فيه (أو ذلك الذي اتخذوه موطناً لهم) وبين كيان أكبر. والآن، تمنع الحكومة رفع علم الاتحاد الأوروبي من دون إذن تخطيط مسبق.

ولأنني لا أبلغ من العمر سوى 77 سنة، فقد كنت صغيراً جداً لأقاتل في الحرب، حينما شكّلت الوطنية مسألة حياة أو موت. إذاً، من أين أتى إحساسي الوطني؟ إلى أي حد أثّر فيه العلم؟ أتذكر أنني كنت عضواً في أشبال الكشافة، وكانت الوطنية تؤخذ على محمل الجد. تعلمتُ هناك، إلى جانب كيفية ربط الحبل على هيئة عقدة الشعاب المرجانية، طريقة رفع علم الاتحاد بشكل صحيح. وآنذاك أيضاً، إذا أخطأنا في الأمر، اعتُبر ذلك إهمالاً جنائياً، لأنه يعني أن الملكة قد ماتت.

أتذكر أيضاً التلويح بعلم الاتحاد على جانب الطريق طيلة ساعات متتالية، في انتظار مرور فرد صغير من العائلة المالكة بسرعة كبيرة. وتعلمتُ حفظ الأعلام الوطنية جميعها عن ظهر قلب، ما ازداد صعوبة مع انتهاء الاستعمار، وأصبح الآن في ظل وجود أكثر من 200 منها، أمراً شبه مستحيل.

في المقابل، قبل كل شيء، تعلمتُ احترام علمنا الوطني، إضافة إلى ربطه في مناسبات خاصة كيوم ذكرى (اللذين سقطوا في الحرب الكبرى الأولى) Remembrance Day أو حفلات الزفاف الملكية أو الفوز على ألمانيا في كأس العالم. وخلاف ذلك، لم يعتبر العلم أمراً بارزاً إلى حد ما، بل شكّل شيئاً مفروغاً منه ما لم تكن هناك أسباب عملية تؤدي إلى عرضه، كتحديد السفارة البريطانية في المدن الأجنبية.

وكذلك تعلمتُ أيضاً أن الأعلام يمكن أن تكون دافعاً للانقسام والكراهية، ولا يقتصر ذلك على "الصليب المعقوف" [شعار النازية] والآن علم "داعش" الأسود، ولكن أيضاً في المملكة المتحدة. ربما كنتُ مجرد شاب إنجليزي ساذج، لكنني شعرت بصدمة بالغة في أول مباراة أحضرها بين "سلتيك" و"رينجرز" في غلاسكو عندما رأيت العلم الإيرلندي ذا الألوان الثلاثة في طرف وعلم الاتحاد [البريطاني] في الطرف الآخر، ويجري التلويح بهما مع هتافات حماسية حول الميول الجنسية للبابا. حينها، لم يكن البابا ظهر بعد في تربيتي الوطنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد أظهرت إيرلندا الشمالية باستعراضاتها السنوية والعنف المصاحب لها، القوة الدائمة للعلم كعامل تفريق. وفي زيارات إلى هناك، تعلمتُ كيف أجد طريقي من خلال الأعلام المعلقة على أعمدة الإنارة. إذا رأيت علماً فيه يد حمراء وسط صليب أبيض وأحمر، أعلمُ أنني في مقاطعة بيزلي الموالية للاتحاد. وثمة ما يدعو إلى الارتباك أيضاً في هذه المنطقة التي تميّزت كذلك بأعلام الاتحاد، ولم يكن من الواضح أبداً أي شعار امتلك الأسبقية على الآخر.

وعلى نحو مشابه، هناك الجبهة الوطنية، يليها الحزب الوطني البريطاني، وقد استخدما العلم الوطني في نشر الكراهية العنصرية. وفي الآونة الأخيرة، تعلمت تسريع عملية استطلاع آراء دائرتي الانتخابية عبر ملاحظة علم الاتحاد في نافذة أو في حديقة ناخب مؤيد بحماسة لـ"بريكست". ويتوجّب أن تكون تلك الاستثناءات تحذيراً من مخاطر تسييس علم الاتحاد.

وفي غضون ذلك، بالنسبة إلى الأعداد الكبيرة التي تعتبر نفسها إنجليزية وليست بريطانية، هناك علم القديس جورج، الذي يُرفع في الغالب ببراءة في تويكنهام أيام المباريات، أو في استعراضات عيد القديس جورج (وفي كنيستي المحلية). في المقابل، بات ذلك العلم بالنسبة إلى بعض الناس شعاراً للسياسات القومية المتطرفة والمشاعر المعادية للاسكتلنديين. إذاً، ما هو وضعه الرسمي في عالم تعتقد فيه الحكومة أن الأعلام مهمة في هويتنا الوطنية؟ وكيف ينسجم علم القديس جورج، قاتل التنين اليوناني ومنقذ العذارى الذي نشاركه كقديس مع إثيوبيا، في الحرب الثقافية حول هويتنا الوطنية؟

في سياق متصل، هناك العلم الاسكتلندي الذي يُرفع على المباني الرسمية في اسكتلندا من جانب عدد كبير من الاسكتلنديين بهدف إبراز هويتهم. هل إن ذلك مُعادٍ للبريطانيين؟ بالنسبة إلى البعض، نعم، لكن لا ينطبق الأمر على الجميع. أتذكر الإحراج الذي شعرتُ به عندما أدّيتُ بصفتي وزيراً في حكومة المملكة المتحدة، "زيارة رسمية" إلى اسكتلندا (على عكس زيارة أصدقائي وأقاربي الاسكتلنديين وزملائي الديمقراطيين الليبراليين). حينئذ، طُلب مني التقاط صورة مع أليكس سالموند أمام العلم الاسكتلندي كما لو كنت في باراغواي أو زامبيا، أزور الرئيس. لقد كانت هذه بريطانيا، لكن لم يكن هناك علم للاتحاد.

بالنسبة إلى الويلزيين، لا يبدو أنهم مشمولون بعلم الاتحاد. وجرى تضمين إيرلندا الشمالية من خلال حيلة استبعاد اليد الحمراء التي تشير إلى أُلستر واللون الأخضر الإيرلندي، فيما لا يزال صليب القديس باتريك ميزة من ميزات علم الاتحاد.

ويشير عشاق العلم إلى أنه في الولايات المتحدة، ترى النجوم والأشرطة في كل مكان، ليس في المباني الرسمية والمكاتب الرئاسية، بل في حدائق الضواحي أيضاً. وللوهلة الأولى، يستغرب المرء كيف لدولة آمنة في قوتها واستقرارها الدستوري (على الأقل حتى مجيء ترمب) أن تشعر بالحاجة إلى استعراض هويتها الوطنية. في بعض الولايات، هناك حاجة على الأقل جزئياً، إلى التمييز بين الولاء للولايات المتحدة وبين أي دعم متبقٍّ للكونفيدرالية. في المقابل، يتمثّل الهدف الأساسي في توفير شعار مشترك يجمع دولة من مكونات مختلفة من المهاجرين الذين طردوا السكان المحليين. لذا، فإننا بالتأكيد مختلفون عن الولايات المتحدة.

واستطراداً، طالما استمر العلم في كونه سمة غير بارزة في حياتنا الوطنية، فإن الكثير من الغموض والمستويات المتعددة لهويتنا يمكن أن تتوافق معه بشكل مريح. ونحن نتّبع نهجاً مماثلاً إزاء النشيد الوطني، الذي يمكننا جميعاً أن نتذكر المقطع الأول منه ونتغنى به بشغف بينما ننسى البقية، بما في ذلك الإضافات الإنجليزية غير الرسمية حول سحق الاسكتلنديين المتمردين ومقاومة الخدع البابوية.

في المقابل، ينطوي رفع علم الاتحاد إلى ما يشبه مرتبة دينية، على تهديد بزرع مزيد من الشقاق. وتشدد القواعد ليس على رفع العلم وحده، لكن أيضاً على رفعه في "وضع أسمى"، بمعنى وضعه على سارية علم أو، بحيث يكون القطبان متساويان في الارتفاع، وسط عدد فردي من الأعلام، أو عند يسار الوسط لعدد زوجي من الأعلام.

في هذا الصدد، أعتقد أنه يمكن ضمان وجود علم الاتحاد في "صف" مختلط عندما يظهر علم المثلية الجنسية بألوان قوس قزح أو علم أي جماعة أخرى فوق مبنى رسمي، وعلى ارتفاع خاطئ. سترتفع وقتها مطالبات نواب المعارضة بإدانة ذلك الفعل الشنيع على الفور. وبعد ذلك، سيتولّى شخص تعيس لم يذهب أبداً إلى أشبال الكشافة، رفع علم الاتحاد بشكل خاطئ. وسيُعرض ذلك العلم بقلّة احترام غير مقصودة، على قناة أخبار "بي بي سي نيوز"، ما سيثير مزيداً من الغضب. وإلى جانب تزويد الصحف الشعبية بمادة دسمة، أظن بشدة أن كل هذا سيُستخدم للإشارة لنا بأن حزباً واحداً هو وحده "الوطني" (في إشارة هنا إلى حز المحافظين).

وكخلاصة، بصفتي شخصاً يعتبر نفسه وطنياً، أستنتج أنه إذا توجّب على الوزراء أن يلتحفوا علماً ما، فإن لديهم أنفسهم مشكلة متعلقة بالهوية. إن الفخر بالعلم ليس بنفس فاعلية الفخر ببلد ناجح حقاً. لقد اختبرنا القليل من هذا الفخر الأخير في الآونة الأخيرة، من خلال برنامج اللقاحات الرائد حقاً في العالم. ونحن الآن بحاجة إلى الشيء ذاته بالنسبة إلى نظامنا التعليمي وإنتاجيتنا وبنيتنا التحتية الوطنية. ولن يتطلب الاحتفال بالنجاح في هذه الأمور وغيرها، ذرّة من التعصب.

( السير فينس كيبل هو زعيم سابق لحزب "الديمقراطيين الأحرار"، وشغل منصب وزير الخارجية للأعمال والابتكار والمهارات بين عامي 2010 و2015)

© The Independent

المزيد من آراء