Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التنين الصيني والملالي: لعبة جيو اقتصادية سياسية

الزعيم الشيوعي شي جينبينغ رأى فرصة للقيام بنقلة كبيرة في لعبة الشطرنج الاستراتيجية

ما حدث هو تطور نوعي في الصراع الجيوسياسي وموازين القوى (أ ف ب)

تغيرت الدنيا والاهتمامات كثيراً بين الربع الأخير من القرن الـ20 والربع الأول من القرن الـ21. أبرز ما طلبه الإمام الخميني في رسالة إلى الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف هو التخلي عن الشيوعية ودخول الإسلام. وأول ما طلبه المرشد الأعلى علي خامنئي من الزعيم الشيوعي شي جينبينغ هو أن يكون طريق النفط الإيراني في إطار طريق الحرير الصيني. 

لكن شي رأى فرصة للقيام بنقلة جيوسياسية كبيرة في لعبة الشطرنج الاستراتيجية. طلب التفاوض على اتفاق مع النظام لأن الحكومات تتغير. وهكذا كلّف خامنئي مستشاره رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني التفاوض باسم النظام، بحيث جرى التوصل إلى "وثيقة التعاون الشامل" التي وقّعها في طهران وزيرا الخارجية في البلدين. وهي "ليست عقداً ولا معاهدة" ولا تحتاج إلى موافقة مجلس الشورى، كما قال الوزير محمد جواد ظريف.

أما الأميرال علي شمخاني، فإنه بالغ إلى حدّ التصور أن الصين أصبحت عضواً في محور "الممانعة والمقاومة"، إذ قال إن الوثيقة جاءت في إطار "المقاومة الفاعلة" ضد أميركا التي "يسرّع ازدهار التعاون في الشرق من أفولها". لا بل اختصر المشهد الدولي بالقول "العالم لا ينحصر في الغرب فقط، كما أن الغرب لا يقتصر على أميركا المنتهكة للقانون والدول الأوروبية الثلاث الناقضة للعهود". والمقصود طبعاً فرنسا وبريطانيا وألمانيا. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما القلقون داخل النظام، الذين زاد من قلقهم إبقاء الوثيقة "سرّية"، فإنهم تخوفوا من أن تكون إيران قد عقدت معاهدة تشبه معاهدة "تركمانجار" بين إيران وروسيا في القرن الـ19 التي تنازلت بموجبها طهران عن إقليمَي إيروان ونخجوان في شمال غربي البلاد. ولم يطمئنهم إعلان كمال خرازي أن الصين هي التي طلبت الامتناع عن نشر الوثيقة، فضلاً عن أن نحو ألفي ناشط في المجتمع المدني بعثوا برسالة إلى الزعيم الصيني جاء فيها أن الوثيقة "مرفوضة وفاقدة للقيمة وغير إنسانية". 

إلا أن حميد أبو طالبي، مستشار الرئيس حسن روحاني، ردّ على المبالغين بأن "العالم ليس الشرق أو الغرب وحده، لكن الغرب من أهم أجزاء العالم، ولهذا أنهت الصين وروسيا الحرب الباردة وتعاملنا مع الغرب، وحال الصين من دون أميركا أو أميركا من دون الصين تعني دمار الاقتصاد العالمي". ثم حاول تخفيف تخوّف القلقين بالقول "الصين تسعى وراء مصالح واقعية، لا وراء المقاومة الفاعلة أو المواجهة الاستراتيجية مع الآخرين، خصوصاً مع الغرب". 

ولاقاه الناطق باسم الخارجية الصينية تشاولي جيان بتوصيف الوثيقة بأنها "خريطة طريق طويلة الأمد وإطار واسع يستفيد من إمكانات التعاون الاقتصادي والثقافي ولا يتضمن أي عقود أو أهداف محددة، ولا يستهدف أي طرف ثالث". 

لكن الصورة ليست أسود أو أبيض. فما حدث هو تطور نوعي في الصراع الجيوسياسي والألعاب الاستراتيجية، إن لم يكن في موازين القوى. الصين التي تعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية والتجارية وتبحث عن فرص للأعمال لا عن مغامرات، وجدت في إيران أرضاً خصبة للاستثمارات إلى حدّ الحديث عن استثمار 400 مليار دولار على مدى 25 سنة. كما حصلت على موقع مهم في الشرق الأوسط لتقدّم مشروعها الجيوسياسي في مراحل تحوّلها الواضح إلى "قوة عظمى كونية". 

وإيران التي رفعت مع الخميني شعار "لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية"، اختارت التوجه شرقاً وضمنت حماية صينية للنظام ليست أقل أهمية من الحصول على سلاح نووي. وهي كسرت دائرة الحصار والعقوبات الأميركية، ولو بثمن باهظ قد تدفعه في المستقبل حين يصبح اقتصادها في أيدي الرأسمال الصيني، وتدير الصين موانئها ومعظم المرافق السيادية، سواء نشرت بكين قوات عسكرية كما تفعل في أفريقيا أو لا. وليس أمراً عادياً أن ينقذ التنين الصيني ملالي إيران من الضغوط الأميركية، ولا أن يفتح الملالي طريق المياه الدافئة أمام الصين. 

غير أن المصالح ليست متطابقة في كل شيء. فالصين حريصة على العلاقات الجيدة مع دول الخليج وفي طليعتها السعودية، كما على العلاقات مع إسرائيل ومن ضمنها شراء أسلحة. فضلاً عن المصالح مع أوروبا والميزان التجاري مع أميركا البالغ 600 مليار دولار في العام. وعلى العكس، فإن إيران تزعزع استقرار المنطقة، وتدّعي أنها قادرة على محو إسرائيل، وتوحي أنها "تقود العالم في مواجهة أميركا" بحسب خامنئي. ثم ماذا عن روسيا؟ وماذا لو حدث تفاهم أميركي-إيراني يتجاوز العودة إلى الاتفاق النووي؟

التحديات كبيرة. طهران ليست لاعب الشطرنج الوحيد في المنطقة والعالم. والانسجام ليس سهلاً بين نظام شيوعي ونظام ديني ثيوقراطي، وإن مارسا اقتصاد السوق.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل