Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التفاهم مع الصين وجدلية الصلاحيات في إيران

حجب تفاصيل مضمون الاتفاق عن العامة

اتفاق استراتيجي اقتصادي أبرم بين إيران والصين (أ ف ب)

يمكن القول إن التفاهم الاستراتيجي الاقتصادي الموقع بين إيران والصين، على العكس من الاتفاق النووي الذي سبق أن وقعته طهران مع مجموعة السداسية الدولية (5+1) في يوليو (تموز) 2015، يقع مباشرة في دائرة صلاحيات وإشراف المرشد آية الله علي خامنئي، ومن الصعب عليه القول في أي مرحلة إنه لم يكن راغباً في هذا التفاهم، وإنه اضطر للقبول به نظراً للظروف التي تمر بها إيران، وإعطاء فرصة للتيار المتمسك بالحوار لاختبار قدرته على تحقيق خرق في المواقف الدولية أو العداء الأميركي ضد النظام الإسلامي.

ترجمة لرؤية استراتيجية

فالتفاهم الموقع مع الصين جاء ترجمة لرؤية استراتيجية رسمها المرشد، تقوم على مبدأ أو استشراف يقول، إن المستقبل هو للتحالف الآسيوي على حساب الأحادية الأميركية التي تسير نحو الأفول، وإن العالم يذهب نحو تحالفات جديدة من المفترض أن تعيد إنتاج مراكز القوة والقرار على مستوى العالم، بحيث يسمح بظهور قوى عالمية جديدة تضع حداً للأحادية الأميركية، إلى جانب قوى عظمى وإقليمية على المستوى العالمي، وإن إيران تتمتع وقادرة على لعب دور قوى إقليمية كبيرة إلى جانب لاعبين آخرين، وإن التحالف مع القوى العالمية (الصين) والعظمى (روسيا) الصاعدة، يضمن لإيران تكريس ريادتها وقيادتها في منطقة غرب آسيا عامة والشرق الأوسط بخاصة، ويحسم الجدل حول دورها ونفوذها في هذا الإقليم إلى جانب القوى الصاعدة الأخرى (إسرائيل وتركيا) على حساب قوى أخرى منافسة تتمتع ببعد تاريخي واعتبار ديني (السعودية).

هذه الرؤية الاستراتيجية التي يروج لها النظام الإيراني والتي قدمها المرشد ودفع لتطبيقها وتنفيذها، يحاول التيار الموالي للسلطة تقديمها على أنها صادرة عن حكمة يؤازرها "تسديد إلهي"، ما يقطع الطريق أمام نقاشها أو انتقادها، لأن ذلك (الانتقاد) يدخل في باب التطاول على بعد أيديولوجي عقائدي من غير المسموح الإشكال عليه أو مقاربته نقداً أو اعتراضاً، لأنه ينظر إلى المصلحة العليا التي لا تؤطرها المسائل أو الأبعاد السياسية المباشرة، بل تنظر إلى الأصل المتمثل بالحفاظ على "بيضة الإسلام مصلحة النظام".

حجب تفاصيل الاتفاق

هذه الرؤية قد تسهل إمكانية الدخول إلى محاولة فهم آلية تعامل النظام مع ما جاء في هذا التفاهم الموقع بين إيران والصين، وحجب تفاصيل مضمونه عن العامة التي يدخل في مفهومها هنا الشعب والقوى السياسية الإصلاحية وغير الإصلاحية وحتى الجماعة الموالية التي يمثلها المعسكر المحافظ بمختلف مستوياته وتمثلاته السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، لأن الأمر والقرار النهائي يدخل في إطار صلاحيات الخاصة من السلطة التي تملك حق تقدير مصلحة النظام، وتقرر ما يصلح له وللأمة في مواجهة أعدائها وخصومها وآليات المواجهة والتحالفات التي يجب أن تلجأ إليها.

قد يكون من الطبيعي في ظل النظام الشمولي الصيني الشيوعي أن يطلب أو يلجأ إلى إخفاء أو عدم نشر أو طلب التكتم على تفاصيل أي اتفاق أو تفاهم أو معاهدة يعقدها مع أي طرف خارجي أو دولي، لاعتقاده بأنه يمثل العقل الكلي للأمة، ولا حاجة لأن يطلع الشعب على تفاصيل ما يقرره أو يقوم به طالما أنه يتولى مسؤولية ومهمة التفكير والتقرير عن الأمة. وقد يشمل هذا التعامل والتعاطي الدولة التي تعد في الدرجة الثانية في هرم السلطة، لأنها تشكل الجهاز الذي يترجم السياسات والاستراتيجيات التي ترسمها اللجنة المركزية للحزب القائد والحاكم الذي بدوره يتلخص في شخصية الأمين العام أو رئيس اللجنة المركزية. ما يجعل منه نظاماً يقوم على حكم الفرد المتحكم والمقرر لمصلحة الحزب والدولة والأمة على حد سواء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأقدر بمصلحة الأمة

وليس بعيداً من هذا المفهوم، يمكن اعتبار نظام ولاية الفقيه أو الحكم الإسلامي في إيران أنه يتبع الآليات نفسها في التعامل مع الدولة والأمة والقوى السياسية، إذ يمثل موقع ولي الفقيه امتداداً لسلطة النبي والأئمة في المذهب الشيعي "الإثنا عشري"، وأن الحاكم الذي يتولى هذا المنصب هو أولى بالمسلمين والمؤمنين من أنفسهم، بالتالي يحق له بتفويض إلهي حسب نظرية زعيم مدرسة "الحكم والسلطة الإسلامية" آية الله محمد تقي مصباح يزدي، لأنه الأقدر على معرفة مصلحة الأمة من نفسها، لأن الأمة عاجزة وقاصرة عن معرفة الأصلح لها. ما يجعل الشكل الديمقراطي وما يندرج تحت عنوانه من سلطات وإدارات سوى مواقع تفتقر في شرعيها إلى إقرار ولي الفقيه وإجازته، وأن العملية الانتخابية التي تعتبر جزءاً من آليات العمل الديمقراطية تنحصر مهمتها في الكشف عن المختار لموقع ولاية الفقيه، الذي بدوره يمنح أو يفوض جزءاً أو بعضاً من صلاحياته وسلطاته إلى مساعدين له في إدارة البلاد، إن كان رئيس الجمهورية أو رئيس البرلمان أو رئيس السلطة القضائية.

أن يؤكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أو مدير مكتب رئيس الجمهورية محمود واعظي، أن الحكومة الإيرانية ليس لديها أي محاذير لنشر تفاصيل التفاهم الذي وقعه وزير الخارجية محمد جواد ظريف مع نظيره الصيني وانغ يي، إلا أن إحجامها عن هذا الأمر مرده الرغبة الصينية بعدم النشر والاحتفاظ بالتفاصيل بعيداً عن الرأي الخاص والعام. وإذا ما كانت حكومة طهران قد التزمت الرغبة الصينية في الشكل، فإن هذا الأمر يتوافق مع رغبة لديها أيضاً في الإبقاء على التفاصيل سرية وبعيدة عن الرأي العام وحتى عن المؤسسات الأخرى المعنية داخل الدولة، خصوصاً البرلمان الذي من المفترض أن يكون مواكباً لكل التفاصيل التي رافقت المفاوضات والمباحثات التمهيدية، وصولاً إلى دراسة الصيغة النهائية ومناقشتها قبل التوقيع عليها، وأن استبعاد البرلمان عن تفاصيل ومناقشات هذا التفاهم يعيد إلى الأذهان الآليات التي اتبعها النظام مع الاتفاق النووي الذي حصر مسؤولية صياغته ومتابعته ومراقبته بالمجلس الأعلى للأمن القومي، ولم يسمح للنواب سوى بالاطلاع على خلاصة من صفحات عدة بدلاً عن الاتفاق وملحقاته. ومع التفاهم الجديد مع الصين، قد يكون رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي اطلع على التفاصيل بحكم عضويته في المجلس الأعلى للأمن القومي، في موقف لا يحسد عليه في ترويجه لدى النواب الذين استُبعدوا عن أي تطورات، سلبهم حقهم الدستوري في مناقشة وإقرار التفاهم قبل التوقيع عليه.

حالة من عدم الثقة

وعلى الرغم من إلزامية هذا التفاهم مع ما يعطيه للطرفين من إمكانية تعليق أي من بنوده لاحقاً، فإن التسويغ الذي يقدمه النظام لاستبعاد المؤسسة التشريعية عن مجريات الأمور، أن ما تم التوقيع عليه لا يدخل في إطار مفهوم المعاهدة كما هي الحال مع المسوغ الذي قدم حول الاتفاق النووي، ما يعني أن حالة من عدم الثقة بين النظام ومؤسسات الدولة هي التي تحكم العلاقة بينهم، وأن قيادة النظام لا ترى في النواب والمؤسسات الرسمية الدستورية من النضج بمكان أنها قادرة على تشخيص وتحديد مصلحة الأمة في ظل وجود ولي الفقيه، القادر على تعطيل أي قرار لها انطلاقاً من سلطاته الدينية والسلطوية، باستخدام سلطة "الحكم السلطوي" المستمد من البعد الديني والعقائدي لموقعه، وما يمثله من تجسيد لسلطة دينية كنائب للإمام المعصوم. وهنا لا تستطيع الدولة والحكومة اللجوء إلى الكشف عن أي تفاصيل بما يتعارض مع إرادة المرشد، القادر على نزع الشرعية عنها استناداً لما في يده من صلاحيات وسلطات فوق دستورية وغير دنيوية.

المزيد من تحلیل