Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حراك شعبي عنيد وأقنعة مدنية للعسكر

مزيج من القمع والاعتقال والمحاكمات وترتيب انتخابات رئاسية ثم نيابية وإعداد دستور لتغيير واجهة السلطة من دون التخلي عنها

حراك شعبي مستمر منذ عامين ونصف العام في الجزائر (أ ف ب)

تعددت الأقنعة في الجزائر والوجه واحد: السلطة للجيش والمناصب للمدنيين. هذه هي المعادلة الثابتة بعد مرحلة العقيد هواري بومدين، الذي قام عام 1965 بانقلاب عسكري على الرئيس وقائد "ثورة التحرير" والاستقلال أحمد بن بللا، ثم جمع في شخصه السلطة والمنصب حتى وفاته. وما يطلبه الحراك الشعبي المستمر منذ عامين ونصف العام هو إنهاء تلك المعادلة، رافعاً شعارات جذرية واضحة: "الشعب تحرر وهو من يقرر"، "جزائر حرة ديمقراطية"، "دولة مدنية لا عسكرية". لكن ما يحدث هو الالتفاف على الحراك ومطالبه بمزيج من القمع والاعتقال والمحاكمات وترتيب انتخابات رئاسية ثم نيابية، وإعداد دستور لتغيير واجهة السلطة من دون التخلي عنها. فالجيش لا يسمح بقيام دولة مدنية ديمقراطية، ولو نزل كل الشعب إلى الشارع وفي الطليعة "أيقونات" ثورة الاستقلال، مثل جميلة بو حيرد والبقية من الناشطين القدامى. ولا يستمع إلى سليم بن خدة، نجل بن يوسف بن خدة، رئيس الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية التي فاوضت فرنسا على الاستقلال، والقائل: "هناك حل غير الغلق والضرب وحشد قوات الأمن والدفع بالبلطجية للتشويش على السلميين، وتشديد القبضة الأمنية والنفخ في الأحزاب الميتة وتزوير الانتخابات وشيطنة الشخصيات". أي حل؟ "فتح باب حوار وطني جاد وشفاف من دون إقصاء لإيجاد حل واقعي وعملي يجنّبنا انهيار الدولة واندثار الوطن".

"العشرية السوداء"

قبل ذلك، رفض الجيش نتائج الانتخابات التي ربحتها "جبهة الإنقاذ الإسلامية"، فألغى الانتخابات وسجن قادة الجبهة، مؤكداً أنه ضد وصول الإسلام السياسي إلى السلطة. والنتيجة عشر سنين من حرب أهلية مارس خلالها الإسلاميون المتشددون الإرهاب وقتل الأبرياء في "العشرية السوداء" قبل أن يستسلموا. وصار لا بد من تغيير ما، فجاء عبد العزيز بوتفليقة إلى الرئاسة ضمن ترتيب مع الجيش. لكن بوتفليقة أطال المكوث في الرئاسة حتى بعدما صار مُقعداً شبه عاجز عن الكلام، تاركاً اللعبة في يد شقيقه السعيد بوتفليقة وعصابته. وحين اتّسع الحراك الشعبي وتسرّبت معلومات عن رغبة العصابة في عزل الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس الأركان، طلب الجيش استقالة بوتفليقة. لكن التغيير توقف عند هذا الحد. قايد صالح رتّب انتخابات رئاسية قاطعتها الأكثرية، أوصلت عبد المجيد تبون إلى الرئاسة. تبون حلّ المجلس النيابي وأجرى استفتاء على دستور قاطعته الأكثرية، ويدفع نحو انتخابات نيابية. والجنرال شنقريحة أكمل مهمة قايد صالح بعد رحيله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحراك الشعبي اليوم يرفض رئاسة تبون والانتخابات والدستور، ويطالب بدستور حقيقي ودولة مدنية ديمقراطية وانتخابات نزيهة. وتبون يعمل على تركيب أكثرية موالية له عبر ما سمّته لويزا حنون، رئيسة "حزب العمال اليساري" والخارجة حديثاً من السجن، "خلق وحش سياسي لاكتساح البرلمان من خلال مجتمع مدني مفبرك". كيف؟ القفز من فوق المجتمع المدني الذي يتظاهر في الشارع بتزوير مجتمع مدني عبر تجمّعين مرشحين لأن يصبحا حزبين للسلطة: "نداء الوطن" بقيادة نزيه بن رمضان وهو مستشار الرئاسة، و"المسار الجديد" بقيادة منذر بودن من "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي أسسه أحمد أويحي، رئيس الوزراء سابقاً أيام بوتفليقة، والمحكوم بالسجن حالياً لإدانته بالفساد والرشوة.

نسخة كلاسيكية

اللعبة ذاتها تتكرر بأقنعة جديدة. لا بل إن مجلة "الجيش" ذهبت في التهجم على الحراك الشعبي إلى حد "اتهامه بتبنّي شعارات الجبهة الإسلامية المنحلة وأذرعها الإرهابية للمساس بالجيش وضرب الرابطة التاريخية التي تجمعه بشعبه، وتنفيذ مخطط صهيوني ضد الجزائر". نسخة كلاسيكية من كتاب الأنظمة السلطوية.

لكن من الصعب التخلص من الحراك الشعبي، لأن الأسباب والأوضاع التي قادت إليه باقية وتزداد عمقاً واتّساعاً. ومن الوهم تجميد الزمن عند "ثورة المليون شهيد" في مواجهة جيل جديد، لم يعِش أيام الاستعمار الفرنسي ولا عاصر الثورة، ولا عرف بن بللا وبومدين، ولا الأيديولوجيا تعنيه في عصر التكنولوجيا، فضلاً عن أن "ثورة الاستقلال" التي جعلت الجزائر قبلة العالم الثالث وعدم الانحياز، تحكّم بها من فشلوا في بناء دولة على مستوى الثورة ومن بدّدوا الثروة النفطية بالهدر والفساد. والجيش الحالي هو جيش محترف يختلف عن الجيش الشعبي الذي خاض حرب الاستقلال.

ولا مهرب في النهاية من بناء دولة مدنية، من حيث إقامة السلطة لا دولة عسكرية في هياكل دولة.

المزيد من تحلیل