عاد الأساتذة المتعاقدون في المغرب إلى التصعيد في الشارع عبر التظاهر في مدن عدة بهدف إسقاط آلية التعاقد، معتبرين أنها فُرضت عليهم من جانب وزارة التربية، بالتالي يهدفون من خلال المسيرات التي ينظمونها إلى إسقاط تلك الآلية وإلى إدماجهم في سلك الوظيفة العامة.
رد أمني عنيف
وأعلن الأساتذة المتعاقدون منذ أسابيع، أن تصعيدهم يدخل في "إطار استمرار النضال من أجل إسقاط مخطط التعاقد، والدمج في الوظيفة العامة، ورد الاعتبار إلى المدرسة والوظيفة العموميتَين ولنساء التعليم ورجاله، واحتجاجاً على التعاطي السلبي للحكومة مع قضايا قطاع التعليم".
وكانت بعض تلك التظاهرات شهدت تدخلات عنيفة من قبل قوى الأمن، التي استخدمت الهراوات خلال تفريق المتظاهرين، ما أدى إلى إصابات عدة في صفوف الأساتذة المتعاقدين.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد الأساتذة المحتجون الاستمرار في نضالهم حتى تحقيق مطالبهم، حيث اعتبر عضو "تنسيقية الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد"، عبد الحفيظ آيت عوماز، أن "ما حدث من تجاوزات بحق زملائه يدخل في إطار مواصلة التضييق عليهم"، مشيراً إلى أن "الهدف من ذلك هو فرض سياسة الأمر الواقع إثر عجز الحكومة عن حل تلك الأزمة".
وأكد آيت عوماز أن "مواجهة مطالبنا بالعنف، لن تزيد إلا من حجم إصرارنا على خوض معارك نضالية تصعيدية، حتى تجد وزارة التعليم حلاً لتك الوضعية. نخوض منذ عام 2017 نضالات من أجل تحقيق حقنا في التوظيف المباشر، وهو ما دفعنا إلى إنشاء التنسيقية من أجل تحصين وضعيتنا عبر إسقاط نظام التعاقد، ودمجنا في أسلاك الوظيفة العامة".
نظام التعاقد
وبعد أن كان الأساتذة يوظَفون في إطار النظام الأساسي للوظيفة العامة في المغرب، الذي يضمن حقوقاً من بينها الحق في الترقية والأقدمية، لكن الحكومة لجأت خلال عام 2016، إثر النقص الكبير في أعداد الأساتذة في النظام التعليمي المغربي، إلى اعتماد نظام التعاقد لملء الشواغر. وانتقل بموجب تلك الآلية الأساتذة من موظفين إلى مستخدَمين لدى أكاديميات التعليم.
ومع نصّ نظام التعاقد على بعض البنود من قبيل تلك التي تخوّل مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فسخ العقد من دون تعويض المدرّس، وأنه لا يملك الأستاذ الحق في الترقية الوظيفية، ولا الحق في التقاعد في حالة المرض والعجز، قام الأساتذة المتعاقدون بسلسلة احتجاجات وإضرابات دفعت وزارة التعليم إلى اعتماد نظام أساسي جديد خاص بأطر الأكاديميات، لكنه احتفظ بالحق في فصل الأساتذة من دون إشعار مسبق، إضافة إلى منع المدرسين من التنقل عبر الأكاديميات.
وصرح وزير التربية الوطنية المغربي، سعيد أمزازي، أنه "بفضل التوظيف الجهوي تمكنا اليوم من تقليص عدد الأقسام المشتركة، وتقليص الاكتظاظ على مستوى الأقسام التي كان يصل عدد التلاميذ في بعضها إلى أكثر من 40 تلميذاً".
في المقابل، أكد الوزير تمسك وزارته بالتوظيف الجهوي، باعتباره "مكسباً كبيراً للدولة، وسنمضي فيه لأنه خيار استراتيجي ولا يمكن التراجع عنه أبداً"، مشيراً إلى أنه "في ظرف 5 سنوات تم توظيف 100 ألف أستاذ، ولولا التوظيف الجهوي لما تم استقطاب هذا العدد الكبير من الأساتذة".
عقد إذعان؟
في المقابل، تنفي الأستاذة المتعاقِدة إيمان وقار أن يكون التعاقد بين الأساتذة ووزارة التعليم متكافئاً، باعتبار أن "أي اتفاق يتطلب وجود حرية الاختيار لدى الطرفين المتعاقدين"، مؤكدةً أن تعاقدهم يشوبه الإذعان، "باعتبار الإكراهات التي يعيشها جل خريجي الجامعات في المغرب المهددين بالبطالة بعد التخرج، بالتالي اضطر الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد إلى الإذعان الاضطراري بالجبر والإكراه لبنود ذلك الاتفاق، لكن قيامهم بعملهم لا يمنعهم من النضال بهدف التحرر من ذلك التعاقد المجحف، في إطار سلمي وحضاري ضمن احترام تام للدستور الذي يضمن الحق بالاحتجاج السلمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توضيح رسمي
من جانبها، أكدت وزارة التعليم المغربية إنهاء العمل بالتعاقد منذ عام 2019، وأنها وضعت نظاماً مشابهاً لنظام الوظيفة العامة. وأشار وزير التعليم إلى أن وزارته أسقطت التعاقد في 13 مارس 2019، مؤكداً أن "ما بين عامي 2016 و2018 كان هناك عقد بين الوزارة والأساتذة، لكننا اقترحنا نظاماً أساسياً يحتوي على 55 مادة، وفي 13 مارس 2019 اعتمدنا نظاماً أساسياً تمت من خلاله مراعاة المماثَلة والمطابَقة مع النظام الأساسي للوظيفة العامة".
وفي إشارة إلى لبّ الخلاف بين وزارة التعليم والأساتذة المتعاقدين، أشار أمزازي إلى وجود نقطتَي خلاف هما، الرواتب وحركة الانتقال، مؤكداً أن "حل قضية الراتب سار الآن عبر وضع القانون في البرلمان من أجل تعديله، لكي يستفيد المتعاقدون من نظام المعاش، وبخصوص حركة الانتقال أكدنا أنه في حال وجود بعض الحالات الاستثنائية، يمكن حلها عبر التبادل بين الأكاديميات، لأن هذا التوظيف الجهوي هو ما مكننا من وصول الأساتذة إلى كل المناطق".
نظام سلبي
ويجمع مراقبون على سلبية نظام التعاقد، داحضين الأسباب التي تعتمدها الوزارة في تبرير اعتماده، حيث خلص الأستاذ المهتم بمجال التعليم، معاد وشطين، أنه "لا يمكن مطلقاً الحديث عن إيجابيات نظام التعاقد في التعليم، لأنه لا يتضمن إلا سلبيات تولِّد سلبيات؛ فالقول إنه مكّن من تزويد المناطق النائية بالأساتذة، تلغيه أسئلة مصيرية: ما الضير من تزويد تلك المناطق بأساتذة موظفين؟ لماذا لا يمكن سدّ النقص إلا بواسطة نظام التعاقد أو حتى بأطر الأكاديمية؟ ما التعليل؟ هل كانت الدولة ستترك أبناءها في الجبال والصحاري من دون تعليم لو لم يتم اعتماد هذا النمط؟".
وبخصوص المماثلة بين "الأساتذة المتعاقدين" و"الأساتذة الموظفين"، اعتبر وشطين أنه "من المؤسف جداً أن تتحدث وزارة التربية الوطنية عن المماثلة، فعلى مستوى الترقية؛ لا يحقّ للأساتذة المتعاقدين نيل الدرجة الممتازة (خارج السلم)، إذ تنحصر الترقية ما بين الدرجتَين الثانية والأولى، بحسب المادة 15 من الباب الثاني من النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية المصادق عليه. وعلى مستوى الحركة الانتقالية؛ لا يحق للأساتذة المتعاقدين التحرك في أنحاء البلاد، وفق المادة 58 من الباب الخامس من النظام الأساسي، إذ إن قدر الأستاذ بات أن يُسجَن في أكاديمية واحدة طول حياته. وعلى مستوى التقاعد، جعلت وزارة التعليم الأساتذة المتعاقدين، منخرطين في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCAR، وفق المادة 81 من الباب السادس من النظام الأساسي، في حين ينخرط أساتذة الوزارة في الصندوق المغربي للتقاعد CMR، وشتَّان بينهما. فأين المماثلة من كل هذا".