Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشعل الأمطار شرارة الحرب على الحدود السودانية الإثيوبية؟

أديس أبابا اتهمت الخرطوم بالاعتداء على أراضيها مستغلة انشغالها بالأزمة الداخلية في إقليم تيغراي

صورة جوية لمناطق الفشقة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

تلوح بوادر مواجهة جديدة على الحدود السودانية الإثيوبية مع اقتراب فصل الخريف والأمطار، الذي يمثل بداية الموسم الزراعي، وتجمعت حشود إثيوبية عسكرية وميليشياوية كبيرة، في أماكن عدة قبالة الحدود السودانية، لا سيما في مناطق الفشقة الكبرى والصغرى، وعلى وجه الخصوص في منطقة "بركة" التي يطلق عليها الإثيوبيون اسم "برخت"، واتخذت هذه القوات، بحسب مصادر سودانية، أوضاعاً قتالية.

واعتادت الميليشيات الإثيوبية على تكثيف عملياتها المصحوبة بالخطف والترويع بالتزامن مع بداية فصل الخريف وموسم الأمطار من كل عام، والمشهد في مجمله يشير إلى ترقب متبادل من كلا الجانبين لمواجهة محتملة مكتملة الأركان، قد تجعل من فصل الأمطار وبداية الموسم الزراعي المنتظر في نهاية شهر أبريل (نيسان) المقبل، في مناطق الفشقة الكبرى المستردّة حديثاً بواسطة الجيش السوداني، موعداً لأيام ساخنة.

اتهامات وتحذيرات عليا

ووجّه السودان تحذيرات بشأن تلك الحشود التي لم تقتصر فقط على مقاتلين من الميليشيات، بل أيضاً عناصر من الجيش الفيدرالي الإثيوبي، إذ كشف الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة عن أن إثيوبيا نشرت خلال الأيام الماضية، وعلى مدى أسبوعين متتاليين، حوالى 3000 جندي بكامل أسلحتهم وعتادهم، في منطقة "بركة" الحدودية، إلى جانب ترحيل ونقل مواد وتعزيزات، ما اعتبره تصعيداً من الطرف الآخر.

واتّهم البرهان أديس أبابا بنقض العهود والمواثيق التي أبرمتها مع بلاده في السابق، وأنها، وفي وقت تحتل الأراضي السودانية، ظلت تدّعي أمام العالم، عكس الواقع الفعلي، بترويج مزاعم أن السودان هو المحتل، مشدداً على أن الجيش الوطني لن ينسحب من أي من أراضيه التي حرّرها.

وأكد القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال مخاطبته ضباط وجنود المنطقة العسكرية، في بحري (شمال الخرطوم)، الأحد 21 مارس (آذار)، أن القوات المسلحة لم تكن أبداً معتدية، بل انفتحت داخل الحدود السودانية وأعادت تأمينها، ولن تتراجع عن مواقعها الحالية، مشيراً إلى أن عقيدة القوات المسلحة وتسليحها قائم بالأساس على الدفاع وليس الهجوم والاعتداء.

وجدد رئيس مجلس السيادة دعوته إثيوبيا إلى الانسحاب من كامل الأراضي السودانية، التي لا تزال موجودة في بعضها، مؤكداً ألَّا تفاوض معها، إلا بعد أن يتم ترسيم حدود البلدين، وفق الاتفاقيات والمواثيق المبرمة في هذا الخصوص.

بؤر التوتر وبوادر الحشود

وتعتبر منطقة "بركة"، التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن الحدود الإثيوبية، وتضم حوالى 10 آلاف شخص، وأفراداً من الجيش والميليشيات الإثيوبية، من أكبر المناطق التي تحوّلت الى مستوطنة إثيوبية داخل الأراضي السودانية، فضلاً عن كونها واحدة من أكبر مراكز دعم الجيش الإثيوبي، ويحصل منها على المؤن والآليات والمعدات الأخرى، وأصبحت تشكّل بعد الانتصارات والتقدم الذي أحرزه الجيش السوداني، حصناً وملاذاً لعصابات "الشفتة"، الفارة من مناطق انفتاح القوات المسلحة السودانية داخل مناطق الفشقة الكبرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما خص الوضع على الحدود الشرقية مع إثيوبيا، قال عضو مجلس السيادة الانتقالي إبراهيم جابر إن الوضع هناك قبل اندلاع الحرب في إقليم تيغراي، يتمثل في احتلال "الأمهرة" منطقة الفشقة السودانية، وتمكّنت الخرطوم لاحقاً من استرداد أراضيها بأقل خسائر ممكنة. وأوضح أن هذه الميليشيات عادت في الآونة الأخيرة إلى قتل شعبنا وسلب ونهب ممتلكاته مجدداً، مؤكداً أن بلاده لا تزال ترحب بترسيم الحدود بين الجانبين، بل تطلب من الطرف الآخر التعاون في إنجاز هذا الأمر.

وعن الحشود العسكرية هذه الأيام، أوضح سليمان علي محمد، والي ولاية القضارف أن الأوضاع تشهد توترات على الحدود مع الجانب الإثيوبي، بخاصة بعد استرداد الأراضي السودانية.

محاولات العودة وتأهب الجيش

ولفت والي ولاية القضارف إلى أن الميليشيات تحاول بمساندة من الجيش الإثيوبي، تكثيف تحركاتها ونشاطها كلما اقترب موسم الزراعة وهطول الأمطار، لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، يتوقع أن يكون الموسم الزراعي المقبل، مستقراً وآمناً، بفضل جهود القوات المسلحة.

المطالبة بتعويضات ضخمة

على صعيد متصل، قدّم وفد من اللجنة المفوضة لمزارعي القضارف والبطانة، إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الاثنين، تقريراً مفصلاً عن الأوضاع في هاتين المنطقتين، إلى جانب موقف المزارعين من قضية شرق السودان وتغوّل الحكومة الإثيوبية في أراضيه. وكشف الوفد عن رفع المزارعين دعوى دولية، يطالبون فيها الجانب الإثيوبي بدفع مبلغ 25 مليار دولار كتعويض، مقابل استغلال أديس أبابا أراضيهم طيلة العقود الماضية. وأوضح معتز الصعب، رئيس اللجنة المفوضة، بحسب وكالة السودان للأنباء "سونا"، أن البرهان وعدهم بإيجاد الحلول لتجاوز مشكلات الموسم الزراعي المقبل.

وفي مطلع الأسبوع الثاني من شهر مارس، أعلن الجيش السوداني، بحسب وسائل إعلام محلية، ضبط كميات من الأسلحة والذخائر على الحدود بين البلدين، كانت معدّة للتهريب إلى ميليشيات إثيوبية في منطقة القضارف.

تأمين المشاريع وهواجس المزارعين

في هذا الوقت، أوضح معتصم الزاكي، من قدامى المزارعين في المنطقة، أن الحشود العسكرية الكبيرة من الجيش الإثيوبي والميليشيات في منطقة بركة أو "برخت" على الحدود، توحي وكأنها تنتظر ساعة الصفر لانطلاق هجوم قريب على الأراضي السودانية، ما يزيد من مخاوف وهواجس المزارعين، على الرغم من تحركات الجيش وتأمينه مشاريع عدة.

وأبدى تجار ومزارعون سودانيون انزعاجهم من تكرار ظاهرة اغتيال واختطاف ميليشيات إثيوبية عدداً منهم خلال الفترة الماضية، بهدف الاستيلاء على المحاصيل بعد الحصاد، أو الحصول على فدية مالية مقابل الإفراج عنهم، لا سيما في فترة الأشهر الستة الأخيرة، التي أعقبت تحرير تلك المناطق.

تاريخ المناوشات والاعتداءات

ومنذ 25 عاماً، تمارس ما يُسمّى بميليشيات "الشفتة" الإثيوبية، عمليات نهب وسلب وقتل كلما اقترب موسم الحصاد الزراعي في المناطق الحدودية مع ولاية القضارف شرق السودان، وتمكّنت من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في منطقتَي الفشقة الكبرى والصغرى.

وظلت الخرطوم تكرر اتهامها للجيش الفيدرالي الإثيوبي بدعم تلك الميليشيات، التي تستولي على أراضي المزارعين السودانيين في المنطقتين المحاذيتين لحدود إقليم أمهرة الإثيوبي.

في المقابل، تنفي أديس أبابا هذه الاتهامات وتقول إن هذه الميليشيات هي مجرد جماعات خارجة عن القانون.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، بدأ الجيش السوداني إعادة انتشاره في مناطق الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، وقال إنه استردّ بموجبها 90 في المئة من المساحات التي كانت تحتلها قوات وميليشيات إثيوبية طوال 25 عاماً، غير أن أديس أبابا اتهمت الخرطوم وقتها، على لسان المتحدث باسم خارجيتها دينا مفتي بالاعتداء على أراضيها، معتبرة أن الجيش السوداني توغّل داخلها، مستغلاً انشغالها بالأزمة الداخلية في إقليم تيغراي، ومؤكدة تمسّكها بالحوار مع السودان وعدم السعي لتضخيم موضوع الحدود بين البلدين أو جعلها قضية ذات بعد إقليمي.

المزيد من تقارير