Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البطالة الفلسطينية تجبر الشباب على القفز فوق الجدار

قلة فرص العمل وانخفاض الأجور يدفعان بالشباب الفلسطينيين إلى العمل في قطاعات خطرة وغالباً من دون تأمين

عمال فلسطينيون يستعدون فجراً للمرور من حاجز قلنديا جنوب رام الله (رويترز)

يغادر أبو أحمد في تمام الثالثة فجراً من كل صباح منزله أسوة بمئات العمال الآخرين، ومعظمهم من الرجال، متوجهاً إلى معبر الطيبة في طولكرم ومن ثم إلى إسرائيل للبحث عن عمل. وبسبب الأزمة الخانقة فإنه يضطر للانتظار حتى يأتي دوره، حاملاً معه طعام يومه ومعطفه، ولأنه لا يملك عملاً محدداً فهو في كل صباح، يودّع أطفاله وزوجته، إذ لا يعرف إن كان سيعود في اليوم ذاته، أم في نهاية الأسبوع في حال وجد عملاً.

محطات "رحلة العمل"

بعد مرور المعبر يصل أبو أحمد إلى نقطة تجمّع العمال في إسرائيل، ليحاول أن يجد لنفسه عملاً كغيره من أرباب العائلات، وقد يحالفه الحظ إذا وجد رزقه في ورشة بناء أو مزرعة أو بئر للمياه أو فندق ما، وإلا فإنه سيعود إلى منزله صفر اليدين.

للمتزوجين ومن تجاوزوا الـ 22 سنة

حالة أبو أحمد تشبه حالات كثيرين، ففي إسرائيل يعمل أكثر من 150 ألف فلسطيني في قطاعات مختلفة، تتوزع وفق تصاريح عملهم ما بين الخدمات والزراعة والفنادق والصناعة والبناء، الذي يعمل فيه ما يقارب 67 في المئة من إجمالي عدد العاملين، وعادة ما تكون الإصابات والوفيات فيه كبيرة. تصاريح العمل هذه يحصلون عليها من وزارة العمل الفلسطينية، التي تنسّق مع الجهات المسؤولة في الجانب الإسرائيلي، ويجري استصدارها بناء على مجموعة من الشروط، كما أوضح عبد الكريم مرداوي رئيس وحدة تنظيم التشغيل الخارجي وداخل الخط الأخضر في وزارة العمل لـ "اندبندنت عربية"، وتشترط أن يكون الشخص متزوجاً وتجاوز عمره الـ 22، ويمتلك سجلاً أمنياً نظيفاً لدى إسرائيل.

لكن ليس كل من دفعته الظروف للعمل في إسرائيل تتوافر فيه هذه الشروط، لذلك قد يلجأ الشباب إلى التصاريح الأخرى أو التهريب، وذلك لانخفاض فرص العمل، فالبطالة في فلسطين وصلت وفق آخر إحصاءات في العام 2018 إلى 31.7 في المئة، إضافة إلى تدني الرواتب والأجور المدفوعة وعدم التزام بعض أصحاب العمل الحد الأدنى للأجور.

"سماسرة التصاريح"

مشكلة أخرى يواجهها العمال ممن لا يستطيعون الحصول على تصاريح من مكاتب العمل، هي سماسرة التصاريح، إذ يدفع العامل مبلغاً شهرياً يتراوح ما بين 2000 و3000 "شيقل" على كل تصريح، وهذا لا يكون مرتبطاً بمكان عمل محدد، ما يعني عدم وضوح التأمين الذي يحصل عليه، لأن العلاقة تكون ما بين العامل والسمسار وليس بين العامل وصاحب العمل، وبالتالي فإن "تاجر التصاريح هذا قد لا يعطي العامل كامل أتعابه، إضافة إلى صعوبة الحصول على التعويضات والأتعاب في نهاية الخدمة"، على حد قول المحامي في اتحاد نقابات العمال فوزان عويضة.

يعتبر مرداوي من جانبه، أن وزارة العمل تعكف على إجراء تعديلات على القانون، لإضافة مادة تتعلق بفرض عقوبات على مستغلّي العمال من غرامات مالية والسجن. وإلى حين إقرار هذه التعديلات، ستُتخذ خطوات قانونية من قبل محافظ كل منطقة، بعد أن تُرسل إليه الوزارة التفاصيل المتعلقة بقضية العامل كافة، والذي تعرّض للنصب من قبل سمسار ما.

تصاريح للدخول فقط

تختلف أنواع التصاريح والتأمين الصحي الذي يحصل عليه العامل، فسالم مثلاً بدأ العمل في شركة إسرائيلية بعد تلقيه دعوة منها، وهذا التصريح يوفّر له ولعائلته الرعاية الصحية والتعويض من إصابات العمل وأتعاب نهاية الخدمة. أما رامي (اسم مستعار) فدخل سوق العمل عبر التهريب، ووجد مهنة بأجر جيد في قطاع البناء، لكنه كان دائم القلق ولا ينام إلا قليلاً، خوفاً من أن يُقبض عليه ويتعرض للعقوبة.

ويتكرّر المشهد مع كثيرين ممّن يدخلون بتصاريح لا تؤهلهم للعمل أو بالتهريب، فهؤلاء بالعادة لا يملكون تأميناً صحياً لعدم ثبات عملهم، ولكنهم يحصلون على تعويضات في حالة تعرضهم لأي إصابة أثناء دوام العمل، إذا ما تم إحضار إثبات عمل، وهذا الدليل وفق عويضة قد يكون صورة للعامل نفسه في مكان عمله، أو شيكاً قبضه، أو شهادات من عملوا معه، وليس كما يظن بعض العمال أن الإثباتات يجب أن تكون قانونية ورسمية كقسيمة الراتب أو عقد العمل، ما يدفعهم إلى عدم المطالبة بحقوقهم. ويستطرد عويضة أن التصريح لا علاقة له بالحصول على الحقوق، فهو فقط لدخول إسرائيل، موضحاً أن هناك الكثير من الحقوق التي تضيع إما بسبب عدم المعرفة بها، أو التعرض لاحتيال من قبل المحامين الجوالين المنتشرين في مناطق عدة، خصوصاً في القرى وقرب المعابر.

الأجور باليد قد تُنقص الحقوق

بعض العمال يأخذون أجورهم اليومية أو الشهرية من المشغّل نفسه أو من السماسرة، وتكون باليد وليس عبر البنك، وهذا قد يسلبهم جزءاً من حقوقهم المالية كالأجور وأتعاب نهاية الخدمة، لذلك لجأت سلطة النقد للاتفاق مع الجانب الإسرائيلي، على البدء بتحويل أموال العمال إلى البنوك، وفق تصريحات نائب محافظ سلطة النقد الفلسطينية، رياض أبو شحادة، لكن هذا الأمر لم يطبّق على أرض الواقع بعد، وعلى الرغم ممّا سيوفره هذا الأمر من حماية لحقوق العمال، إلا أن هناك مخاوف من العمال أنفسهم، خصوصاً ممن لا يملكون تصاريح عمل، أو من الضرائب التي من الممكن أن تفرض عليهم.

20 في المئة من القوى العاملة في إسرائيل

تعتمد ما نسبته 14 في المئة من الأسر الفلسطينية على العمالة في إسرائيل، كمصدر الدخل الأبرز لها، وفق جهاز الإحصاء المركزي، ويوضح عبد الكريم مرداوي أن العمالة في إسرائيل تشكل تقريباً 20 في المئة من مجمل القوى العاملة في فلسطين، سواء كان ذلك بطريقة قانونية عبر تصاريح العمل، ومجموعهم يصل إلى 85 ألف عامل، أو في المستوطنات الإسرائيلية، وعدد العاملين فيها 30 ألفاً، أو من حملة التصاريح الأخرى أو التهريب، الذين يصل عددهم تقريباً إلى 35 ألف شخص.

المزيد من العالم العربي