حذرت تقارير أميركية من صيف آخر بلا كهرباء في ليبيا، مع احتمال انهيار الشبكات المتهالكة في البلاد، تحت ضغط الطلب الإضافي على الطاقة، الذي يبلغ ذروته سنوياً مع ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، في بلد تتميز غالبية أرجائه بمناخ صحراوي جاف.
وتضيف هذه التقارير، أعباءً جديدة على السلطات التنفيذية في البلاد، التي ستتولى إدارة شؤون محطات الكهرباء حتى نهاية العام الحالي، فهل ستجد خلال فترتها القصيرة، حلاً عجزت الحكومة التي سبقتها عن إيجاده لإنهاء هذه الأزمة المستفحلة طيلة السنوات الخمس الماضية؟.
تقرير يحدد موضع الخلل
وفي المقابل، نشرت السفارة الأميركية في ليبيا تقريراً يحدد أسباب أزمة الكهرباء التي تشهدها البلاد منذ سنوات، أعده مشروع "تقارب - Taqarib" التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في ليبيا.
وذكر التقرير أن "المحطات الكهربائية البالغ عددها 14، تضم 63 وحدة توليد بقدرة مركبة تصل إلى 8200 ميغاوات، تنتج حالياً 4350 ميغاوات فقط، لأسباب مختلفة".
وأوضحت الوكالة أن "40 وحدة كهربائية تعمل الآن، فيما تحتاج 23 وحدة للصيانة والتصليح، وأن ثلثي هذه الوحدات قديمة تجاوزت أعمارها 25 سنة".
وأشارت إلى أن "الوحدات تعمل بسعة كاملة فقط حين تتراوح درجة الحرارة بين 20 و25 درجة مئوية، ونسبة الرطوبة أقل من 40 في المئة"، ما يهدد بتهاوي الشبكة في فترات الذروة في الصيف حين تكون معدلات درجة الحراة بين 30 و40 درجة مئوية، في غالبية المناطق، مع معدلات مرتفعة للرطوبة تتراوح نسبتها في مدن الشمال المأهولة من 70 إلى 80 في المئة.
وبينت الوكالة أن "من أسباب تأخر معالجة الأزمة وعدم إصلاح المولدات الكهربائية وتشغيلها، المخاطر الأمنية التي يواجهها المهندسون، واحتياج الشركات الأجنبية إلى ضمانات لسلامة موظفيها قبل السفر إلى ليبيا، وهي غير ممكنة حالياً".
وحول المحطات البخارية، أكدت أن "تركيب وتشغيل المحطات الكهربائية سهل نسبياً ويستغرق 8 أشهر فقط، مقارنة مع تركيب المحركات البخارية التي تستغرق ثلاث سنوات لتكون جاهزةً للعمل".
وخلص التقرير إلى أن "حل مشكلة الطاقة الكهربائية في ليبيا، يلزمه خلق خبرة هندسية محلية وتوفير الحد الأدنى من الأمان للمقاولين، لإجراء عمليات الصيانة وتشغيل الوحدات القائمة حالياً، مع البدء في استخدام الطاقة الشمسية، ووضع إستراتيجية طويلة المدى لتلبية متطلبات الطاقة الكهربائية لليبيين".
علاجات غير شافية
تعد مشكلة الكهرباء من المشاكل المزمنة في ليبيا، التي فشلت الخطط الحكومية في وضع علاج لها، لارتباطها بالأزمات المتعددة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، وكل الحلول التي وضعت لتحسين الوضع الكهربائي، خلال السنوات الماضية، فشلت تماماً في تحقيق أهدافها، وأفضلها أسهم في تخفيف الأزمة وليس إنهائها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكادت أزمة انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، الصيف الماضي، أن تتسبب بثورة شعبية في أكبر مدينتين في ليبيا، بنغازي وطرابلس، حين خرجت تظاهرات غضب على الأوضاع المتردية في قطاع الكهرباء، كانت لها تداعيات أمنية وسياسية كبيرة، بخاصة في العاصمة، ولعبت دوراً في تحريك المفاوضات السياسية بين أطراف النزاع الليبي لحل أزمات البلاد.
لب المشكلة
يلخص نائب رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء في ليبيا، عبد السلام الأنصاري أسباب الأزمة، وقصور الدور الحكومي في حلها في لقاء عقده مع اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة،
وقال إن "الشركة تواجه صعوبات لمعالجة العجز الحالي البالغ 3000 ميجاوات على المديين القصير والطويل"، منوهاً أن "إجراء عمليات الصيانة، والحفاظ على استقرار الشبكة، هي الإجراءات التي يمكن القيام بها على المدى القصير، لكن تنفيذ هذه الإجراءات يزداد تعقيداً بسبب صعوبة تطبيق جدول فعال لتوزيع الأحمال".
ويشير إلى أن "تدفقات الإيرادات إلى الشركة العامة للكهرباء من تحصيل الرسوم كانت شبه منعدمة، وأن عملية تحصيل الرسوم بحاجة إلى التحسين إذا ما أريد للشركة أن تستمر في عملها" .
أزمة قديمة متجددة
من جهة ثانية، يوضح المهندس في شركة كهرباء بنغازي جمال العمامي، أن "العجز في تأمين الطاقة الكهربائية في معظم أنحاء ليبيا خلال الذروة الصيفية، أزمة قديمة تتجدد كل عام".
ويرى أن "هناك 10 محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية في ليبيا، إلا أنها لا تقوم بتوليد التيار الكهربائي بالشكل المطلوب، بسبب عدم إجراء الصيانة اللازمة لها"، موضحاً أن "مشاكل التوليد في غرب ليبيا، ترجع إلى عدم استكمال مشاريع إنشاء محطات توليد جديدة، مثل مشروع محطة غرب طرابلس، التي يفترض أن تكون قدرتها الإنتاجية 1400 ميغاوات وتنفذه شركة كورية، إلا أن المشروع توقف منذ عام 2011، إضافة إلى أنه في الفترة ذاتها توقف مشروع محطة توليد سرت بقدرة إنتاجية 1400 ميغاوات".
ويبين العمامي أن المشكلة مختلفة في شرق ليبيا، إذ "تكمن بالدرجة الأولى في إمدادات الوقود، لعدم استكمال خط نقل الطاقة من محطة السرير إلى إجدابيا، ومن إجدابيا إلى بنغازي، ومن بنغازي إلى طبرق".
يد الفساد تعبث بالقطاع
اتضح أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية، لم تكن الوحيدة التي أسهمت في تعثر إنتاج الطاقة الكهربائية بالشكل المطلوب في ليبيا، حين كشفت تحقيقات القضاء عن أياد فاسدة كانت تعبث بمخصصات القطاع، التي كان يفترض أن تذهب لحل ولو جزء من هذه الأزمة، لكنها ذهبت بدلاً عن ذلك إلى جيوب مسؤولين كبار في شركة الكهرباء الليبية.
وظهر الفساد في قطاع الكهرباء، إلى العلن في أغسطس (آب) من العام الماضي، حين أصدر مكتب النائب العام في طرابلس قراراً بمنع 17 شخصاً من موظفي الشركة العامة للكهرباء من السفر، بناء على تحقيقات في سوء إدارة وشبهات فساد تحوم حولهم.
وقال المكتب آنذاك إنه "بناءً على ما أسفرت عنه التحقيقات التي أثبتت إخلالات في إدارة الشركة، وبناء على تقارير الخبرة الفنية في ديوان المحاسبة، التي بينت مواطن الخلل، فقد أُصدر قرار بمنع أشخاص محددين من السفر"، قبل أن يصدر قسم التحقيقات بمكتب النائب العام بعدها بأسابيع، أمراً بحبس مدير عام الإدارة العامة للإنتاج في الشركة العامة للكهرباء في طرابلس، بتهمة التقصير في حفظ وصيانة المال العام.