Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فبراير ليبيا والميديا

بعض وسائل الإعلام تواصل جلد المواطنين على ارتكابهم خطيئة الخروج إلى شوارعهم

ليبيون يحتفلون بـ"ثورة فبراير" (أ ف ب)

كنا في بنغازي عاصمة الثورة الليبية، حيث خرجت جموع ليلة 15 فبراير (شباط) 2011، تهتف بإسقاط النظام، ما لم نكن لنصدق. وفي الأيام الأولى من هذه الثورة، التقى ثلة من الصحافيين والكتاب والفنانين، وكنت أحدهم، لنؤسس اتحاداً للصحافيين الليبيين، وقد تم ترشيحي لرئاسة هذا الاتحاد. وكان الغرض الأول والأخير حينها من تلك المبادرة، التعامل مع الظاهرة التي لم تر المدينة شبيهاً لها في تاريخها، وهي تدفق ما يقارب الـ300 من المراسلين والمصورين والفنيين الإعلاميين من العالم، من كوريا الجنوبية إلى البرازيل، ومن جنوب أفريقيا إلى النرويج، إضافة إلى ذلك مواجهة اتحاد مماثل تابع للنظام، الذي يوجه السلاح للمتظاهرين السلميين.

أثناء هذا علمت بوفاة فنان الكاريكاتير الليبي البارز محمد الزواوي، من هو أصيل مدينة بنغازي، وكان ثمة مفارقة في الحالة: هذا الفنان مات على طاولة مرسمه، في بيته بالعاصمة طرابلس وكانت ما زالت تحت قبضة القذافي، وهو يرسم لوحات كاريكاتيرية طُلبت منه رسمياً، تسخر من الثورة والثوار في بنغازي. توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة وسريعة، حتى قبل أن ينتبه أهل بيته لحالته، من كان قلبه عند أهله في بنغازي، ويده ترسم لوحاته الساخرة منهم، محمد الزواوي قبل هذا بسنوات قليلة، فجع بتصفية ابنه البكر في سجن بوسليم من قبل النظام، وقبل قتل ابنه بسنوات سُجن الزواوي نفسه في تونس، إثر توريطه من قبل أحد رجال مخابرات القذافي، بحمل حقيبة في فندق بتونس، تبين للأمن التونسي أنها تحتوي على قنابل، للقيام بعمل إرهابي ضد الدولة التونسية. 

قلتُ في حفل التأبين الصغير، الذي دعا له على عجل اتحاد الصحافيين الوليد، إن هذا التأبين يأتي في خضم احتفاء ضخم وكبير بثورة 17 فبراير الليبية، من قبل العالم وفي حضور للإعلام قل نظيره، لكن في هذا المكان أقل من القليل يعلم الخبر والمفارقة في هذه الثورة، تراجيديا فنان ليبيا الرسام الساخر محمد الزواوي، من ذهب ويده على قلبه. وهذه المفارقة الخاصة بالفنان الكبير، من كان قلبه مع الثورة ويده مع النظام، ستوصم الثورة الليبية عامة وخاصة من الإعلام، والحقيقة أنه يمكن رصدها تجاه كل ما أطلقت عليه "الميديا": (الربيع العربي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ليبيا كان انقلاب الملازم معمر القذافي العسكري في سبتمبر (أيلول) 1969، ما أطلق عليه ثورة الفاتح، قد استقبل سريعاً بالاعتراف به وبالتهليل الإعلامي. كذلك حصل مع الثورة ضده، ولكن هذا حصل بعد أربعة عقود ونيف، عاث وعبث فيها العقيد معمر القذافي، واتهم بأنه أخطر رجل في العالم من قبل الإعلام الأميركي. وتتواصل المفارقة من الاحتفاء بالقذافي إلى السخرية منه، ثم تتفاقم الحالة حين يتم الاحتفاء الضخم والكبير بالثورة، التي بدأت بحراك شعبي سلمي ينادي بإسقاطه في 17 فبراير 2011، حيث تتحول وسائل الإعلام هذه في كثير من البلدان والأحيان إلى التعريض بها، فاعتبارها مدمرة لعمار معمر!

في الذكرى العاشرة لما يعرف بـ"الربيع العربي"، أفردت وسائل الإعلام مساحات لهذه المناسبة، ومن تابع بعض مما قدم سيلاحظ أن منها من وجه، بصريح العبارة أو من خلال سياق الخطاب، تُهماً للحراك الشعبي بأنه مؤامرة.

وفي هذه الذكرى يتم صب البنزين على النار، فبعض وسائل الإعلام تواصل جلد المواطنيين على ارتكابهم خطيئة الخروج إلى شوارعهم، بل تطالبهم بِعضّ أصابع الندم على فعلتهم: إسقاط أنظمة كانت الدول وأنظمتها تشتكي من خصالها وأفعالها. وفي هذا تتنافس المحطات الديمقراطية العتيدة وغيرها، على اعتبار ما حدث مؤامرة رغم إنكار أحد قادة هذه النظم، فإن هذه "الميديا" تعمل أيضاً على مصادرة المستقبل، باعتبارها أنه لا حل في الأفق. وبالنسبة لليبيا التي تعيش خطوات لحلول سياسية، في الذكرى العاشرة لثورة 17 فبراير، فالتقارير الإخبارية والتحليلات توكد فقط أن الأفق مسدود، وبهذا أواجه كلما شاركت في حوار، حول مجريات الأمور في ليبيا بعد مخرجات جنيف، باعتباري أحد أبناء هذا البلد.

لن أُتعب ولا أطيل على السائل، لماذا تفعل ذلك هذه "الميديا"؟ فأقول أنها تمثل مصالح ونفوذ بلدانها، ما يستدعي حتى الساعة، وضع العصي في الدواليب ليس إلا.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء