Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الغاز في السودان ترفع استهلاك الفحم وتهدد الغطاء النباتي

حذر مختصون بيئيون من أن إزالة الغابات تؤدي إلى نقص في المياه والهواء على المدى الطويل

يعاني السودان منذ أشهر من شحّ كبير في مادة غاز الطهي (حسن حامد - اندبندنت عربية)

أعادت أزمة غاز الطهي المستفحلة منذ أشهر السودانيين إلى استخدام الفحم النباتي في إعداد وجباتهم، بعد أن كانوا تخلوا عنها منذ زمن، معتمدين على الغاز، ما شكل ضغطاً كبيراً على الفحم المستخرج من حرق أشجار الغابات، وتسبب في ارتفاع أسعاره ورواج تجارته المربحة التي دفعت التجار إلى زيادة وتيرة إنتاجه بصورة شكلت خطراً على الغطاء الشجري والغابات، فضلاً عن ارتفاع منسوب خطر مضاعفاتها البيئية.
وارتفعت أسعار الفحم مع اشتداد الأزمة بشكل كبير، حيث قفز سعر الشوال الواحد من 3000 جنيه سوداني أي ما يوازي 8 دولارات أميركية، إلى أكثر من 7000 جنيه، أي 18.5 دولار في بعض المناطق، بينما يُقدَّر استهلاك الأسرة المتوسطة من الفحم، بما قيمته نحو 600 جنيه سوداني (دولار ونصف الدولار) في اليوم الواحد، وذلك مقابل 650 جنيهاً كانت تدفعها الأسرة سعراً رسمياً لأنبوبة الغاز الواحدة، والتي تغطي حاجتها للطهي ثلاثة أسابيع تقريباً. وتُباع حالياً الأنبوبة خلسة في ظل ندرتها، بنحو 2000 جنيه (5 دولارات) في السوق السوداء.

تحذيرات من تفاقم الأزمة

وحذر مختصون في مجالات الغابات والبيئة من أن "استمرار أزمة الغاز لفترة أطول، سيقود إلى تزايد نسبة تدمير الغابات، بسبب القطع المستمر للأشجار وحرقها بغرض إنتاج الفحم، من دون مراعاة الأضرار البيئية الخطيرة الناتجة عن ذلك، ما يهدد بإبادة مساحات واسعة من الغابات، بصورة تعرض حياة الإنسان والحيوان والبيئة لخطر كبير".

وأشار المختصون البيئيون إلى أن "إزالة الغابات تؤدي إلى نقص في المياه والهواء على المدى الطويل، إلى جانب الأضرار التي تؤثر على معدلات إنتاج الأرض بسبب تآكل التربة وفقدانها خصوبتها، وتكرر ظاهرة الفيضانات وموجات الجفاف. كما يهدد تدمير الغطاء الشجري استقرار قبائل تتخذ من أواسط الغابات سكناً وأسلوباً متكاملاً للحياة، ومصدراً للعيش وكسب الرزق، ويعملون على المحافظة عليها وفق أسلوب حياتهم".



تقويض وانتكاسة جهود الحماية

ووصف المدير العام للهيئة القومية للغابات في السودان، عثمان عمر عبد الله العودة الكثيفة لاستخدام الفحم النباتي نتيجة لشح غاز الطهي، بـ"الظاهرة الخطيرة التي ترفع نسبة اعتماد السودان على الكتلة الحيوية في الطاقة ما بين 69 أو71 في المئة، إلى نحو 100 في المئة، بخاصة وأن مساهمة الغاز في حالة وفرته الطبيعية، كانت ضعيفة في الأصل، لكنها بدل أن ترتفع تناقصت، ما يشكل انتكاسة لجهود حماية الغطاء الغابي".

وأشار عبد الله إلى التأثير السلبي لعودة المواطنين إلى الاعتماد الكبير على الفحم في الطهي المنزلي والمطاعم والمناسبات، على جهود الهيئة لتعويض القطع المنتظم للغابات، نتيجة القطع العشوائي للأشجار وتجاوز الحد المسموح به قانوناً، وهو ما لا يمكن تعويضه من خلال إعادة الاستزراع، فبينما تزال في ساعات، يستدعي التعويض سنوات طويلة، لزرع أشجار أخرى مكتملة النمو. وأضاف عبد الله "صحيح أنه لا يمكن لأحد أن يستغني عن الطبخ والطعام، لكن أزمة الغاز الحادة وتبعاتها، تُسرِّع معدلات قطع الأشجار، مما يفاقم آثار إزالة الغطاء الغابي بصورة يصعب تعويضها ويؤدي إلى اختلال المعادلة بين الفاقد والتعويض، وبالتالي يشكل تهديداً كبيراً بتهدور قطاع الغابات، بخاصة وأن الهئية وضعت برنامجاً لاستزراع 6 ملايين فدان سنوياً، لكنها لم تتمكن من زراعة إلا مليون فدان فقط".

وأوضح المدير العام للهيئة القومية للغابات أنه "على الرغم من أن السودان لا يزال يعتمد في استخداماته المنزلية على الطاقة الحيوية من الفحم نباتي وحطب الحريق بنسبة تتراوح بين 69 و71 في المئة، فإننا ضد الاعتماد الكلي على ذلك النوع من الطاقة، بخاصة مع وجود بدائل صديقة للبئية كالغاز والرياح، بينما يُعتبر الفحم النباتي أحد ألدَّ أعدائها على الرغم من أهميته في حياة الناس وحاجتهم له".

العودة إلى تنشيط البدائل

ودعا عبد الله إلى "تركيز الاهتمام بالبدائل مثل الغاز والكيروسين (الغاز الأبيض)، لتخفيف الضغط على مصادر الطاقة الحيوية، وحصر استخدام الفحم النباتي في أضيق الحدود، وبالحجم الذي تتيحه نسبة الإزالة المنتظمة التي تقوم بها هئية الغابات من أجل الإفساح لمشاريع التنمية في مجالات الزراعة والبترول والتعدين، التي تتم بصورة مدروسة ومجدولة في إطار خطط الإحلال والتعويض".

وكشف المدير العام عن مساع لعقد المؤتمر العام للغابات، بعد أن تأجل أكثر من مرة بسبب جائحة كورونا لمناقشة خطط ومشاكل الغابات، وتأكيد التزام كل الجهات بما عليها من جوانب الخطة، وبخاصة تنفيذ الأحزمة الشجرية في مشروعات الزراعة الآلية، مؤكداً قدرة الهيئة على توفير الاحتياجات اللازمة من منتجات الغابات، والوفاء بالمتطلبات التنموية في الإطار الآمن لقطع الأشجار المنتظم والمدروس. وأكد أن "قانون الغابات تضمن عقوبات رادعة وجزاءات كبيرة على المخالفين، لكنه ركز على وسائل نقل المنتجات من دون إذن وتصديق السلطات المختصة، تصل إلى حد مصادرة المركبة أو وسيلة النقل، غير أن الجزاءات بحق الأشخاص تُعتبَر غير كافية، إذ إن هناك حدوداً معينة تسمح للمواطن بالاستفادة من الغابات لسد حاجته الضرورية منها بعيداً عن القطع الجائر والتجاري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أسوأ الأزمات على البيئة

في ذات السياق، اعتبر الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة في ولاية الخرطوم، بشرى حامد، أن أزمة الغاز الحالية واستخدام الفحم النباتي بديلاً له في الطهي، من أسوأ الأزمات التي تمرّ على السودان بالنسبة إلى البيئة، بعد ما استبشر السودان خيراً بتحول الناس إلى الغاز في كل أنحاء البلاد، وتوقف حركة قطع الأشجار بعد أن كان 90 في المئة منها، يتم لأغراض الحصول على الفحم. وأضاف "مهما كانت مبررات العجز عن توفير الغاز وحجم المبالغ التي سيكلفها، فإن الخسارة البيئية من قطع الشجار وتهدور الغطاء الغابي، تمثل ما يقارب عشرة أضعاف المبالغ التي كان يمكن أن يوفَر بها الغاز، لا سيما أن أبرز ملامح تلك الخسارة هي تدهور البئية والإنتاج الزراعي، وبالتالي كل مناحي حياة الناس".

وشدد حامد على "ضرورة تدارك الأزمة الراهنة عبر إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغاز بأسرع ما يمكن، لأن كل يوم يمر يضاعف تدهور البيئة، فالسودان هو هبة البيئة التي تعتمد عليها نشاطات الإنسان والحيوان وجودة الحياة بصفة عامة".

غياب الحساب والمحاسبة

وانتقد أمين مجلس البيئة غياب مبدأ الحساب والمحاسبة البيئيين، ما تسبب في مثل هذه الأخطاء الكارثية، إذ لو كانت هذه المبادئ قائمة بمعنى تقييم الخسائر وتقدير حجمها، ما كانت وقعت مثل هذه الجريمة، بخاصة وأن الغابات كانت حتى قبل 10 سنوات، تشكل نسبة 25 في المئة من مساحة البلاد، لكنها تقلصت إلى 10 في المئة فقط، بعد انفصال جنوب السودان، ما يستوجب مضاعفة الاهتمام والعناية بها، وليس إهمالها وتركها للمهددات والمخاطر.

وكشف حامد عن خطة مشتركة لمجلس البيئة مع هيئة الغابات القومية كانت تهدف إلى مضاعفة تلك النسبة إلى 20 في المئة، غير أن الواقع الكارثي الآن يعرقل تلك الخطة ويهزم أهدافها وغاياتها، مشدداً على ضرورة إعادة وضع قضية المحافظة على الغطاء الشجري ضمن قائمة أولويات الدولة ومرتكزاتها.

واقع ومآلات الغابات السودانية

وكانت هيئة الغابات وضعت خطة لتعويض تناقص مساحات القطاع الغابي، وزيادة حجم التشجير من متوسط 300 ألف فدان في السنة إلى ثلاثة ملايين فدان في السنة، عبر الاستعانة بشرائح المجتمع كافة، في مراحل تنفيذها، مع وضع النظم والتشريعات لحماية الغابات ورعايتها، وبث حملات للتوعية وسط المسؤولين والمواطنين لترسيخ ثقافة الاهتمام بالغابات وتشجيع الاستثمارات في هذا القطاع.

وبحسب وثائق الهيئة القومية للغابات يبلغ الحجم الحالي لمساحة الغابات في السودان نحو 52 مليون فدان، ما يعادل 10 في المئة من حجم المساحة الكلية للبلاد.

وكان حجم المساحات الغابية بالبلاد قبل انفصال دولة جنوب السودان عنه، تُقدَّر بنحو 152 مليون فدان، مما يعني أن البلاد فقدت ثلثي المساحات الغابية، أي ما يشكل نسبة 66 في المئة. وكان من المخاطر التى تعرض لها وجود الغابات، عمليات شق الطرق والتعدين بشقيه الاستخراجي والاستخلاصي، إلى جانب زراعة قصب السكر، إضافة إلى عوامل الجفاف.

ونظمت الهيئة القومية للغابات وهيئة غابات ولاية الخرطوم بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) خلال فبراير (شباط) الحالي، اجتماعاً تشاورياً لإعمار الغابات النيلية، فى إطار الإعداد لوثيقة شاملة، استكمالاً لمشروع إعمار تلك الغابات والمناطق المحيطة بها لإثراء التنوع الحيوي الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وعلى الرغم من كل الجهود والمحاولات لتعويض النقص في الغطاء النباتي، فإن عوامل التصحر والزحف الرملي ظلت دائماً تعيق جهود الحكومة على محدوديتها، فضلاً عن  تدني الإنفاق على تنمية هذا القطاع الحيوي.

المزيد من العالم العربي