Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دخول أميركي مفاجئ على خط الانقسام الأوروبي بشأن حفتر... ليبيا أمام معادلة جديدة

مصدر فرنسي رفيع المستوى في الإليزيه لـ"إندبندنت عربية": الخلاف بين معسكري روما وباريس أكثر تعقيداً مما هو معلن... وخبراء سياسيون: اتصال ترمب بالمشير ضوء أخضر لمواصلة الهجوم على طرابلس

أحد المقاتلين الموالين لحكومة الوفاق الليبية خلال اشتباكات مع قوات حفتر على مشارف العاصمة (أ.ف.ب)

لم يكن انقسام المجتمع الدولي حول ليبيا وليد التطورات الأخيرة، فمنذ الأيام الأولى للانتفاضة الليبية، ضد حكم العقيد معمر القذافي، في فبراير (شباط) 2011، وتدخل حلف شمال الأطلسي للإطاحة به، تباينت مصالح الدول الأجنبيه تجاه تطورات الأوضاع الليبية، لكن كانت في أغلبها تلتزم بما يدور في أروقة الدبلوماسية والسياسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع التطورات الميدانية الأخيرة في ليبيا، التي بدأت منذ الرابع من أبريل (نيسان) الحالي، بإعلان قائد الجيش الوطني المشير خليفه حفتر، عمليته المسماة "طوفان الكرامة"، لتحرير العاصمة طرابلس ممن سماهم بـ"الإرهابيين والمتطرفين"، زاد الانقسام الدولي لا سيما على الصعيد الأوروبي، وبات يعرف بمعسكري "روما" و"باريس"، تحول خلاله ما كان في أروقة السياسة، إلى تنابذٍ علنيٍّ وتبادلٍ للاتهامات بين مسؤولي البلدين، لتكشف تضارب المصالح والأهداف بين البلدين، وبمجاراتهما باقي دول العالم في ليبيا.

ولعل المتابع لمسار الموقف الأوروبي، المنقسم على نفسه جراء ملفات عدة، أبرزها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وملفات تقاسم عبء المهاجرين واللاجئين، فضلا عن قضايا صعود تيار اليمين الشعوبي، لا يجد عناء في كشف هذا الانقسام وبحدة في الملف الليبي، بين (روما وباريس)، وخلفهما بقية دول الاتحاد بدرجات متفاوتة، إلا أن اللافت للنظر الإعلان الأميركي وللمرة الأولى عن اتصال بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والمشير حفتر، ما دفع مراقبين للحديث عن ترجيح كفة قائد الجيش مع دعم واشنطن المعلن له.

باريس تدعم المشير وروما تتمسك بالسراج

ولخص مصدر رسمي مصري، قريب الصلة من تطورات الملف الليبي، التجاذبات الفرنسية الإيطالية في الشأن الليبي، قائلاً "تتخذ إيطاليا، الدولة المستعمرة لليبيا سابقا، موقفا مخالفا لفرنسا"، مشيرا إلى أنه رغم الخلافات الطفيفة في بداية الأزمة بين البلدين، فإنها سرعان ما تصاعدت مع تقرب فرنسا الفعلي من دعم معسكر المشير خليفة حفتر في الشرق الليبي، والابتعاد قليلا عن معسكر العاصمة في الغرب.

ومنذ 2011، تشهد ليبيا صراعا على الشرعية والسلطة يتمركز حاليا بين حكومة الوفاق في طرابلس (غرب)، وقوات حفتر التابعة لمجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق. وتعتمد حكومة الوفاق الوطني، التي أُعلنت في مارس (آذار) 2016 برئاسة فايز السراج، على مجموعة ميليشيات من أجل الحماية وضبط الأمن، وتقوم هذه الميليشيات بعدد من الأنشطة، تشبه دور قوات الأمن وحماية المؤسسات.

المصدر الرسمي الرفيع، أوضح لـ"اندبندنت عربية"، "رفض فرنسا في البداية دعم حفتر، لكن مع تقدم الجيش الليبي في العديد من المحاور في الشهور والسنوات الأخيرة، وفرض سيطرته على مساحات واسعة من الأرض، وتضاؤل مساحات ونفوذ الجماعات المتطرفة، اتخذت فرنسا تدريجيا مسار دعم معسكر حفتر على اعتبار أنه الورقة الرابحة". موضحا في الوقت ذاته، "أن أغلب دول العالم تدعم الحل السياسي للأزمة، والمسار الذي تنتهجه الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا، غسان سلامة، لكن تطورات وتعقيد الواقع على الأرض يدفع في النهاية لدعم أحد الأطراف، وفقما يتوافق ومصالح الدولة الخارجية".

وبحسب المصدر الرفيع، "فإن تعقيدات التدخل الخارجي في ليبيا، تظهر في مساعي كل دولة أو طرف خارجي الوقوف بقوة خلف مجموعة من "الميليشيات" الموجودة في أنحاء ليبيا"، مشيرا إلى  "الدعم المتناقض للمصالح من جانب أطراف خارجية، لميليشيات في مناطق متفرقة كما الحال في الزنتان ومصراته وبني وليد وحتى العاصمة طرابلس"، دون تسمية بالتفصيل أي دولة ودعمها للميليشيات في تلك المناطق.

الانقسام يظهر إلى العلن

ما يدور في الكواليس يختلف كثيراً عن الابتسامات الدبلوماسية، والمصافحات البروتوكولية، إلا أن سرعان ما ظهر الخلاف بين (باريس وروما) حول ليبيا إلى العلن، مع تبادل قيادات البلدين الاتهامات حول انزلاق ليبيا على الفوضى في الأيام الأخيرة وتصعيد روما حدة تصريحاتها برفض العملية العسكرية التي يقودها حفتر باتجاه طرابلس.

وقبل يومين، حذّر رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي، عشية زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان إلى روما للتباحث بشأن ليبيا، والتي جاءت بعد أيام من "التنابذ" العلني بين البلدين، من أن الوضع المتدهور في ليبيا قد يؤدي إلى زيادة في عدد المتطرفين العنيفين في هذا البلد. وقال كونتي أمام البرلمان الإيطالي "حالة الفوضى والعنف تزيد بشدة من خطر عودة ظاهرة الإرهاب التي لا تزال موجودة في ليبيا". مضيفاً "الحرب ضد الإرهاب وتدفق المقاتلين الأجانب تبقى بالتالي أحد التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد والمجتمع الدولي بأسره".

وغداة تصريحات رئيس الحكومة الإيطالية، اجتمع وزير الخارجية الإيطالي إنزو ميلانيزي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في روما، وأعلن أنه "لا يوجد حل عسكري للقضايا السياسية المعقدة في ليبيا". فيما قال لودريان إن "الأزمة يمكن أن تصبح خطرة" لأن "عناصر التدهور موجودة". لذا تعمل فرنسا وإيطاليا من كثب على هذه القضية لأنه "لن يكون هناك تقدم في ليبيا بدون اتفاق فرنسي إيطالي راسخ".

وفى الوقت الذى وعد فيه الوزيران بـ"اتخاذ مبادرات بشأن القضية الليبية، لكنهما لم يكشفا عن تفاصيل، وأوضحا بشكل خاص أنها ستكون موضوع اجتماع في روما بين كبار الدبلوماسيين من البلدين. كما أكد الوزير الفرنسي أن الصعوبات التي واجهت البلدين في الأشهر الأخيرة باتت وراءنا". في إشارة إلى عمق الخلاف بين البلدين حول ليبيا.

في الوقت نفسه، قال الوزير الإيطالي "يجب أن نصل في أسرع وقت ممكن إلى وقف لإطلاق النار"، مشددا على تقارب الآراء "بشكل تام" بين روما وباريس حول هذه المسألة.

ورغم تأكيد التصريحات الفرنسية الرسمية على دعم حكومة الوفاق الوطني المدعومة أمميا ورئيسها فايز السراج في طرابلس، والتأكيد على مسار الحل السياسي، قدمت فرنسا وفق مراقبين الدعم لحفتر، حيث تراهن على قدرته على إنهاء الفوضى التي عمت ليبيا منذ انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي لإنهاء حكم القذافي الذي استمر لأربعة عقود.

وأشار مصدر دبلوماسي رفيع المستوي في الإليزيه (الرئاسة الفرنسية)، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "غض باريس الطرف عن العملية العسكرية لحفتر في طرابلس مرتبط برؤية فرنسا حول ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل الأفريقي ودول جوارها، وما يمثله أي خطر لصعود الإرهاب من إضرار مباشر بالأمن الوطني الفرنسي".

ومنذ عام 2012، وتقود فرنسا عملية عسكرية في مالي لمكافحة الجماعات التكفيرية التي سعت للسيطرة على العاصمة باماكو.

وقال المصدر، الذى طلب عدم ذكر اسمه، "الأولوية بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الصعيد الخارجي، هي منطقة الساحل الأفريقي، والتي تشمل بالأساس دول مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو"، موضحا أن تجاور ليبيا لتشاد، وتصاعد الاضطراب بها، يجعلها أيضا في بؤرة الاهتمام الفرنسي، لما قد يمثله أي إرهاب أو تصاعد للتطرف وينعكس بدوره بشكل مباشر على الأمن الوطني الفرنسي".

وأوضح المصدر الفرنسي، "إذا كان لنا من ملاحظة على الوضع في الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل، فإننا سنقول إنه لولا الأزمة في ليبيا التي نتج عنها عودة مئات الآلاف من مواطني دول منطقة الصحراء الكبرى اليائسين إلى بلدانهم، وتدفق كميات ضخمة من السلاح على المنطقة قادمة من ليبيا، لما تحولت الجماعات في الصحراء الكبرى من مجرد مجموعات مسلحة ضعيفة ومعزولة في الصحراء إلى تهديد أمني حقيقي".

مصدر دبلوماسي فرنسي آخر، قال لـ"اندبندنت عربية" إن "الأزمة بين روما وباريس حول ليبيا شديدة التعقيد، وتتجاوز ما هو معلن بشأن ليبيا"، موضحا في الوقت ذاته، أن هذا يرجع بالأساس لتضارب الرؤي والأهداف بين البلدين.

المصدر ذاته أوضح، وفق تعبيره، أن "باريس تنظر بعين من التقدير إلى جهود الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر فى محاربة الإرهاب والتطرف في الأراضي الليبية"، وتعتبر أن مثل هذا التطور يعد بمثابة تحرك فعلي للقضاء على انتشار الجماعات الإرهابية في الأراضي الليبي والحد من تمددها، إلا أنه في الوقت ذاته لم يقلل من أهمية المسار السياسي المدعوم من المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار والأمن في ليبيا. بشكل دائم ومستمر".

في المقابل، ومع عدم تمكن "اندبندنت عربية"، من التواصل رسميا مع مصدر رسمي في الحكومة الإيطالية، إلا أن صحيفة " كوريري ديلا سيرا" اليمينة، والقريبة من حكومة رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، أوضحت أن روما التي لها مصالح نفطية كبرى في ليبيا تصر في موقفها بشأن ليبيا، على دعم حكومة طرابلس برئاسة فايز السراج، موضحة أنها عبرت عن غضبها من عدم رغبة باريس في مساندة قرار اتخذه الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة ويدعو حفتر لوقف زحفه إلى العاصمة.

هذا الموقف، عبّر عنه أيضا، رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، وهو إيطالي الجنسية، حيث أكد، قبل أيام وجود انقسام داخل الاتحاد الأوروبي بشأن آخر تطورات الأحداث في ليبيا، رغم وحدة الموقف الرسمي للتكتل.

وأشار تاجاني، إلى أن بلاده وفرنسا منقسمتان بسبب "مصالحهما المتضاربة" بشأن ليبيا، وتطرق رئيس البرلمان الأوروبي إلى دور فرنسا وبريطانيا في الإطاحة بنظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، واصفا ذلك "بالخطأ الذي أشاع الفوضى في البلاد". وقال: "نحتاج إلى مزيد من الوحدة. نريد كأوروبيين الحديث بصوت واحد، لكننا لسوء الحظ منقسمون بهذا الشأن".

الدعم الأميركي لحفتر... هل يقلب الطاولة؟

رغم عدم انخراط الولايات المتحدة بصورة مباشرة في تطورات الأوضاع في ليبيا، كما الحال بالنسبة لروما وباريس، أو دول الجوار الليبي كمصر والجزائر، إلا أن الإعلان المتأخر للبيت الأبيض، مساء الجمعة، والذى كشف عن اتصال الرئيس دونالد ترمب شخصيا مع المشير خليفة حفتر، رسم بعضاً من الخطوط العريضة للعبة الدولية التي تبدو فيها واشنطن قد حسمت موقفها بجانب حفتر، مجازفة بتهميش دور الأمم المتحدة في ليبيا.

وجاء الإعلان الأميركي، غداة إخفاق مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي، في التوصل إلى إستراتيجية واضحة لمطالبة المتحاربين بوقف سريع لإطلاق النار حيث عارضت واشنطن وموسكو  مشروع قرار بريطاني ينتقد الهجوم على العاصمة.

ووفق إعلان البيت الأبيض، فقد تحدث الرئيس ترمب إلى المشير حفتر عن "رؤية مشتركة" لمستقبل ديموقراطي لليبيا. وهذا الدعم الواضح لرجل الشرق الليبي القوي على حساب رئيس الحكومة المعترف بها دوليا فايز السراج رغم اعتراف الأسرة الدولية به كسلطة شرعية وحيدة في ليبيا، أرفق بالإشادة "بالدور المهم للمشير حفتر في مكافحة الإرهاب وضمان أمن الموارد النفطية في ليبيا" حسب بيان الرئاسة الأميركية.

ويرى خبراء أن إشادة ترمب بالمشير حفتر، دليل على دعم أميركي يفسر تصميم حفتر على مواصلة هجومه للسيطرة على طرابلس. وبحسب إبراهيم عبد الحميد، الخبير في الشأن الليبي، فإن "الدعم الأميركي يسمح بفهم سبب اندفاع حفتر في منطق الذهاب إلى النهاية بشكل أفضل". مشيرا إلى أن "الدعم الذي عبرت عنه واشنطن يوضح الأمور في الأمم المتحدة، وكيف أخفقت لندن في مشروع قرارها الأخير بمجلس الأمن، وهو القريب من موقف إيطاليا بشأن الأزمة ومعهم ألمانيا"، وفق مصدر رسمي مصري، حيث سعت بريطانيا لخمسة أيام من دون جدوى التوصل إلى قرار يدعو لوقف لإطلاق النار ودخول غير مشروط للمساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال.

وفي موقف غريب، خلال المشاورات وقفت روسيا والولايات المتحدة في صف واحد للمطالبة "ببعض الوقت" أو التأكيد أنهما "ليستا مستعدتين لقرار بدون توضيح سبب ذلك لشركائهما".

ومع الإعلان الأميركي بدعم حفتر، فإن الأخير بات يتمتع بدعم علني من مصر والسعودية والإمارات وروسيا. أما رئيس حكومة الوفاق الذي لا يتمتع بهامش حركة كبير حيال المسلحين الذين يسيطرون على طرابلس كما يرى الغربيون الذين لا تثير قدراته القيادية إعجابهم، فمدعوم من روما ولندن وبرلين، فضلا عن قطر وتركيا.

وكان حفتر أطلق في الرابع من أبريل (نيسان) الحالي هجوما على طرابلس. ويشهد جنوب العاصمة الليبية اشتباكات عنيفة منذ ذلك الحين بين قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً و"الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر. ودانت حكومة الوفاق الوطني التأييد الضمني من قبل عدد من الدول للمشير حفتر. وأعلن مرارا رئيسها، السراج، بعزمة مواجهة تقدم حفتر باتجاه العاصمة.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة